بقلم رامي عبده
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في مشهد لا يبدو واقعياً، لكنه منسجم مع طبيعة الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، جلس وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على مكتبه، وتحدث بابتهاج وأمامه مائدة كبيرة من الطعام، وقبل أن يحشو فمه بالخبز الطازج، تفاخر بمنع الأسرى الفلسطينيين من إعداد الخبز في السجون، مضيفاً أن هذا الإجراء كان “مجرد البداية”.
لم يخلف الحدث الذي جرى في وقت سابق من هذا العام أي ردود فعل أو انتقادات أو ضغوط دولية، لذلك شرع بن غفير في تنفيذ إجراءات أكثر قسوة ضد السجناء الفلسطينيين، مما دفع نحو 1000 منهم إلى الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام الشهر الماضي.
رد بن غفير على الإضراب بممارسة المزيد من الضغط التعسفي على الأسرى، فعمد إلى الى تقليص الزيارات العائلية إلى مرة واحدة كل شهرين، ما حدى بالأسرى للتوجه نحو الإعلان عن إضراب جماعي آخر عن الطعام في 14 أيلول / سبتمبر، لكنهم أوقفوه بعد أن ألغت سلطات السجون الإسرائيلية قرار تقييد الزيارات.
كان من شأن هذين الإضرابين أن يكونا الأكبر منذ سنوات بالنسبة للفلسطينيين، الذين يقبع العديد منهم في السجون دون أن يحصلوا على محاكمة عادلة، فبموجب النظام التمييزي الإسرائيلي، تصل نسبة الإدانة للفلسطينيين الذين يحاكمون أمام محاكم عسكرية إلى 99.7%، في حين نادرا ما تتم إدانة الإسرائيليين على خلفية هجماتهم ضد الفلسطينيين، ويحتجز حوالي ربع السجناء الفلسطينيين دون تهمة أو محاكمة ضمن ما يعرف باسم “الاعتقال الإداري”.
ويتلقى الفلسطينيون أيضًا أحكامًا أقسى بكثير من تلك التي يتعرض لها الإسرائيليون اليهود على خلفية قضايا مشابهة، إذ قد يواجه المراهق الفلسطيني الذي يلقي الحجارة على مركبات عسكرية إسرائيلية عقوبة السجن لمدة تصل إلى 20 عامًا، في حين قد لا يحكم على المستوطنين الإسرائيليين الذين يرشقون الفلسطينيين بالحجارة إلا بفترة من الخدمة المجتمعية، وغالباً ما يتم التعامل مع الأفعال الفلسطينية على أنها “جرائم أمنية”، وتشبيهها بالإرهاب وفرض عقوبات أشد عليها.
وحيث كانت حملته الانتخابية تعد بتصعيد ظروف الاعتقال القاسية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون، فإن بن غفير سرعان ما أوفى بهذا الوعد بعد توليه منصبه، عبر فرض تدابير مثل تقليل وقت الاستحمام، وزيادة استخدام الحبس الانفرادي، وتكثيف عمليات التفتيش للسجناء.
إضافة إلى ذلك، فقد ألغى بن غفير خدمات علاج الأسنان المقدمة من إدارات السجون وألزم الأسرى بدفع تكاليف زيارة طبيب الأسنان من مالهم الخاص، فضلاً عن تقليص فرص الإفراج المبكر عن بعض السجناء رغم إشارة مصلحة السجون إلى مشكلة الاكتظاظ.
معاناة غير مبررة
ويخطط بن غفير وفق ما ورد أيضًا إلى تقليل أنواع الشامبو في السجون وتقييد متابعة الأسرى للتلفزيون وتقليص وقت السماح لهم بالتحرك في ساحة السجن والحد من توافر اللحوم.
يكمن الهدف من هذه الإجراءات العقابية غير المبررة ضد الفلسطينيين الأسرى في تحقيق القسوة تحديداً، فهذه القرارات، التي تسبب معاناة وتوتراً لا داعي لهما، غير ذات قيمة أمنية واضحة وليس لها أي هدف مشروع سوى تعزيز شعبية الوزير المتطرف، يرمي بن غفير إلى أن يصنع لنفسه اسما كسياسي صارم يقوم بقمع الفلسطينيين، ويظهر لهم قوة إسرائيل وسطوتها.
وتستخدم إسرائيل السجن أيضاً كأداة تقليدية للقمع والترهيب والمضايقة، وبوسع قادة المعارضة الإسرائيلية إدراك حقيقة ذلك، حيث وصف رئيس الوزراء السابق يائير لابيد بن غفير بأنه “مهرج تيك توك”.
القادم على قائمة الوعود الانتخابية لوزير الأمن القومي هو تشريع عقوبة الإعدام حصراً بحق الفلسطينيين، كما أقرت إسرائيل في وقت سابق من هذا العام قانونا يسمح بتجريد الفلسطينيين المدانين بارتكاب جرائم “إرهابية” من الجنسية وإجبارهم على دفع تعويضات.
ومن المهم أن نلاحظ أن سلسلة الإجراءات العقابية والقاسية الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل بحق الأسرى تنطبق فقط على الفلسطينيين، وليس على اليهود الإسرائيليين، لأن العرب وحدهم، في نظر الائتلاف الحاكم، هم الذين يمكن أن يكونوا “إرهابيين”.
الفجور العميق
تسلط الطبيعة التمييزية لهذه التدابير الضوء على عدم شرعيتها أو أخلاقيتها، حيث أسهمت مثل هذه الإجراءات في تغييب مبدأ المساواة أمام القانون بشكل صارخ فيما يتعلق بالحق في محاكمة عادلة والتمثيل القانوني، وعرقلت هذه التدابير أيضاً الوصول إلى العدالة والمعاملة الإنسانية كما ورد في استنتاج مجموعات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية الكبرى التي وجدت أن إسرائيل تمارس سياسة الفصل العنصري.
وحتى حزيران / يونيو الماضي، كان هناك حوالي 4900 “سجين أمني” فلسطيني في إسرائيل، بما في ذلك أكثر من 1100 معتقل إداري، وترفض إسرائيل الاعتراف بالأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب، وبدلاً من ذلك تعاملهم كمجرمين أو إرهابيين بدوافع سياسية، وتحرمهم من حقوقهم بشكل ممنهج، بما في ذلك الحق في الزيارات العائلية.
وتستخدم إسرائيل السجون كأداة روتينية للقمع والترهيب والمضايقة، فضلاً عن تعطيل الحياة السياسية الفلسطينية عبر اعتقال السياسيين الفلسطينيين، مثل خالدة جرار، التي احتُجزت رهن الاعتقال الإداري واعتبرتها منظمة العفو الدولية سجينة رأي.
لن تقود ممارسات إسرائيل القاسية المتمثلة في اعتقال الفلسطينيين وسجنهم ظلماً وإخضاعهم لظروف حبس قاسية إلا إلى تأجيج الصراع وخلق المزيد من أسباب عدم الاستقرار.
وباعتبارها القوة المحتلة، فإن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وعليها مجموعة من الالتزامات تجاه الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك احترام حقوقهم في الحياة والصحة والكرامة، كما أن عليها أن تضع حداً لجميع أشكال العنف والتمييز ضد السجناء الفلسطينيين.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)