بقلم رويدا عامر
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
عبر سلسلة من الضربات الموجهة، دمر الجيش الإسرائيلي خلال قصفه المستمر لغزة عشرات المساجد بما فيها المسجد العمري الشهير بقيمته التاريخية والأثرية.
ترك الدمار الفلسطينيين في غزة أو خارجها في حالة من الحزن على فقدان مسجد تراثي فريد.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، دمرت القوات الإسرائيلية بشكل كلي أو جزئي أكثر من 300 مسجد وثلاث كنائس، باتت الأحياء المتضررة تفتقر لها أثناء أوقات الصلاة الآن، حيث تفتقد الآذان المثير للروح والذي كان يتردد صداه في جميع أنحاء المدينة.
وقال خالد أبو جامع (25 عاماً) من سكان مدينة خانيونس جنوب القطاع، ” لم نعد نسمع الأذان في حينا بسبب الدمار الكامل للمنطقة الشرقية من المدينة بما فيها المساجد”.
وأوضح أبو جامع أن ” الأهالي يتابعون الأذان حالياً عبر هواتفهم، هذه الحرب ليست كأي مواجهة شهدناها سابقاً، لقد تم استهداف المساجد وهي رمز عقيدتنا بشكل عشوائي”.
وعند التأمل في ذكرياته العزيزة المرتبطة بالمسجد العمري، أكد أبو جامع على ما كان للمسجد من دور مركزي في الحياة اليومية.
وقال : ” لدينا ذكريات جميلة عن المسجد، هنا كنا نصلي يومياً ونؤدي صلاة التراويح في رمضان وصلاة العيد ونقرأ القرآن ونلتقي كأصدقاء”.
“قلب المجتمع”
وأشار أبو جامع إلى أن المساجد كانت جزءاً لا يتجزأ من حياته منذ الطفولة، رابطاً بين الاستماع لصوت الأذان والاستيقاظ في الصباح، كما أوضح أن المسجد يقف بمثابة معلم إرشادي ونقطة إسناد لأي شخص يبحث عن منزله.
وتابع يقول في وصفه” إنه أكثر من مجرد مبنى إنه يمثل قلب المجتمع”.
وشدد على أن إعادة بناء الحي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإعادة بناء المساجد التي لا تمثل اعتبارًا ثانويًا في حياة الناس، بل هي أساسها الجوهري.
أنشئ المسجد العمري الكبير في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكان في السابق معبداً رومانياً ثم جرى تحويله إلى كنيسة فيما بعد، وأصبح أكبر مسجد بعد الفتح الإسلامي، وهو يقع في البلدة القديمة بغزة، بالقرب من ساحة فلسطين، ويمتد على مساحة 4100 متر مربع، مع فناء بمساحة 1190 متر مربع ويتسع لأكثر من 3000 مصلٍ.
وبحزن لافت، يقول سعيد اللبد وهو مواطن من غزة يبلغ من العمر 45 عاماً ويقيم حالياً في تركيا: ” لم أعتقد قط أن هذه الحرب ستدمر المساجد”.
ويضيف الرجل الذي تسكن عائلته بالقرب من المسجد العمري في الشجاعية بمدينة غزة ” حضرت كل صلاة هناك، إنه مكان قديم عزيز يحبه أطفالي وأتساءل لماذا تم تدميره؟ هل يشكل تهديداً للمحتلين؟”
وأضاف أن عشرات المساجد الأخرى مثل مسجد الحساينة بالقرب من ميناء غزة دمرت أيضاً.
ويتابع: ” هذه المساجد تحمل ذكرياتنا، خاصة خلال شهر رمضان، لكن هذه الحرب طمست كل شيء، آمل أن يتم إعادة إعمار غزة بعد الحرب، وأن أتمكن من استعادة تلك اللحظات الجميلة وزيارة هذه الأماكن مرة أخرى مع عائلتي.”
دفع الاستهداف المستمر للمساجد في غزة الكثير من الفلسطينيين إلى الاعتقاد بأن هذه المساجد لم تعد آمنة حتى أثناء أداء الصلاة فيها، لكن الكثيرين يرفضون التوقف عن ارتيادها رغم الخوف معبرين عن صمودهم في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
ويقول خالد إسلام (30 عاماً) من خان يونس: ” لن أتردد في الذهاب إلى المسجد، إذا قُتلتُ فسيكون موتي هناك نهاية جميلة لحياتي”.
وأضاف: ” المساجد لا تشكل أي خطر، وسنعيد بناءها وسنرفع الأذان وسط الأنقاض، إن رؤية المصاحف ممزقة ومحترقة تحت الأنقاض تبعث فينا الألم وتعكس الظلم الذي تواجهه غزة”.
وأدانت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية هدم المسجد العمري، واصفةً ذلك بأنه يتم ضمن خطة إسرائيل لمحو التراث الفلسطيني.
وقالت إن هذا الفعل ينتهك المعاهدات الدولية بما فيها اتفاقية لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، واتفاقيات اليونسكو بشأن حماية الممتلكات الثقافية.
ونوهت الوزارة إلى أن جذور المسجد العمري التاريخية تعود إلى دير بيزنطي في القرن الخامس الميلادي، واعتبرت تدميره بمثابة “جريمة ضد التراث الثقافي للشعب الفلسطيني” الذي يرمز إلى ارتباطه بالأرض.
وسلطت الوزارة الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية الأخرى ومن بينها تدمير المواقع الأثرية مثل ميناء غزة القديم، وكنيسة برفيريوس، ومسجد جباليا، والعديد من المباني التاريخية والمتاحف، وحثت على التدخل الدولي، وناشدت اليونسكو والمجتمع الدولي إجبار إسرائيل على “وقف عدوانها ضد الشعب الفلسطيني وتراثه”، مؤكدة أن مثل هذه الأعمال لن تردع ” الشعب الفلسطيني عن مواصلة تصميمه على التحرر والاستقلال”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)