بقلم جون ريس
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا يعد كير ستارمر أول محامٍ يصبح رئيساً لوزراء حزب العمال البريطاني، فقد سبقه في ذلك رئيس وزراء حزب العمال بعد الحرب، كليمنت أتلي، ومن بعده توني بلير، وبالتأكيد ليس ستارمر المحامي الوحيد الذي مر على مجلس العموم، فقد كان أحد 5 أعضاء برلمان محامين عام 2015، حيث كانوا يجلسون على المقاعد الخضراء ويتمتعون بخلفية قانونية.
منذ السبعينيات، كان حوالي 15% من أعضاء البرلمان محامين، وهو ليس بالأمر الغريب، خاصة وأن مهنة المحاماة تتناسب بشكل فريد مع النظام السياسي الذي يكون فيه المحامون بمثابة ممثلين يعملون في مهنة مدفوعة الأجر للتحدث بعبارات الآخرين!
كل هذا يجعل أعضاء البرلمان مختلفين تماماً من ناحية الثروة والخلفية والتوقعات عن الأشخاص الذين ينتخبونهم، ومع ذلك فإن ستارمر يبدو متفرداً حتى في ظل مجموعة المحامين، وذلك لكونه قادماً من خلفية محامي ادعاء.
لطالما كان الإجماع بين الديمقراطيين الاجتماعيين، سواء اليمينيين منهم أو اليساريين، على أن النظام القانوني كان متحيزاً بطريقة أو بأخرى لصالح النخبة أي لصالح المال وسلطة الدولة، ولذلك ظل تحقيق العدالة للفقراء أصعب من تحقيق العدالة للأغنياء، وهو تحليل قد تم إثباته بشكل قاطع في الدراسة التاريخية التي أجراها جي إيه جي جريفيث عام 1979 بعنوان “سياسة القضاء”، والذي يعتبر الكتاب التمهيدي للمحامين التقدميين البريطانيين حتى يومنا هذا، ومنه تتمحور مهمة محامي الدفاع حول المساعدة في التخفيف من هذا التحيز المؤسسي.
بيئة قاتمة
يدعي ستارمر أنه بدأ هذا التقليد كمحامي في مجال حقوق الإنسان، وللمفارقة، تجدر الإشارة إلى أنه أصبح بهذه الصفة مستشاراً للحريات المدنية لمجلس الشرطة في أيرلندا الشمالية، وهو الكيان الذي من المفترض أن يشرف على تصرفات الشرطة في أيرلندا الشمالية.
الحقيقة أن ما يجعل ستارمر فريداً من نوعه هو ترقيته إلى منصب رئيس هيئة الادعاء الملكية في الدولة البريطانية، وهو المنصب الذي شغله في الفترة 2008 – 2013، وذلك على نقيض معظم محاميي حزب العمال الذين جاءوا من خلفية محامي الدفاع، فلم يصبح أي منهم مديراً للنيابة العامة.
المشكلة أنه لا توجد خطط لحكومة حزب العمال الجديدة لمراجعة أو إلغاء هذا التوسع في الإجراءات القمعية، بل تم استخدام هذه الصلاحيات على نطاق واسع ضد حركة التضامن مع فلسطين، حيث خضعت معظم المسيرات الـ18 للتضامن مع الفلسطينيين لأوامر الشرطة التي حددت مسار المسيرة ووقت الانطلاق ووقت التفريق
بصفته مدير النيابة العامة، كان ستارمر مسؤولاً عن تنفيذ الأحكام السريعة والقاسية التي أصدرتها المحاكم على أولئك الذين تم اعتقالهم خلال أعمال الشغب عام 2011، الأمر الذي اعتبره ستارمر آنذاك رداً صارماً ساعد في إنهاء أعمال الشغب، فوفقاً لموقع Declassified، خلال فترة وجود ستارمر في منصبه، أشرف مدير النيابة العامة على تسليم مقترح لنفي جوليان أسانج إلى السويد بسبب مزاعم اعتداء جنسي، كما تظهر الأدلة الباقية أن النيابة العامة شجعت المدعين السويديين على عدم إسقاط القضية.
من جانب آخر، فقد كشفت الصحفية الإيطالية، ستيفانيا موريزي، أن جميع ملفات النيابة العامة المتعلقة بقضية أسانج خلال فترة عمل ستارمر كمدير للنيابة العامة قد تم تدميرها بشكل غامض.
ليس من المستغرب إذن أن تكون هناك بيئة قاتمة محيطة بالحريات المدنية منذ أن أصبح ستارمر رئيساً للوزراء مؤخراً، حيث شنت إدارة حزب المحافظين السابقة هجوماً شاملاً على الحق في الاحتجاج.
هو مشهد لخصه أستاذ قانون حقوق الإنسان في كلية لندن للاقتصاد، كونور جيرتي، على النحو التالي: “عندما يتعلق الأمر بحرية الاحتجاج، فإن الأمور اليوم أسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى في ماضينا الديمقراطي، فقد تدفقت قوانين النظام العام من وستمنستر في السنوات الأخيرة، مما جعل الاحتجاج أكثر صعوبة، ليس فقط بالنسبة للأشكال التقليدية مثل المسيرات والاجتماعات ولكن بالنسبة للطرق الجديدة أيضاً مثل الاعتصام والاغلاقات، أو ربما حتى مجرد “الضوضاء”.
مضايقة المحتجين!
المشكلة أنه لا توجد خطط لحكومة حزب العمال الجديدة لمراجعة أو إلغاء هذا التوسع في الإجراءات القمعية، بل تم استخدام هذه الصلاحيات على نطاق واسع ضد حركة التضامن مع فلسطين، حيث خضعت معظم المسيرات الـ18 للتضامن مع الفلسطينيين لأوامر الشرطة التي حددت مسار المسيرة ووقت الانطلاق ووقت التفريق.
إضافة إلى ذلك، فقد أصبح بإمكان الشرطة القبض على المتظاهرين بسبب انحرافهم عن مسار المسيرة أو بقائهم في منطقة المسيرة بعد الموعد النهائي لفضها، كما تم بالفعل اعتقال ومحاكمة المتظاهرين الذين كانوا يحملون لافتات تحمل ما أسموه شعارات “خاطئة”، وأحياناً بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، وذلك في سابقة تاريخية خطيرة!
لم يعد هناك ما يمنع من مضايقة منظمي تلك الاحتجاجات، ففي يوليو الماضي، حُكم على 5 نشطاء من منظمة “Just Stop Oil” بالسجن بتهمة تنظيم احتجاجات سلمية، حيث اعتبرت أحكامهم الأطول في تاريخ المملكة المتحدة فيما يتعلق بالاحتجاج السلمين بل إن التاريخي هو معاقبتهم في الأساس فقط لكونهم ناشطين، بل وتم تعديل القانون لمنعهم من الاستئناف أمام هيئة المحلفين لأسباب أخلاقية!
يستوجب هذا الواقع من هؤلاء المحامين الموجودين على مقاعد مجلس العموم والمحامين الموجودين في داونينج ستريت، أن يتوقفوا عند حقيقة أن الديمقراطية ذاتها التي جاءت بهم إلى مناصبهم هي التي تم الفوز بها من خلال نوع الاحتجاجات التي تسعى الحكومة إلى منعها!
الأخطر من ذلك هو أن الشرطة تستخدم الآن قوانين مكافحة الإرهاب لاعتقال وتفتيش ومضايقة النشطاء والصحفيين المؤيدين للفلسطينيين، ففي أغسطس الماضي، قامت شرطة مكافحة الإرهاب بإخراج الصحفي البريطاني ريتشارد ميدهيرست من طائرته على مدرج مطار هيثرو في لندن عندما عاد إلى بريطانيا، وقد احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي بموجب قوانين مكافحة الإرهاب لمدة 24 ساعة في الوقت الذي تمت فيه مصادرة هاتفه وجهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به.
بعد أسبوع، تمت مداهمة منزل الناشطة سارة ويلكنسون، حيث قامت الشرطة بتفتيش المنزل، وقد أدت شروط الكفالة الخاصة بها إلى منعها من استخدام هاتفها أو جهاز الكمبيوتر الخاص بها، وكل هذا بسبب خطاب ألقته قبل أشهر زعم أنها تحدثت فيه دفاعاً عن المقاومة الفلسطينية.
قبل شهر أيضاً، تم اتهام الناشط ريتشارد بارنارد من منظمة العمل الفلسطيني، بموجب قوانين مكافحة الإرهاب وذلك بزعم إلقاء خطابات مؤيدة لحماس، كما قامت إدارة جامعة بورتسموث بالإبلاغ عن الأكاديمية لديها أميرة عبد الحميد، فقامت الشرطة بمداهمة منزلها ومصادرة هاتفها وجهاز الكمبيوتر المحمول ودفاتر الملاحظات الخاصة بها.
حركة خطيرة
هذه أمثلة فقط على محاولة الدولة ترهيب الناشطين وتقييد الحق في الاحتجاج، حيث تمثل هذه الاحتجاجات امتداداً مثيراً للقلق لسلطة الشرطة وفي نفس الوقت توسعاً مخيفاً لقوانين مكافحة الإرهاب التي يتم تطبيقها على الاحتجاج وحرية التعبير.
لقد أصبحت الشرطة الآن هي الجهة الحاكمة في ما يعتبر احتجاجاً قانونياً من عدمه، فالقانون ليس تفصيلياً ولكنه يفوض السلطة إلى الشرطة نفسها، وهذه خطوة خطيرة لأن الشرطة، وخاصة شرطة العاصمة باعتبارها القوة المعنية بالمظاهرات الوطنية في لندن، قد تم إدانتها رسمياً مرة أخرى باعتبارها عنصرية العام الماضي.
من ناحية أخرى، فإن مخططات مثل برنامج “بريفنت” والتقرير المؤقت للتحقيق الشرطي السري تظهر كيف تتغاضى الشرطة عن تهديد اليمين المتطرف، الذي يرتبط الآن بشكل وثيق بالاحتجاجات الصهيونية المتطرفة ضد الحركة الفلسطينية.
وفي ظل هذا التهديد الجديد للحريات المدنية، تحتاج الحركة الفلسطينية واليسار التقدمي الأوسع والحركة العمالية، إلى أن تكون أكثر صراحة حول مطالبها فيما يتعلق بحماية الحق في الاحتجاج وأكثر تشدداً في الوقوف في وجه محاولات الدولة لتقييد الحريات الأساسية.
يستوجب هذا الواقع من هؤلاء المحامين الموجودين على مقاعد مجلس العموم والمحامين الموجودين في داونينج ستريت، أن يتوقفوا عند حقيقة أن الديمقراطية ذاتها التي جاءت بهم إلى مناصبهم هي التي تم الفوز بها من خلال نوع الاحتجاجات التي تسعى الحكومة إلى منعها!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)