بقلم شارايز شودري
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
سيعقد حزب العمال الحاكم في المملكة المتحدة مؤتمره السنوي في ليفربول من 22 إلى 25 سبتمبر/أيلول، وفيما يرجح أن يجري ذلك بمزاج احتفالي، فإن تقييم تعاطي الحزب مع الإبادة الجماعية في فلسطين على مدى الشهرين ونصف اللذين قضاهما في السلطة يظهر أنه لا يوجد سبب للاحتفال.
لقد كانت رسالة كير ستارمر الانتخابية في الفترة التي سبقت انتخابات 4 يوليو/تموز بسيطة، “التغيير”، ورغم ذلك، فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها في فلسطين وشهيتها التي لا تشبع لإشعال حرب إقليمية، فإن سياسة حزب العمال هي استمرار لسياسة المحافظين.
فعلى الرغم من وعود الانتخابات بأن احترام القانون الدولي سيحكم السياسة الخارجية للعمّاليين، فإن إسرائيل لا تزال تتلقى دعماً ثابتاً، وهو ما أعلنه ستارمر في عام 2021 باعتباره “تقليداً عمالياً”.
ورغم غضب الساسة والمعلقين المؤيدين لإسرائيل (الذين يبدو أنهم يعتقدون أن تصرفاتها لا ينبغي أن يكون لها عواقب سلبية)، فإن القرارات بإعادة التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أو إسقاط الاعتراض على مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد القادة الإسرائيليين، لا تضع أي ضغوط ذات مغزى على إسرائيل لإنهاء الإبادة الجماعية، ناهيك عن إزالة العقبات التي تحول دون تقرير المصير الفلسطيني.
تجلى أحدث مثال على ذلك في امتناع حكومة المملكة المتحدة عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يطالب إسرائيل بإنهاء “وجودها غير القانوني” في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة في غضون عام، والذي تم تمريره بأغلبية ساحقة يوم الأربعاء، حيث وضع ذلك التصويت المملكة المتحدة بين الدول السبع والخمسين التي فشلت في دعم الاقتراح، مقابل 124 صوتت لصالحه.
لقد خلق قرار وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الذي يصف نفسه بأنه “صديق لإسرائيل” و”الصهيوني الليبرالي التقدمي”، في بداية شهر سبتمبر/أيلول بتعليق 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل الكثير من الجدل، حيث ردد الساسة والمعلقون المؤيدون لإسرائيل نفس أقوال الساسة الإسرائيليين الذين صرخوا بأن هذا من شأنه أن يشجع “إرهابيي” حماس، وبالطبع، الدولة الإرهابية الرئيسية، إيران، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
لقد أوضح لامي في خطابه أن هذه الإجراءات “لن يكون لها تأثير ملموس على أمن إسرائيل” (أي قدرتها على شن الحرب)، ومن بين الصادرات التي ستستمر بريطانيا في تزويد إسرائيل بها أجزاء من طائرة إف-35 المقاتلة، والتي يتم إنتاج 15% من مكوناتها هنا في المملكة المتحدة.
وقد توصل تحقيق حديث إلى أن هذه الطائرة المقاتلة استخدمت لتنفيذ مذبحة 13 يوليو/تموز في منطقة المواصي، والتي أسفرت عن مقتل 90 فلسطينياً وإصابة أكثر من 300 آخرين.
ونظراً لهذا، فمن الصعب تفسير قرار تعليق التراخيص على أنه مدفوع باحترام القانون الإنساني الدولي بقدر ما كان محاولة خجولة لاسترضاء الدعوات العامة المتزايدة لفرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل.
ومع ذلك، فإن تواطؤ الجيش البريطاني في الإبادة الجماعية الجارية يتجاوز مجرد توريد الأسلحة لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تواصلت التقارير حول تورط الجيش البريطاني النشط في الحرب، في المقام الأول من خلال جمع المعلومات الاستخباراتية ونقل الأسلحة (الأميركية في الغالب) إلى إسرائيل عبر قاعدة أكروتيري التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص.
ومن هناك أيضاً تشن الطائرات البريطانية غاراتها الجوية على اليمن لكسر الحصار البحري الذي فرضته صنعاء على كل السفن المتجهة إلى إسرائيل.
وفي حين أحيطت الأنشطة في قاعدة أكروتيري الجوية بالسرية من قبل الحكومة المحافظة، فإن حزب العمال لم يسلط الضوء على هذه القضية، ولم يشر إلى أي تغيير في السياسة.
والواقع أن هذه القاعدة لا تزال تستخدم لمعاقبة تضامن اليمن مع شعب فلسطين، وكانت الغارة الجوية الأميركية البريطانية على مدرسة للبنات في جنوب غرب اليمن أحدث مثال على كيفية تعامل حزب العمال مع أولئك الذين يتحدون إسرائيل.
مكافأة دولة مارقة
ربما يكون الأمر الأكثر إزعاجاً هو كيف يواصل حلفاء إسرائيل التعامل معها باعتبارها “شريكاً” أو “ديمقراطية”، وهي تصريحات تبدو بعيدة تماماً عن الواقع الذي نراه يتكشف على الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويتجلى هذا أيضاً في قرار لامي بزيارة إسرائيل بعد توليه منصبه مباشرة ومصافحة مجرمي الحرب مثل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ.
ويظهر هذا الموقف من حزب العمال كالمعتاد مرة أخرى من خلال محاولاته تأمين اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل، وهي العملية التي بدأت في عهد المحافظين.
وعلى الرغم من أن الحكومة تزعم أن هذا من شأنه أن يجلب الرخاء للعمال البريطانيين في عالم ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن مؤتمر النقابات العمالية (TUC)، الذي يمثل 5.5 مليون عامل، أدان محادثات التجارة في مارس/آذار، مشيراً إلى “انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والانتهاكات المنهجية للعمال الفلسطينيين وحقوق الإنسان”.
لقد عرف الفلسطينيون منذ فترة طويلة أن الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله يقوم على حرمانهم من ممتلكاتهم، وفي يوليو/تموز، قضت محكمة العدل الدولية بأن جميع الدول ملزمة بعدم دعم الاحتلال غير القانوني، لكن، وبدلاً من ذلك، اختار حزب العمال مكافأة إسرائيل، وإدارة الأعمال التجارية كالمعتاد حرفياً أثناء الاحتلال والإبادة الجماعية.
ترفض حركة التضامن مع فلسطين العودة إلى “الحياة الطبيعية” وسط الإبادة الجماعية في غزة، والتي امتدت الآن إلى الضفة الغربية، لكن ستارمر مضى على خطى المحافظين من خلال تزويد إسرائيل بالدعم الدبلوماسي والعسكري الذي تحتاجه، في حين قدم وعوداً وإيماءات فارغة للفلسطينيين
ومنذ تولي حزب العمال السلطة، ارتقى أكثر من 3000 فلسطيني في غزة، وتجاوز عدد الشهداء الآن 41000.
وفي أعقاب الانتخابات مباشرة، بدا الأمر وكأن حزب العمال أدرك في لحظة ما أنه خسر أصوات العديد من المؤيدين للفلسطينيين، وخاصة بين الشباب والمسلمين.
وعد الحزب بملاحظة ذلك، ولكن بينما نستعرض ما حققه العماليون في أول شهرين ونصف الشهر من توليهم السلطة، هل يمكننا أن نقول أن الحكومة فعلت كل ما في وسعها حقاً لإنهاء الإبادة الجماعية؟
الإجابة هي لا، فمبيعات الأسلحة مستمرة، والتنسيق العسكري والاستخباراتي ماضٍ، والمحادثات التجارية متواصلة، والأمر الأكثر جوهرية هو أن إسرائيل الفاشية والمارقة على نحو متزايد لا تزال تُعامل كشريك.
وعلى مدى الأشهر الأحد عشر الماضية، حشدت حركة التضامن مع فلسطين أعداداً غير مسبوقة من الناس، سواء من خلال الاحتجاجات، أو المخيمات الطلابية، أو النقابات العمالية، أو التحركات المباشرة، أو الضغط، ويتعين عليها الآن أن تحشد نفسها مرة أخرى في مؤتمر حزب العمال في ليفربول وأن تعطل المزاج الاحتفالي للمندوبين.
ويتعين علينا أن نرسل رسالة واضحة مفادها أننا لن نسمح بالعودة إلى الوضع الطبيعي أثناء الإبادة الجماعية، ولن نتغاضى عن تواطؤ حزب العمال في الجرائم التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)