بقلم ليلى المغربي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والفلسطينيون منشغلون مع مناصريهم بأهوال العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث يخرجون في مسيرات أسبوعية مرة تلو الأخرى في جميع أنحاء العالم للتعبير عن غضبهم وسط الارتفاع المتزايد في عدد القتلى، الذي تجاوز الـ 18,000 فلسطيني حتى الآن، بينهم ما يقرب من 8,000 طفل، عدا عن الآلاف ممن هم في عداد المفقودين.
ومع ذلك، لا يزال القادة الغربيون يواصلون تكرار الحجج المبتذلة، مشددين على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، ويتحدثون عن الدعوات إلى ضبط النفس حين يتطرقون إلى قصفها المتواصل.
في المملكة المتحدة، يوصف التضامن العام مع الفلسطينيين بالـ “كراهية” من قبل بعض كبار السياسيين الذين يستخدمون خطابًا خطيرًا عند وصف الاحتجاجات السلمية.
وسواء كان ذلك التضامن عبر التلويح بالعلم الفلسطيني أو الهتاف “من النهر إلى البحر”، فقد تم شيطنة العديد من أشكاله في المجال السياسي في الوقت الذي يتم فيه تبجيله في المقابل من قبل الجمهور.
لقد تسببت حرب اليوم على غزة بتوسيع الفجوة بين إرادة الجمهور وإرادة ممثليه السياسيين، وحتى أولئك الذين اعتادوا على سياسات الاستقطاب التي سادت في الأعوام الأخيرة، اعتبروا ما يسمى بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني واحداً من أكثر قضايا العصر إثارة للانقسام.
حركة متنامية
منذ أن شنت إسرائيل هجومها على غزة، تم تنظيم عشرات المسيرات الأسبوعية في جميع أنحاء العالم، مما يشير إلى ارتفاع كبير في الدعم العالمي لفلسطين، وفي لندن، يتضاعف عدد المتظاهرين كل أسبوع، بداية من 150 ألفًا إلى 300 ألف ثم إلى 800 ألف شخص، وفقًا لحملة التضامن مع فلسطين، كما ارتفعت أعداد ومستويات الشخصيات المؤيدة لفلسطين.
لقد أثار الحجم الصادم وكثافة الدمار والقتل في غزة أعصاب العديد من المتابعين وحول الكثيرين إلى نشطاء بين عشية وضحاها
إن حركة التضامن مع فلسطين آخذة في النمو والصعود، فالاحتجاجات لا تهدأ حتى أثناء الليل بعد انتهاء التظاهرات التي تنظم في نهاية الأسبوع حيث تتردد الهتافات على إيقاع الدربكة.
ومع مرور 75 عامًا من الظلم على فلسطين، يستمر الغضب والاستياء طويل الأمد من تواطؤ الحكومات الغربية الذي يغذي الحراك القائم اليوم، وفي ظل الحزن واليأس السائدين في كل مكان، يخرج أولئك الذين يحثون على العمل والدفاع عن فلسطين.
ومع ذلك، هناك شعور سائد آخر يحد من قدرة بعض الناس على المشاركة في حركة التضامن مع فلسطين، ألا وهو الخوف، فقد أبلغ المئات من جميع أنحاء العالم ومن مختلف القطاعات عن تعرضهم للرقابة والمضايقة وفقدان الوظيفة، وفي بعض الحالات، تعرض البعض للاعتداء العنيف بسبب دعمهم لوقف إطلاق النار في غزة.
استخدمت الشرطة البريطانية صلاحياتها في استجواب المؤيدين لفلسطين وفي بعض الأحيان في اعتقالهم بسبب اللغة المستخدمة في الاحتجاجات أو على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أفاد بعض الطلاب إنه تمت إحالتهم إلى برنامج Prevent لمكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة من قبل أساتذتهم بسبب مشاركتهم في الإضراب من أجل فلسطين.
قالت لي أم بريطانية سورية مؤيدة لفلسطين في تجمع غير رسمي عقد مؤخراً، موضحة ما تشعر به “أريد أن أذهب، لكن بعد أن رأيت بعض العواقب التي يواجهها الناس، أصابني الذعر بشأن المشاركة في الاحتجاجات أو نشر أي شيء على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ولعل هذا هو السبب الذي يجعل العمل المنظم، خاصة داخل مجتمع يضم الأشخاص ذوي التفكير المماثل، يبدو بالغ الأهمية في الوقت الحالي، حيث يشعر الكثيرون أن العمل الجماعي المنظم يخلق شبكة أمان لأولئك الذين يشعرون بأنهم عرضة للسياسات والروايات الأكثر قمعية ومعادية للعرب الآن.
وعلى الرغم من التهديدات المتعددة التي واجهها المشاركون في تلك الاحتجاجات، فقد كانت المسيرات فرصة سانحة للتواصل وتشكيل الشبكات وتنسيق الفعاليات، فيما شكل مجتمعاً خاصاً للفلسطينيين ومؤيديهم يشعرهم بالانخراط بعمل بالغ الأهمية.
فقد استطاع عمر لبابيدي، وهو رجل أعمال بريطاني سوري مقيم في لندن، أن ينشئ مجموعة فلسطينية ناشطة تضم أكثر من 150 عضواً، بدأ الأمر كنادٍ صغير للإفطار قبل المسيرة، لكنه سرعان ما تحول إلى شبكة منظمة حيث شعر المزيد من الناس بالحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
تمتلك الشبكة، التي تجمع بين الخدمة المجتمعية والعمل الناشط، قنوات متعددة حيث يتم تبادل وتنسيق المعلومات حول الاعتصامات والمسيرات ومراقبة وسائل الإعلام وحملات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأنشطة.
وأوضح لبابيدي عمل الشبكة قائلاً: ” الهدف الرئيسي للشبكة هو توفير البنية التحتية لمزيد من النشاط التمكيني، إنها منصة لتمكين الذين يريدون القيام بالمزيد من الأنشطة بفعالية، نتطلع إلى بناء روابط أعمق داخل هذه المجموعة حتى نخفف شعور الناس بالعزلة ليصبحوا جزءًا من مجتمع أوسع.”
ومع وجود قنوات مخصصة لمواضيع مختلفة، تستفيد الشبكة من التكنولوجيا لتبسيط المبادرات وبناء الموارد والأدلة ومجموعات العمل الفرعية.
وشدد لبابيدي على أن الأحداث المجتمعية المنظمة التي تتضمن الموسيقى والرقص والطعام لا تقل أهمية عن النشاط نفسه لما لها من فائدة للترويح عن النفس وتخفيف الإرهاق.
وتوفر هذه الشبكة أيضًا فرصة للبقاء على اطلاع على الأنشطة وللانخراط في الحراك لا سيما لأولئك الذين يخشون أن تؤثر المظاهر العامة للتضامن مع فلسطين على وظائفهم أو على حالة التأشيرة الخاصة بهم.
ولطالما كان لبابيدي متعاطفًا مع القضية الفلسطينية، حيث يستحوذ العمل على تنظيم الأنشطة الداعمة لفلسطين الآن على حياته.
“ما نشهده اليوم من حراك لا يشبه أي شيء في السابق، فقد بدت ردة فعل العالم، خاصة في الأسابيع القليلة الأولى، وكأنها واقع بائس، ما جعل من النشاط ضرورةً بالنسبة لنا كبشر، وكانت هذه نقطة مفصلية.”
“ماراثون وليس سباق سريع”
إن الكثير من الحراك الجديد بشأن فلسطين في المملكة المتحدة لا يعد عملاً مركزياً لطبيعته الشعبية، حيث يتم تنظيمه من خلال حملات يقودها أفراد ملتزمون باستخدام طاقتهم ومهاراتهم لتحقيق العدالة من اجل فلسطين، سواء كان ذلك وقفة احتجاجية، أو مؤتمرًا صحفيًا، أو حملة اختراق إعلاني ، أو تقديم التماسات إلى النواب، فإن هؤلاء الأفراد يستفيدون من شبكاتهم للحصول على الدعم والتجربة والزخم، وبناء مجتمعات أكبر للتضامن مع فلسطين في هذه العملية.
قبل شهرين، لم يتخيل الدكتور عمر عبد المنان قط أنه سيكون مؤثراً عبر القنوات الإخبارية التلفزيونية البريطانية، حيث يقول طبيب أعصاب الأطفال البريطاني المصري، ومؤسس حساب “أصوات أطباء غزة” على وسائل التواصل الاجتماعي: “لقد كرهت التحدث أمام الجمهور من قبل، لكن حاجز الخوف اختفى الآن، هناك أشياء أكثر أهمية من ذلك”.
وبعد زيارته لغزة كجزء من برنامج تدريب طبي إنساني، كانت اتصالات عبد المنان المباشرة هناك تعني أنه يستطيع أن ينقل للعالم مباشرة الظروف المروعة التي كانوا يعملون في ظلها بالتزامن مع سقوط القنابل الإسرائيلية.
ويقول عبد المنان: “عندما سمعت أن المستشفى الأهلي تعرض للقصف، أردت أن أصرخ، في اليوم التالي استيقظت وقررت أن أجعل صوتي مسموعاً، كل المخاوف التي كانت لدي بشأن وظيفتي وعائلتي ومسيرتي المهنية ذهبت أدراج الرياح، عرفت أنني إذا لم أفعل ذلك فلن أستطيع العيش”.
وفي غضون أسابيع من مشاركة شهادات المسعفين والصور من غزة، جمع الحساب أكثر من 90 ألف متابع على إنستغرام، وظهر الطبيب الإنساني في عشرات البرامج الإذاعية والتلفزيونية للدعوة إلى وقف إطلاق النار وحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية، حيث قتل ما لا يقل عن 250 من العاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر.
لقد كان عملاً لا هوادة فيه، وقد أدى استهلاك الكثير من العنف المأساوي إلى خسائر شخصية، لكن عبد المنان يقول إنه ملتزم بالدفاع عن حماية الرعاية الصحية في غزة.
وأضاف “أدرك أن هذا ماراثون وليس سباق سرعة، لا أعتقد أن ظهوري الإعلامي سيوقف عدد القتلى اليوم، لكنني آمل أن يكون له تأثير طويل المدى، أعتقد أن الحل سيأتي من أشخاص مثلنا في الغرب يمكنهم استخدام هياكلنا الديمقراطية وحرية التعبير لخلق خطاب مضاد.”
إن التأثير على سياسات وستمنستر بشأن فلسطين هو أمر أساسي لإنهاء إراقة الدماء في غزة والسعي لتحقيق العدالة للفلسطينيين
يمكن ملاحظة تأثير التنظيم المنسق في الروايات المتغيرة ببطء في وسائل الإعلام الغربية وداخل برلمان المملكة المتحدة، حيث يواجه النواب ضغوطًا متزايدة من الناخبين للدعوة إلى إنهاء الحرب على غزة.
ومع ذلك، فإن النفوذ القوي الذي يتمتع به اللوبي المؤيد لإسرائيل بين النخبة السياسية في المملكة المتحدة لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا أمام تقدم أي خطاب مؤيد لفلسطين، وسيتعين أخذه في الاعتبار عند تشكيل كيفية تنظيم الحركة لنفسها في المستقبل.
وأوضح لبابيدي: “في نهاية المطاف، الهدف هو توسيع الشبكة المجتمعية للناشطين المتحالفين ليكونوا أكثر فعالية من الناحية السياسية وإحداث التغيير في حكومة المملكة المتحدة”.
إن التأثير على سياسات وستمنستر بشأن فلسطين هو أمر أساسي لإنهاء سفك الدماء في غزة والسعي لتحقيق العدالة للفلسطينيين، ولكن التعقيد الشائك لهذا الصراع يعني أن الحركة يجب أن تستعد بالإيمان والقدرة على التحمل لخوض “الماراثون” في هذه الرحلة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)