حصانة نتنياهو أمام الجنائية الدولية.. ادعاءات فرنسا تحت المجهر

بقلم سندس عاصم

ترجمة وتحرير مريم الحمد

أكد خبراء وقضاة أن ادعاء فرنسا بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “ذو حصانة” ضد الاعتقال الدولي بعد صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، يتعارض مع القانون الدولي.

بحسب القانون الدولي، لا يتمتع رؤساء الدول بالحصانة أمام المحكمة الجنائية الدولية، حتى لو كانوا ينتمون إلى دولة لم توقع على المعاهدة التأسيسية للمحكمة، أو ما يُعرف بنظام روما الأساسي.

رغم ذلك، زعمت وزارة الخارجية الفرنسية أن نتنياهو يتمتع بالحصانة باعتباره رئيس حكومة في منصبه كما أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وهذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها أحد أعضاء المحكمة هذه الحجة في قضية نتنياهو.

وتأتي تصريحات الوزيرة الفرنسية في أعقاب صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر عام 2023.

بموجب القرار، أصبحت جميع الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، وعددها 124 دولة، ملزمة قانوناً باعتقال نتنياهو وغالانت وتسليمهما إلى المحكمة، خاصة وأن المحاكمة لا يمكن أن تكون غيابية، فالمحكمة لا تتمتع بصلاحيات التنفيذ، ولذلك يجب على الدول أن تتعاون مع المحكمة من أجل إنفاذ قراراتها.

تجدر الإشارة إلى أنه تم استخدام حجة فرنسا في السابق من قبل الدول التي رفضت اعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسوداني عمر البشير، وكلاهما مطلوبان من قبل المحكمة الدولية، لكن القضاة دأبوا على رفض هذه الحجج باعتبارها تتعارض مع أحكام نظام روما الأساسي.

المادة 27 والمادة 98 (1):

هناك قواعد حصانة مختلفة لمسؤولي الدولة ما بين المحاكم المحلية والدولية، ففي حين قد يجادل البعض بأن نتنياهو بصفته رئيس وزراء في منصبه فله حصانة أمام المحاكم المحلية، إلا أن قواعد المحاكم الدولية تستطيع رفض تلك الحصانة للأفراد الخاضعين لولايتها القضائية. 

وفقاً للمادة 27 من نظام روما الأساسي، فإن جميع المطلوبين متساوون أمام المحكمة، بما في ذلك رؤساء الدول أو الحكومات، ولا يجوز لأي حصانة بموجب القانون الدولي أن تمنع المحكمة من ممارسة اختصاصها القضائي.

رغم ذلك، فهناك مادة تعتبر استثناءً للمسؤولين من الدول غير الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مثل إسرائيل، فوفقاً للمادة 98 (1)، لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تجبر أحد أعضائها على اعتقال مسؤول من دولة لا تنتمي إلى المحكمة إذا كان ذلك من شأنه أن يجبرها على انتهاك التزامات القانون الدولي حول حصانة الدولة أو الحصانة الدبلوماسية.

في حالة نتنياهو، فإن هذه الحصانة قد تحميه عندما يسافر إلى دول ليست طرفاً في نظام روما الأساسي إذا كانت هذه الدول تتمتع بولاية قضائية عالمية على الجرائم الدولية، مثل الولايات المتحدة

في حديثها لموقع ميدل إيست آي، أكدت المستشارة الخاصة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية المعنية بالجرائم ضد الإنسانية، البروفيسور ليلى السادات، أن أحكام المحكمة الجنائية الدولية قد أغلقت طريق الحصانة الذي قد تستند عليه إسرائيل، وأضافت: “لم توافق أي محكمة دولية على الإطلاق على أن يكون لدى أي رئيس دولة أو فرد رفيع المستوى حصانة أمامها، وكان المقصود من المادة 27 تدوين هذا المبدأ”.

أشارت السادات إلى أنه في عام 2019، قضت دائرة الاستئناف بالمحكمة الجنائية الدولية بوضوح بعدم وجود حصانة على الإطلاق لرئيس دولة أمام محكمة دولية ذات اختصاص وذلك بعكس المحاكم المحلية، حيث صدر هذا الحكم بعد فشل الأردن في اعتقال البشير في عام 2017، مؤكدة أن ثغرة الحصانة الموجودة في المادة 98 (1) لا تستثني المادة 27.

وبالمثل، رفضت منغوليا اعتقال بوتين عندما زار البلاد في سبتمبر الماضي، قائلة أنه يتمتع بالحصانة بموجب المادة 98 (1)، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية كانت قد قضت بأن منغوليا قامت بانتهاك نظام روما الأساسي بعدم إلقاء القبض على بوتين. 

جاء في نص المحكمة أن المادة “تشير فقط إلى أعمال الأنشطة الحكومية التي تتم عادة في الخارج وتحميها ضمانات الحصانة الدبلوماسية لبعض المسؤولين والمباني”، وأوضحت السادات أن الإشارة هنا إلى حصانة الدولة بموجب المادة 98 (1) تتعلق بحصانة الدولة وممتلكاتها، وليس قادتها أو مسؤوليها.

من جانبه، أكد أستاذ القانون الجنائي الدولي، ويليام شاباس، في حديثه لموقع ميدل إيست آي أنه “من الممكن أن نتوقع من الدائرة التمهيدية أن تتخذ موقفاً مماثلاً فيما يتعلق بنتنياهو وغالانت”، فيما أوضحت السادات، التي كانت في روما أثناء صياغة النظام الأساسي، أن الغرض من المادة 98 (1)، في وقت الصياغة، كان “معالجة القضايا بين الدول مثل حرمة المراسلات الدبلوماسية والسفارات وما إلى ذلك”.

حصانات شخصية ووظيفية

لا توجد معاهدة تكرس قواعد الحصانة بموجب القانون الدولي، ولكن يمكن استخلاص هذه القواعد من ممارسات الدول وأحكام المحاكم والآراء العلمية. 

على سبيل المثال، يمكن لمسؤول الدولة الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم دولية خطيرة، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، أن يلجأ إلى نوعين من الحصانة أمام المحاكم المحلية أو الدولية.

إن سبب وجود نظام روما الأساسي هو محاسبة الأفراد عن الجرائم الأربع الخاضعة لولايتها القضائية، وهي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، وذلك بغض النظر عن صفتهم الرسمية كمسؤولين حكوميين أو قادة

أول هذه الحصانات هو أن يزعم أن له الحق في التمتع بالحصانة الوظيفية، التي قد تحميه بشكل دائم من الملاحقة القضائية على الأفعال التي يقوم بها بصفته الرسمية باعتباره ممثلاً فاعلاً للدولة، وتنطبق هذه الحماية، من الناحية النظرية، أثناء وبعد فترة وجود المسؤول في المنصب، وهو أمر يستطيع أن يستفيد منه المسؤولون من جميع الرتب. 

رغم ذلك، فقد أدخل فقه القانون الجنائي الدولي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية استثناءً لهذه القاعدة فيما يتعلق بالجرائم الدولية الخطيرة، فمحاكمات نورمبرغ، والمحكمتين المخصصتين ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، ونظام روما الأساسي، جميعها لطالما طعنت في الأساس الذي بنيت عليه هذه الحصانة من خلال تكريس مفهوم المسؤولية الجنائية الفردية وعدم أهمية الصفة الرسمية في قضايا الادعاءات بارتكاب جرائم دولية.

أما النوع الثاني من الحصانة، والمعروف بالحصانة الشخصية، فهو أكثر إثارة للجدل وهو في الغالب ما قد تلجأ إليه الدول إما لرفض اعتقال وتسليم القادة الإسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية أو حمايتهم من الملاحقة القضائية أمام محاكمهم المحلية.

تتمحور الحصانة الشخصية حول حماية رؤساء الدول ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية من الملاحقة القضائية خلال فترة وجودهم في مناصبهم من أجل الحفاظ على حسن سير العلاقات الدولية وقدرة المسؤولين دون عوائق على أداء واجباتهم، بما في ذلك تمثيل دولتهم على المستوى الدولي. 

وتعد الحصانة الشخصية قاعدة إجرائية تنطبق عندما يكون المسؤولون موجودين على أراضي دولة أخرى بصفة رسمية، وفي حالة نتنياهو، فإن هذه الحصانة قد تحميه عندما يسافر إلى دول ليست طرفاً في نظام روما الأساسي إذا كانت هذه الدول تتمتع بولاية قضائية عالمية على الجرائم الدولية، مثل الولايات المتحدة. 

تجدر الإشارة إلى أن الولاية القضائية العالمية هي مبدأ قانوني يسمح للدولة بمحاكمة الأشخاص على جرائم دولية خطيرة، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الضحية أو الجاني.

رغم ما سبق، فإن أنواع الحصانة المذكورة أعلاه غير قابلة للتطبيق في حالة مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، فلا أحد يجادل في أن مسؤولي الدولة من جميع الرتب ليس لديهم حصانة أمام محكمة دولية ذات ولاية قضائية، مثل المحكمة الجنائية الدولية.   

إن سبب وجود نظام روما الأساسي هو محاسبة الأفراد عن الجرائم الأربع الخاضعة لولايتها القضائية، وهي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، وذلك بغض النظر عن صفتهم الرسمية كمسؤولين حكوميين أو قادة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة