حبس احتياطي طويل وإضراب عن الطعام: عائلة بريطانية تخشى فقدان ابنها خلف القضبان

بقلم عريب الله وكاثرين هيرست 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

 تجلس سانوارا بيغوم منحنية الظهر، تعدّل طرف حجابها الأبيض، وتحاول حبس دموعها، وكلما رنّ الهاتف تستعدّ للأسوأ، أحيانًا يكون المتصل محاميًا، وأحيانًا موظفًا في السجن، وأحيانًا أخرى يأتيها صوت ابنها من أحد عنابر أسره وقد بات أضعف من اليوم الذي سبقه، مع استمرار إضرابه عن الطعام الذي تجاوز الآن أربعين يومًا.

وتقول بيغوم، وهي تجلس إلى جانب زوجها المنهك قلقًا: “أريده فقط أن يعود إلى البيت”، وتسأل بحرقة: “لماذا لا تسمح له الحكومة بالعودة؟”.

فمنذ سبعة أشهر، يُحتجز نجلها كمران أحمد، رهن الحبس الاحتياطي، بعد اعتقاله على خلفية اتهامه باقتحام مصنع أسلحة تابع لدولة الاحتلال، ومن المقرر أن يمثل أمام المحكمة في يونيو/حزيران 2026، حيث يواجه تهمًا تتعلق بإلحاق أضرار جنائية، والسطو العنيف والإخلال الحاد بالنظام العام، فيما ينفي أحمد جميع التهم الموجهة إليه.

تصدّر اسم كمران أحمد العناوين بعدما بدأ إضرابًا مفتوحًا عن الطعام إلى جانب سبعة معتقلين آخرين مرتبطين بمجموعة “فلسطين أكشن” ذات الطابع الاحتجاجي المباشر، وجميعهم متهمون بقضايا مشابهة.

ويُحتجز أحمد، البالغ من العمر 28 عامًا والذي يعمل ميكانيكيًا، في سجن بنتونفيل شمال لندن، رهن الحبس الاحتياطي، ما يعني أنه مسجون دون إدانة قضائية حتى موعد محاكمته العام المقبل.

وفي حين ينصّ القانون البريطاني عادة على أن الحد الأقصى للحبس الاحتياطي هو ستة أشهر، فإن أحمد محتجز دون محاكمة منذ ما يقرب من عام كامل.

مخاوف تتفاقم

تشمل مطالب المضربين عن الطعام الإفراج الفوري بكفالة، ووقف تدخل إدارة السجون في اتصالاتهم الشخصية، ورفع الحظر المفروض على مجموعة “فلسطين أكشن”.

لكن بعد أكثر من أربعين يومًا من الإضراب، تقول عائلة أحمد إنها باتت “تخشى الأسوأ”، مع تدهور حالته الصحية يومًا بعد يوم.

فقد نُقل أحمد إلى المستشفى ثلاث مرات منذ بدء إضرابه عن الطعام، حيث تقول شقيقته، شاهِمينا علم، إنه يعاني من آلام حادة في الصدر ورعشات شديدة، واصفة ما يعانيه بأنه آلام “تشبه التعرّض للصعق الكهربائي”.

وتضيف أن إدارة سجن بنتونفيل لم تُبلّغ العائلة بنقله إلى المستشفى، كما قامت بحظر جميع أرقام هاتفه من نظام الاتصال داخل السجن، ما منعه من إبلاغ ذويه بأنه نُقل لتلقي العلاج.

وخلال فترة اعتقاله، خسر أحمد وزنًا كبيرًا، إذ انخفض وزنه من 74 كيلوغرامًا إلى 60.1 كيلوغرامًا، بمعدل فقدان يقارب نصف كيلوغرام يوميًا، فيما لا تزال مستويات الكيتونات التي تشير إلى حموضة الدم عند مستويات “خطيرة للغاية”، بحسب العائلة.

لكن القلق يتضاعف في كل مرة يُنقل فيها أحمد إلى المستشفى، حيث تقول شقيقته: “تتوقف كل الأخبار، حيث تتواصل المستشفيات مع السجن فقط، لا معنا، وهذا يعني أنه إذا ساءت حالته أو توفي، فلن نكون أول من يعلم، فالسجن هو من سيُبلَّغ”.

وتشارك عائلات مضربين آخرين عن الطعام أن هذه المخاوف مع عائلة أحمد، حيث يقول الطبيب جيمس سميث، وهو طبيب طوارئ يقدّم المشورة والدعم للمضربين وعائلاتهم، إن انقطاع التواصل مع العائلات أثناء نقل المعتقلين إلى المستشفى يتعارض مع البروتوكولات المعتمدة.

ويضيف: “إذا أُدخل سجين إلى المستشفى وكان هناك قلق من تدهور حالته الصحية أو تعرّضه لإصابة خطرة، فمن الواجب على إدارة السجون إبلاغ ذويه وتحديثهم بحالته السريرية، فهذه إرشادات واضحة ومعتمدة”.

تواصل شحيح

يُسمح للعائلة بالتحدث إلى أحمد مرة واحدة أسبوعيًا، وغالبًا ما يتواصل مع شقيقته، التي تنقل الهاتف بعد ذلك إلى والدته.

وفي البداية، أخفت شاهِمينا خبر الإضراب عن الطعام عن والديها، خشية أن يزيد ذلك من معاناتهما، لكنها اضطرت لإبلاغهما عندما نُقل شقيقها إلى المستشفى للمرة الأولى.

أما والده، محمد علي، فيجد صعوبة بالغة في التحدث مع ابنه، خوفًا من أن يُظهر صوته مدى تدهور حالته الصحية، أو يزيد من قلقه، فخلال حديثه الهاتفي يتوقف الوالد كثيرًا لالتقاط أنفاسه، ويخفق صدره وهو يتحدث، ويقول راجياً: “أرجوكم، لا تُظهروا هذا اللقاء لابني، لا أريد أن يعرف كم تدهورت حالتي”.

ويتذكر والدا أحمد كيف اقتحمت الشرطة المنزل في ساعات الفجر الأولى من نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لتعتقل نجلهما، بعد كسر الباب،  وتفتيش الغرف واحدة تلو الأخرى.

وتقول والدته إن صدمة المداهمة واحتجاز ابنها لمدة طويلة أدّت إلى إصابتها بخفقان في القلب، نُقلت على إثرها إلى المستشفى، وأنها ظلت منذ ذلك الحين تعاني من الأرق وفقدان الشهية، أما والده، فلا يزال يعاني من آثار الصدمة، متسائلًا عن سبب استمرار احتجاز ابنه دون مبرر.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، واجهت شاهِمينا وزير العدل البريطاني ديفيد لامي، الذي قال إنه “لم يكن على علم” بإضراب ثمانية معتقلين عن الطعام احتجاجًا على أوضاع احتجازهم.

ويقول والده محمد علي: “صحتي لم تزدد إلا سوءًا منذ المداهمة، أتذكر أنهم رفضوا أن يسمحوا لي برؤية ابني داخل سيارة الشرطة، لماذا؟ كنت أريد فقط أن أراه مرة أخيرة”.

غياب لا يُحتمل

عادت شاهِمينا، التي تعمل صيدلانية، للعيش في لندن لرعاية والديها المسنّين، اللذين يعانيان من أمراض خطيرة، إلى جانب شقيقها الأكبر الذي يعمل سائق حافلة ويعيل أسرة شابة.

وكان كمران، قبل اعتقاله، يتولى العناية بوالديه، يقدّم لهما الدواء، ويساعد في شؤون المنزل اليومية من طهي وتنظيف.

وتصفه والدته بأنه كان ابناً هادئًا ولطيفًا، شديد الارتباط بعائلته، وتقول: “كان خجولًا جدًا، يلتصق بي أو يذهب إلى شقيقته”.

ويضيف والده أنه مع تقدّمه في العمر، أصبح كمران عماد البيت، لا سيما في رعاية والدته التي تعاني من الاكتئاب.

وكان كمران يعمل ميكانيكيًا في الحي، يساعد الجيران في إصلاح سياراتهم، ويقضي وقت فراغه في الفعاليات الداعمة للقضية الفلسطينية، وفق مقاطع فيديو متداولة على الإنترنت، سعيًا منه إلى رفع الوعي بالإبادة الجارية في غزة.

ويعاني أحمد من الربو، وكان قد أصيب سابقًا بنقص حاد في فيتامين د أثّر على صحة عظامه، ومع استمرار إضرابه عن الطعام وإطالة أمد احتجازه، فيما يقول والداه إن قدرتهما على حمايته تتلاشى.

وتقول والدته بصوت منكسر: “نعلم أنه إذا بقي هناك، فستزداد حالته سوءًا، وسيصبح أكثر عرضة للمرض”، إلا أن والديه لا يسعمها في الوقت الراهن  سوى الانتظار في المنزل، رغم تجنبهما الدخول إلى غرفة كمران، التي يبقى بابها مغلقًا معظم الأيام.

 وتختم قائلة: “أرى سرير ابني فارغاً كل ليلة، وهذا ما يُبقيني عاجزة عن النوم”.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة