حاول إنقاذه فارتقى بين يديه.. ثم أدرك أنه والده.. قصة مؤلمة لمسعف فلسطيني في نابلس

حاول إنقاذه فارتقى بين يديه.. ثم أدرك أنه والده.. قصة مؤلمة لمسعف فلسطيني في نابلس

“صرخة من الأعماق تقطع الضجيج العارم” في غرفة الطوارئ في مستشفى النجاح بمدينة نابلس عقب اقتحام القوات إسرائيلية للبلدة القديمة فيها وقت الصباح.

صرخ الممرض إلياس الأشقر “هذا والدي” عندما تعرف على الملامح المألوفة لوجه الرجل الملطخ بالدماء الذي فشل هو وفريقه الطبي في إنقاذه.

 وقال أحمد الأسود، رئيس قسم العناية المركزة للقلب والصديق المقرب للأشقر: “عندما سمعنا النداء، ذهبت أنا وإلياس إلى غرفة الطوارئ وحاولنا إنعاش اثنين من الجرحى دون النظر إلى وجوههم، ففي هذه المواقف نهتم فقط بمساعدة المريض بأسرع ما يمكن.

“عندما فشلت كل المحاولات وأعلن وقت الوفاة، نظر إلياس إلى وجه الرجل وصرخ بعالي الصوت: أسود، هذا أبي!”

وكان عبد الهادي الأشقر (61 عاما) من بين 11 فلسطينيا قتلتهم القوات الإسرائيلية خلال المداهمة التي استمرت أربع ساعات متواصلة لمدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة يوم الأربعاء.

شعر كل المتواجدين من الطاقم الطبي بصدمة إلياس، ورفع الأسود بطاقة هوية عبد الهادي الأشقر في وجه صديقه وسأله: “هل أنت متأكد من أن هذا هو والدك؟ 

وحسب الأسود: “قال إلياس نعم، وخيم صمت رهيب على غرفة الطوارئ، ما زلنا نحاول الاستيقاظ من هذا الكابوس”.

وكان عبد الهادي الأشقر في السوق الشرقي لمدينة نابلس عندما اقتحمت أكثر من 60 آلية عسكرية إسرائيلية المدينة في وقت متأخر من صباح الأربعاء، حيث أصيب بشظايا في القلب.

ساحة حرب

في وقت سابق من ذلك اليوم، كان السوق الشرقي للمدينة القديمة يشهد نشاطه المعتاد في أوقات الذروة، حيث تبيع الأكشاك الفاكهة والخضروات لربات البيوت الفلسطينيات وكبار السن المتقاعدين الذين يرتادون السوق كل يوم، ويجتمعون مع أصدقائهم في مقاهي المنطقة.

لم يتوقع أي من هؤلاء الزوار المنتظمين أن يتحول السوق قريبًا في مشهد حي مع أصوات البائعين والمشترين الذين يساومون على الأسعار إلى ساحة حرب.

في حوالي الساعة العاشرة صباحًا، دخلت القوات الخاصة الإسرائيلية الخاصة – بعضها في ملابس مدنية، والبعض الآخر متنكرا في زي رجال الدين أو بملابس نسائية – إلى السوق حاملين لفافات كبيرة من السجاد أخفوا فيها أسلحتهم، وتوجهوا إلى المسجد الصلاحي الكبير، وفقًا لروايات شهود عيان. 

وبعد فترة وجيزة، قال شهود عيان إن القوات الخاصة غادرت المسجد وتوجهت بأسلحة مسحوبة باتجاه مبنى مجاور أفادت التقارير أنه كان يؤوي مقاتلين فلسطينيين.

وسرعان ما حاصرت تلك القوات، التي انضمت إليها تعزيزات عسكرية كبيرة، المنزل مطلقة باتجاهه الصواريخ، فيما شوهد قناصة إسرائيليون متمركزون في محيطه، ومروحية عسكرية تحلق فوق المدينة.

وفي بعض المناطق، يواجه السكان الآن القوات الإسرائيلية، بينما تدور في مناطق أخرى اشتباكات مسلحة بين المقاومين والقوات الإسرائيلية.

قتلت القوات الإسرائيلية ستة مقاتلين من الجماعات المسلحة المحلية، بما في ذلك من عرين الأسود، وكذلك صبي يبلغ من العمر 16 عامًا، وثلاثة رجال مسنين.

وفور ورود أنباء المداهمة، أرسل مدير الاستجابة للطوارئ في الهلال الأحمر في نابلس، أحمد جبريل، على الفور سيارات إسعاف إلى المنطقة، لكنهم وجدوها تحت الحصار، حيث أغلق الجيش الإسرائيلي جميع المنافذ.

وقال في غضون ذلك، منعت قوات الاحتلال الكوادر الطبية من الوصول إلى الجرحى، بل واستهدفتهم بالأعيرة النارية والغاز المسيل للدموع”.

وقال جبريل إن القوات الإسرائيلية منعت فريقا طبيا من الوصول لإخلاء طفل يعاني من مرض في القلب، واستهدفت سيارات الإسعاف بالغاز المسيل للدموع، مما زاد من صعوبة إخلاء الجرحى قبل أن يتمكنوا أخيرا من الوصول إليهم.

وأجبر بعض المسعفين على إخلاء الجرحى سيراً على أقدامهم رغم المخاطر المترتبة على ذلك.

وأصيب ما لا يقل عن 102 فلسطينيًا، بينهم ثلاثة صحفيين، وأصيب 82 آخرون بأعيرة نارية.

حزن وغضب

كان محمد وخالد بعارة، وهما مسعفان وقريبان، يسابقان عقارب الساعة لإجلاء رجل مسن أصيب برصاص قناص في رقبته وخصره وقدميه.

وقال محمد “قمنا بإجلاء الرجل بصعوبة تامة حيث كان القناصة يطلقون النار باتجاهنا، وكانت جروحه قاتلة، مما يعني أن القناص أراد قتله دون أدنى شك”.

لم يدرك المسعفان أن الرجل المسن هو قريبهما، عدنان بعارة، حتى وصلوا المستشفى ورأوا بطاقة الهوية الخاصة به.

وأضاف محمد: “في مثل هذه الحالات لا يمكننا التعرف بسهولة على الشهداء لأن وجوههم تكون مغبرة أو ملطخة بالدماء مثلما حدث مع بعارة”.

عالج محمد الذي يعمل أيضًا في متجر بالمنطقة العشرات من كبار السن الذين تواجدوا في السوق الشرقي صباح الأربعاء.

وكان عدنان بعارة في زيارة لمقر البلدية قبل لحظات من مقتله، كما توفي الرجل الثالث، عنان عناب، في وقت لاحق من تلك الليلة جراء استنشاقه للغاز المسيل للدموع.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه أجرى العملية في نابلس لاعتقال ثلاثة أشخاص بزعم تخطيطهم لهجمات ضد أهداف إسرائيلية في الأشهر الأخيرة.

وأضاف أن الجيش فتح النيران كرد فعل بعد تعرضه لإطلاق نار وإلقاء عبوات ناسفة وزجاجات مولوتوف من قبل الفلسطينيين في المدينة.

 إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت طائرات مسيرة وصواريخ وقناصة ورصاصا حيا وقنابل غاز، مما أدى إلى تدمير السوق ومحيطه.

وقال محمد “كضابط إسعاف عمل في مناطق النزاع لسنوات، أستطيع القول إننا أصبحنا معتادين على هذه المشاهد لكن مشاعر الحزن والغضب تتجدد مع كل جريح وشهيد”.

مقالات ذات صلة