بقلم مريام فرانسوا
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد أصبح في غزة اليوم أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف مقارنة بأي صراع في التاريخ الحديث، فوفقاً لآخر تقديرات اليونيسف، هناك حوالي 1000 طفل في غزة قد فقدوا إما إحدى ساقيهم أو كلتيهما، أي ما يعادل 10 أطفال يفقدون الساقين في كل يوم.
ومع ذلك، فإن ذلك العدد قد ارتفع هذا العدد بشكل كبير مع استمرار الهجوم الإسرائيلي على المناطق المكتظة بالسكان في قطاع لم يعد أكثر من طريق ماراثون!
في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت الأمم المتحدة عن إضافة إسرائيل إلى القائمة السوداء للدول والمنظمات التي تلحق الضرر بالأطفال في مناطق الصراع، ولكن بالنسبة للكثيرين، لقد جاء هذا الأمر متأخراً بعد 8 أشهر.
اليوم أصبحت حقيقة حق الشعب الفلسطيني المحتل إلى تقرير المصير وكفاحه من أجل التحرر الوطني في مواجهة الاحتلال الوحشي أكثر وضوحاً للشباب من أي وقت مضى
يمكن القول أن أحد التحديات التي تواجه توثيق الحقيقة حول آثار الحرب الإسرائيلية على السكان المدنيين في غزة وهو رفض السلطات الإسرائيلية السماح للصحفيين الأجانب بالدخول إلى غزة.
وفي الوقت الذي قُتل فيه عدد كبير من الصحفيين الفلسطينيين أثناء تغطيتهم للمذبحة التي يتعرض لها شعبهم، لم تبذل أي وسائل إعلام أجنبية جهداً كافياً من أجل الوصول إلى صحفييها، مما ساهم في الانحراف نحو الرواية الرسمية الإسرائيلية المصممة لحماية تأطير العنف باعتباره دفاعياً رغم الضرر الهائل الذي لحق بجميع أشكال الحياة في غزة.
واقع مزعج
كانت القناة الرابعة البريطانية واحدة من المنافذ الإعلامية القليلة الملتزمة بتركيز وجهات النظر الفلسطينية في تغطيتها، ويمكنني القول أن فيلم “منطقة القتل داخل غزة” من إنتاج شركة القناة كان من أكثر الأفلام إثارة للقلق التي شاهدتها.
في أحد المشاهد في الفيلم، يقف عم طفل صغير فقد والديه وساقيه أمام سريره في المستشفى في ممر مزدحم وهو يحبس دموعه، يقول: “إنه لا يعرف بعد، لا يعرف شيئاً عن والديه ولا عن ساقيه”، فشدة الألم التي كان يتوجب عليه نقلها إلى هذا الطفل الصغير الذي يرقد مصدوماً بدت واضحة في عينيه المتعبتين.
لقد تجاوزت الجماهير الأصغر سناً اليوم المسموح الضيق في دعاية الهاسبارا الإسرائيلية برؤية الفلسطينيين كإرهابيين أو ضحايا لإرهاب المسلحين
يأخذنا الفيلم عبر أشهر من القصف والتهجير، ويسلط الضوء على واقع الفلسطينيين المتمثل في عدم وجود أماكن آمنة في غزة اليوم، وكأنه سلط الضوء على قطرة صغيرة من واقع مزعج للغاية في بحر من التضليل الإسرائيلي.
يسلط الفيلم الضوء على قوة المعلومات المضللة في توفير الواجهة اللازمة للشركات الإعلامية والسياسيين لمواصلة تبرير هذا الاعتداء، فلو كانت الصور الحقيقية كما في الفيلم هي القاعدة في تقاريرنا الإخبارية، كما هي الحال في وسائل التواصل الاجتماعي،لكان من الصعب تمرير سردية “الدفاع عن النفس” أو “ماذا عن حماس؟”.
لقد سلط الفيلم الضوء على الخسائر الفادحة التي خلفها الصراع على الأفراد الذين يخاطرون بحياتهم لرواية القصص، فأحد الصحفيين الفلسطينيين في الفيلم كان يغطي مقتل شقيقيه التوأم وأبيه في قصف حي سكني، ثم قام في وقت لاحق بتغطية هجوم أدى أيضاً إلى إصابة أخته.
“كل العيون على رفح”
لقد ولدت هذه الحرب معطى جديداً فيما يتعلق بنظرة الأجيال ومواقفها تجاه فلسطين، فقد أشار استطلاع للرأي أجري مؤخراً إلى أن غالبية الشباب البريطاني لا يعتقدون بضرورة وجود إسرائيل، وأن غالبية الشباب في أمريكا يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين، فيما رأى 34% من الشباب أن أسباب حماس لقتال إسرائيل مبررة.
لقد ساهمت اللقطات الأولية الحقيقية من شاشات صورتها مهتزة من غزة يتم تداولها على وسائل الإعلام الاجتماعية دوراً مهماً في إيصال المعلومات إلى الجماهير الأصغر سناً، الأمر الذي أفقد منصات الأخبار الرئيسية مصداقيتها لدى الشباب، خاصة وأنهم لم يكونوا من جمهورها بشكل فعلي سابقاً.
هناك جمهور كامل وجيل تيك توك يتشكل اليوم أكثر وعياً ويؤمن بأن الفلسطينيين يستحقون العدالة، وأعتقد أن وسائل الإعلام التقليدية عليها أن تحاول مواكبة هذا التيار الجديد قبل اضمحلالها
إن التنافر بين الصور التي يرونها من المصادر الأصلية أو من الأشخاص الذين ربما يعرفونهم أو يثقون بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى تعميق الفجوة المتزايدة بالفعل بين الأجيال حول المواقف تجاه فلسطين.
اليوم أصبحت حقيقة حق الشعب الفلسطيني المحتل إلى تقرير المصير وكفاحه من أجل التحرر الوطني في مواجهة الاحتلال الوحشي أكثر وضوحاً للشباب من أي وقت مضى.
من المشاهد الرقمية الأخيرة، كان هناك مشاركة لرسم بعنوان “كل العيون على رفح” تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي أكثر من 44 مليون مرة على إنستغرام، كما ينتشر المحتوى المؤيد لفلسطين على تيك توك باستمرار، حيث يدعي النشطاء أن هناك رقابة أقل من تلك التي تخضع لها شركة ميتا المملوكة للولايات المتحدة.
لقد تجاوزت الجماهير الأصغر سناً اليوم المسموح الضيق في دعاية الهاسبارا الإسرائيلية برؤية الفلسطينيين كإرهابيين أو ضحايا لإرهاب المسلحين.
تكفير عن ذنب
لقد حان الوقت لتصوير الفلسطينيين بالكرامة التي يستحقونها، بصوتهم وطموحاتهم الخاصة، فلطالما مارست وسائل الإعلام الليبرالية التضليل بتصوير الشفقة نحو الضحايا الفلسطينيين باعتبارها تغطية متوازنة، ولكن ذلك لا يعدو كونه محاولة بائسة لتكفير الذنب عن واقع الفظائع التي لا يقومون بتغطيتها بدقة.
لقد بكى الصحفيون خلال الاجتماعات التحريرية في غرف الأخبار في جميع أنحاء العالم الغربي وصرخوا مختبيئين في الحمامات، بل وتم فصلهم بسبب محاولتهم مواجهة الميل للحقيقة.
هناك معركة داخل الصحافة الغربية تحدث جنباً إلى جنب مع الصراع، وهي معركة مصممة لتوفير غطاء أيديولوجي لواحدة من أسوأ الفظائع في القرن 21.
إن توقفنا عن مفهوم العدالة التحريرية الحقيقية في قصة فلسطين وغزة، فهي تتضمن السماح بالاستماع الحقيقي المنصف لحركة التحرير الفلسطينية، فلم يعد الأمر يتعلق بالشفقة على الأطفال الجرحى، بل بمحاسبة إسرائيل بشكل حقيقي على جرائمها وإعطاء صوت لدعوة الشعب المحتل إلى الحرية والتحرر من الاحتلال والفصل العنصري.
هناك جمهور كامل وجيل تيك توك يتشكل اليوم أكثر وعياً ويؤمن بأن الفلسطينيين يستحقون العدالة، وأعتقد أن وسائل الإعلام التقليدية عليها أن تحاول مواكبة هذا التيار الجديد قبل اضمحلالها.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)