أصبح تعبير “الحرب الأهلية” المصطلح الأكثر تردداً على ما يبدو، في الخطاب الإسرائيلي اليوم، فيما يعكس حالة من القلق غير المسبوق لم يشهدها الإسرائيليون من قبل.
ويبدو الأمر أكثر خطورة عند استخدام المصطلح العبري “حرب الإخوة” كرديف بديل لـ “الحرب الأهلية” في بلد يفتخر بالتضامن الداخلي، إلا أن هذا الشعور الأخوي بدأ بالتبدد بالنسبة للعديد من الإسرائيليين ليتم استبداله علانية بالكراهية والازدراء والرعب الصريح.
وبات الخيار الوحيد هو حرب أهلية بين يهود السفارديم ويهود الأشكناز، وبين اليسار واليمين، والغني والفقير، والمتدين والعلماني.
فعلى مدار شهرين، شارك مئات الآلاف من الإسرائيليين في الاحتجاجات والإضرابات الأسبوعية ضد إصلاحات نتنياهو القضائية التي تصفها المعارضة بـ “الانقلاب”، والتي ينذر إصرار حكومة اليمين المتطرف على تنفيذها بتآكل الضوابط والتوازنات والانزلاق أكثر نحو الاستبداد.
ولأن الاحتجاجات لا تشكل ردعا للحكومة، فإن “حربا أهلية” باتت تلوح في الأفق وسط تحذيرات من قبل السياسيين والنقاد، ورئيس المخابرات السابق يوفال ديسكين.
وكان ديسكين قد كتب في أكتوبر من العام الماضي، قبيل الانتخابات التي جلبت الحكومة القومية المتطرفة الحالية إلى السلطة، مقالاً في صحيفة يديعوت أحرونوت اليومية بعنوان “على شفا حرب أهلية”.
تنبأ ديسكين في مقاله بما ستؤول إليه الأمور، مستنداً في تحليله إلى تفكك التماسك الاجتماعي الداخلي الذي قال إنه حاصل بالفعل.
وفيما صدم الكثيرون من وجهة نظر ديسكين وعارضه بعضهم، تبين بعد ستة أشهر أن ثلث الإسرائيليين يتفقون معه، بحسب استطلاعات للرأي.
فقد أظهر استطلاع أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي وتم نشره في فبراير، أن ثلث المستطلعين يعتقدون أنه من المحتمل اندلاع حرب أهلية عنيفة، فيما وصلت النسبة بين المتظاهرين الذين شملهم الاستطلاع إلى أكثر من 50 في المئة.
وإلى جانب التهديد بالعنف الجسدي في أوساط الإسرائيليين، بدأت الحرب الكلامية تتكشف بالفعل، حيث يقارن المتظاهرون الحكومة بالنازيين، بينما يشير إليهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بـ “الفوضويين” أو بـ “المعسكر الآخر”.
ولوحظ في الآونة الأخيرة تغيير في استراتيجية الشرطة لضبط النفس التي اعتمدتها منذ بدء المظاهرات، حيث تم تفريق المشاركين بعنف بواسطة شرطة الخيالة الإسرائيلية و استخدام القنابل الصوتية وخراطيم المياه بشكل تعسفي مما أدى إلى إصابة واعتقال العشرات.
وبالمقابل، انتقد نواب الحكومة والمعارضة منع زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي سارة نتنياهو من الخروج من صالون تجميل الأسبوع الماضي، في حدث وصفه نجلها يائير نتنياهو بأنه محاولة “قتل جماعي” من قبل “إرهابيين”، في مشهد يذكر بحادثة اغتيال رئيس الوزراء اليساري يتسحاق رابين عام 1995 على يد الناشط اليميني المتطرف إيغال عامير.
ويقول الخبراء إن الحروب الأهلية تبدأ تاريخيًا باغتيالات بارزة لكنها تستغرق وقتًا لتتطور إلى صراع شامل، فهل وصلت إسرائيل إلى تلك اللحظة؟
يتوقع جاد برزيلاي، الأستاذ في جامعة حيفا، والذي أجرى بحثًا معمقا حول مؤشرات الحروب الأهلية، أن إسرائيل ربما تسير في هذا الاتجاه الآن.
وتتأكد مخاوف برزيلاي من خلال ما يراه “مؤشرات اجتماعية” تسبق عادة الحرب الأهلية من أهمها المشاكل المالية التي ظهرت في الأشهر الأخيرة بسبب الأزمة السياسية المستمرة.
فالفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في الاتساع في إسرائيل في مجتمع مليء بالفعل بالتوترات العرقية بين اليهود الشرقيين (من أصول شرق أوسطية وشمال أفريقية) والأشكناز (من أصول أوروبية)، وعليه يمكن أن تؤدي المشاكل الاقتصادية إلى مزيد من الاحتكاكات الاجتماعية والاقتصادية.
وأوضح برزيلاي أن خطر الحرب الأهلية لا يأتي من القاعدة الشعبية، بل من السلطات المتنافسة.
وقال: “ماذا لو أقام المستوطنون بؤرة استيطانية جديدة غير شرعية في الضفة الغربية المحتلة ولم يسمح للجيش بإخلائها؟” ويجيب إن هذا سيؤدي إلى “سيادة مقسمة” بدأت بوادرها بالظهور بالفعل.
الأقصى وليست الديمقراطية
أما ديفيد باسيج، وهو أستاذ مشارك في جامعة بار إيلان، فقد كان يتوقع حربًا أهلية في إسرائيل منذ سنوات، إلا أنه يعتقد أن الحادثة التي سوف تتسبب بالحرب ستقع في المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة وليس بسبب الخلاف حول الديمقراطية، وهي القضية الجوهرية للتوتر الحالي والاحتجاج الجماهيري القائم في إسرائيل.
وأوضح باسيج بالقول إن “جبل الهيكل يُعتبر بالنسبة للعديد من اليهود في إسرائيل تجسيدًا لماهية الدولة اليهودية وبدونه تفقد الدولة الغرض من وجودها “.
وقال إن المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية يشعرون حتى الان، أنهم يقاتلون من أجل إنقاذ أمتهم فقط، في حين أن السيناريو الأسوأ بالنسبة للطرف الآخر هو إسقاط خطة الإصلاح القضائي.
وأضاف: “أشك في إمكانية استدراج ‘الطرف الآخر’ إلى الشوارع بسبب الإصلاحات القضائية”، أما إذا انضم فلسطينيون من مواطني إسرائيل إلى حركة الاحتجاج، فقد يشكل ذلك نقطة تحول”.
وعلى الرغم من أن أولئك الفلسطينيين غالباً ما سيكونون أول ضحايا “إصلاحات” الحكومة، إلا أنهم قاطعوا بشكل علني المظاهرات اليهودية الصهيونية، فيما يقول البعض منهم إنهم مُنعوا أو استُبعدوا من المشاركة في الاحتجاجات.
ويقول باسيج: “إذا انضمت الجماهير العربية إلى الاحتجاج، فقد يغير ذلك قواعد اللعبة في طبيعة المواجهة، حيث إن وجودهم سيزيد من غضب اليمين الراديكالي”.
لا يزال معظم الإسرائيليين مترددين في الاعتراف لأنفسهم بأن حدوث حرب أهلية احتمال مقبول، إلا أن الخوف وكذلك الضغينة يسودان الوضع الحالي في إسرائيل فالجروح الاجتماعية القديمة تغذي المواجهة الجديدة.
إلا أنه وفي ظل وجود العديد من المتغيرات خارج نطاق السيطرة، وهيمنة القيادة المتمركزة على الذات على السياسة، فإن جميع التقييمات والتنبؤات تظل عرضة للتغيير.