حزب الإصلاح البريطاني.. خليط من الحماسة الشعبوية والمواقف المعادية للمهاجرين والمسلمين

بقلم عمران ملا

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

بدا المشهد لافتاً منذ لحظة دخولي لقاعة المؤتمر السنوي لحزب “الإصلاح” البريطاني، فقد كسرت الحشود الصورة النمطية التي يرددها كثير من المعلقين اليساريين حول أن أنصار نايجل فاراج هم من كبار السن والرجال فقط.

لكن ما شاهدته كان مختلفًا، رأيت شباناً يرتدون بدلات فاخرة وربطات عنق، ونساء بأعداد كبيرة، وجميعهم تقريبًا بيض البشرة، كما أنني لمحت رجلًا من أصول هندية يُسلم جواز سفره لموظف الأمن عند التفتيش في القاعة الضخمة، وكان واحدًا من قلة قليلة من غير البيض وأنا واحد منهم.

بدا المكان أشبه بمهرجان أكثر منه مؤتمرًا سياسيًا، كانت هناك موسيقى صاخبة، وأكواب البيرة تتدفق، والطعام يملأ الأركان، وحديث جانبي عن صعوبة العثور على وجبات نباتية “ربما عن عمد”، كما همس لي أحد الحضور.

وكان أغلب الرجال يرتدون بدلات زرقاء فاتحة، وهو لون الحزب الرسمي، أو قمصان “Reform FC”، بينما لف آخرون أجسادهم بأعلام الاتحاد البريطاني أو علم القديس جورج، وأما النساء فكن يرتدين فساتين زرقاء متناغمة مع المشهد.

وحتى داخل القاعة، كانت هناك ست حافلات ضخمة وعرض بارز لجرافات من شركة “JCB” البريطانية، وهي الشركة التي يُعرف عن استخدام معداتها في هدم منازل الفلسطينيين بالضفة الغربية، ومنازل المسلمين في الهند.

صعود قوة سياسية جديدة

في الأشهر الأخيرة، تحول حزب “الإصلاح” إلى رقم صعب في المشهد البريطاني، حيث تصدر الحزب الشعبوي اليميني المناهض للهجرة استطلاعات الرأي، وبات يُنظر إليه كقوة مرشحة لدخول الحكومة المقبلة.

ووسط تصفيق حار، ظهر نايجل فاراج، زعيم الحزب، متجولًا بين الحشود محاطًا بحرسه الشخصي، بينما أخذ المذيع المعروف جيريمي كايل يتجول في الأروقة ويجري مقابلات مع عدد من الأنصار المتحمسين.

وظهر بين الحضور أيضًا، ماثيو جودوين، الأكاديمي المتخصص سابقًا في دراسة الشعبوية، محاطًا بمتابعين معجبين وهو يرتدي قبعة الحزب، لقد كان المؤتمر “استعراضياً” بكل تفاصيله، وأقرب لعرض تلفزيوني ضخم.

“نشك أن الملك مسلم”

كان الحذر لافتاً للانتباه حين حاولت التحدث مع بعض الحضور، بل إن أحدهم طردني بعدما عرف أنني أعمل لموقع ميدل إيست آي، لكنني وجدت فرصة لاحقًا للحديث مع شخص يدعى ديفيد، وهو مستشار محلي للحزب ومحارب قديم.

كان ديفيد يرتدي بدلة مطرزة بأعلام الاتحاد، وربطة عنق تحمل نفس العلم، وكان يجلس بجانب زوجته جينيفر، وإلى جوارهما عضو آخر يُدعى ألي، كانوا يتحدثون بحرارة عن “قلقهم على مستقبل بريطانيا”.

تأثر ديفيد وهو يستذكر الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، لكنه رفض القول إنه “يقاتل لأجل الملك والبلاد”، فسرت جينيفر الأمر بقولها: “نحن نشك أن الملك تشارلز مسلم بل ممارس للإسلام  أيضًا!”.

وأضاف ديفيد بغضب: “المسلمون الجدد لا يندمجون، كانوا قديمًا يندمجون، أما الآن فقد صار لهم أئمة متشددون يسعون لفرض الشريعة”.

وأردف: “صاحب مطعم السمك والبطاطا عندنا رجل هندي، اندمج ودفع ثمن اندماجه، لكنه اليوم يُتهم بالعنصرية من أبناء بلده القادمين الجدد!”.

في تلك اللحظة كانت شاشة تبث صور مهاجرين يتوافدون إلى بريطانيا، فأشارت جينيفر إلى الشاشة مذعورة: “انظر! المزيد قادمون!”.

اللاجئون الفلسطينيون؟ “إرهابيون”

وعندما سألتهم إن كان ينبغي لبريطانيا استقبال لاجئين فلسطينيين، كان الجواب قاطعًا: “لا، إذا كانت الدول العربية لا تستقبلهم، فلماذا نستقبلهم نحن؟ إنهم إرهابيون”، لكن جينيفر تدخلت لتضيف: “حسنًا، ليس الأطفال بالطبع”.

وقبل أن أتركهم، أمسك ديفيد بيدي قائلًا: “شكرًا لأنك استمعت”، بينما قالت جينيفر: “ليحفظك يسوع يا بني”.

خطابات فاراج… ووعود بالترحيل

مع اقتراب خطاب فاراج، ارتفعت الأجواء الحماسية  حين ظهر وسط دخان وموسيقى درامية على المسرح الرئيسي، وأخذت الجماهير تهتف بإسمه وتصفق بحرارة.

أعلن الزعيم الشعبوي عن خطة حزبه الجديدة: ترحيل 600 ألف مهاجر “غير شرعي” خلال خمس سنوات، كما وعد بحظر “الإخوان المسلمين”، في خطوة تتماشى مع توجيهات الإمارات العربية المتحدة.

المفاجأة كانت إعلانه تعيين “ضياء يوسف”، الذي وصف نفسه بأنه “بريطاني وطني مسلم”، رئيسًا لسياسات الحزب، وكان يوسف قد استقال قبل أشهر إثر خلاف داخلي، لكنه عاد سريعًا ليتولى هذا المنصب المحوري.

الموقف من غزة ودولة الاحتلال

يوسف، وهو خطيب بارع، جذب التصفيق المتكرر في إحدى الندوات، لكن حين سألته عن موقف الحزب من جرائم دولة الاحتلال في غزة، رفض إدانتها أو الاعتراف بأنها قتلت آلاف الأبرياء.

ذكّرته بأن جيش الاحتلال اغتال زميليَّ الصحفيين محمد سلامة وأحمد أبو عزيز أثناء تغطيتهما قصف مستشفى ناصر جنوب القطاع، حيث قضى 20 فلسطينيًا نحبهم بينهم ثلاثة صحفيين آخرين، وسألته: “ألا تعتقد أن الاحتلال قتل عددًا هائلًا من الأبرياء؟”

لم يرد بالإدانة، بل قال: “سيبذل فاراج كل ما بوسعه لوقف تلك الحرب المروعة، لكن يجب أن نكون واقعيين لا سلام دون أن تسلم حماس الرهائن، من الصعب جدًا تحقيق سلام طويل الأمد مع حركة ينص ميثاقها على أنه لا حق للدولة العبرية في الوجود ويجب إزالتها”.

لكن الواقع على الأرض أن جيش الاحتلال دمّر أكثر من 70% من مباني مدينة غزة، وقتل أكثر من 64 ألف فلسطيني.

بعدها هاجمني بعض أعضاء الحزب، فصرخ رجل مسن قائلاً أن “بريطانيا قتلت مدنيين في الحرب العالمية الثانية أيضًا”، لتبرير قتل الصحفيين، لكن آخرين أبدوا احترامهم لسؤالي، بينما اعتذرت سيدة قائلة بعاطفة: “أتمنى أن يجد الفلسطينيون السلام”.

تناقضات حزب الإصلاح

أما داخل قاعات المؤتمر، فكان النقاش يتأرجح بين قضايا داخلية وأخرى خارجية، حيث أكد بعض الأعضاء أن الحزب يشكل “سدًا منيعًا ضد التطرف والعنصرية”، بينما بدا الواقع أكثر تعقيدًا.

في إحدى الندوات التي نظمتها مجلة سبيكتاتور وأدارها الوزير السابق مايكل غوف المعروف بمواقفه الاستفزازية طُلب من ضياء يوسف الحديث عن هويته كمسلم بريطاني، فأجاب بقوله: “هذا البلد استقبل والديّ، ولا أحد أكثر استياءً من الهجرة غير الشرعية من المهاجرين الشرعيين”.

لكن يوسف سرعان ما انزلق إلى مواقف مثيرة للجدل، حيث أيد حظر النقاب، واتهم الحكومة بإشعال الغضب ضد المسلمين عبر منحهم “امتيازات خاصة”.

ثم زعم أن حزب العمال يسعى إلى إقرار قانون لـ”تجريم انتقاد الإسلام”، وهو ادعاء لا أساس له، إذ أن المقترح المطروح لا يعدو كونه تعريفًا غير ملزم لـ”الكراهية ضد المسلمين”.

وبدهائه المعهود، سأله غوف: “من الأسوأ: جيريمي كوربن أم تومي روبنسون؟”، كوربن، الزعيم العمالي السابق، لا يزال نائبًا منتخبًا، بينما روبنسون، ناشط يميني متطرف مدان، قاد حركة عنيفة ضد المسلمين البريطانيين.

لكن يوسف أجاب بلا تردد: “جيريمي كوربن بالتأكيد هو الأسوأ”، ثم أضاف مديحًا مثيرًا للجدل وسط تصفيق مدوٍّ من الحاضرين: “تومي روبنسون تحدث منذ سنوات عن عصابات الاغتصاب، وقد ثبتت صحة ما قاله، لقد استحق بعض التقدير على ذلك”.

صراعات داخلية وغياب الرؤية

لم تكن كل الأصوات منسجمة مع قيادة الحزب، مستشارون محليون للحزب استغلوا الندوات لطرح شكاوى علنية عن ضعف التواصل مع المقر الرئيسي، وغياب وضوح السياسات.

أحدهم سأل يوسف: “ما هي سياسات الحزب بالتحديد؟”، فيما تساءل آخر عمّا إذا كانت “جمعية فابيان” المرتبطة بحزب العمال تشبه المحافل الماسونية، لكن يوسف تهرب من الإجابة.

ومع حلول الليل، تحولت القاعة الرئيسية إلى ساحة رقص صاخبة، أخذت كؤوس البيرة تتناثر، والموسيقى الصاخبة صارت تهز المكان، وكان رجل أسود يرتدي قبعة بألوان علم الاتحاد يرقص منفردًا مغمض العينين.

ظهر فاراج فجأة على المسرح ليعلن عن مفاجأة: فرقة “ذا جاكسونز” ستغني، أحد الحاضرين صرخ مذهولًا: “مايكل؟” قبل أن يتضح أن الأمر يتعلق بمارلون وجاكي جاكسون فقط، لا الراحل مايكل جاكسون.

لاحقًا، صعدت لوسي كونولي التي سجنت بعد دعوتها لحرق فنادق تستضيف طالبي اللجوء إلى المسرح وسط استقبال أسطوري، وقدمها الحزب بوصف “السجينة السياسية المفضلة لبريطانيا”، فهتفت الجماهير بحرارة، فيما أثنى فاراج عليها، لقد كان مشهداً لم يكن من الممكن حتى تخيله قبل سنوات.

وجوه يمينية تعود للواجهة

المؤتمر أعاد أيضًا شخصيات مثيرة للجدل إلى الضوء، مثل المؤرخ ديفيد ستاركي، الذي حُظر من الظهور على الإعلام بسبب تصريحات عنصرية ضد السود. 

جلس ستاركي إلى جانب الوزير المحافظ السابق جاكوب ريس-موغ، الذي أكد رغم حضوره أنه سيبقى في حزب المحافظين، مقترحًا تحالفًا انتخابيًا مع “الإصلاح”، لكن الجمهور استقبله ببرود.

أما الأكاديمي جيمس أور، المعروف بتصريحاته المعادية للعرب مثل قوله: “استوردوا العالم العربي، تصبحون العالم العربي”، فقد تحدث بلغة نبوئية: “اليمين القديم يحتضر، واليمين الجديد يولد وحكومة الإصلاح حتمية”.

“الإصلاح” والأقليات العرقية

رغم الصورة العامة للحزب، برزت وجوه من الأقليات العرقية بين صفوفه، برابديب سينغ، رجل سيخي يرتدي عمامة زرقاء، تحدث بفخر عن ترشحه سابقًا في دائرة “هاونزلو” غربي لندن، وقال إنه دائمًا شعر بالترحيب داخل الحزب.

وإلى جانبه كان صديقه بولفيندر، منظم محلي في برمنغهام، الذي قال إن “البيض الإنجليز لا يجدون وظائف في شرطة العاصمة”، قبل أن يستدرك وهو ينظر إلى كأس البيرة في يده: “أنا سيخي وأمارس ديني”.

انضمت إليهما سنغا، منسقة الحزب في اسكتلندا، والتي أكدت: “ليس لدي مشكلة مع لون أحد، أعضاء الحزب الوطني الاسكتلندي هم العنصريون الحقيقيون، إنهم يكرهون الإنجليز”.

لكن سنغا أبدت قلقًا على مستقبل ابنة شقيقتها التي لم تُقبل في الجامعة رغم حصولها على “درجات كاملة”، بحسب قولها، مبررة ذلك بـ”تفضيل الطلاب الأجانب”.

وحين سُئلوا عن رأيهم في تومي روبنسون، قال بولفيندر إنه “فقط يطرح أفكاره بطريقة خاطئة”، فيما رأت سنغا أن فيه “الجيد والسيئ”.

ومع اختتام المؤتمر، وقف قادة الحزب على المسرح، من بينهم فاراج وضياء يوسف، يرددون النشيد الوطني، وقادتهم في ذلك أندريا جنكينز، عمدة لينكولنشاير. 

لكن المفاجأة أن جنكينز أخطأت وغنت: “فليحفظ الله ملكتنا العظيمة” بدلًا من “ملكنا”، في زلة ربما أسعدت كثيرًا من أنصار الحزب الذين لا يخفون كرههم للملك تشارلز.

وهكذا انتهى مؤتمر “الإصلاح”: خليط من الحماسة الشعبوية، التصريحات المعادية للمهاجرين والمسلمين، والمواقف المواربة تجاه جرائم دولة الاحتلال في غزة.

إنه حزب يصعد بقوة، لكنه يثير في الوقت نفسه أسئلة مقلقة حول مستقبل الديمقراطية والتعددية في بريطانيا.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة