حظر قناة الجزيرة… هل تتبنى السلطة الفلسطينية تكتيكات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية؟

بقلم محمد المصري

ترجمة وتحرير مريم الحمد

مؤخراً، قامت السلطة الفلسطينية بحظر بث قناة الجزيرة في خطوة وصف المراقبون بأنها “صادمة”، فما الذي يجبر هيئة تمثل من المفترض أنها تمثل الفلسطينيين على تقويض أحد الأصوات الدولية القليلة التي تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين؟!

للإجابة على هذا السؤال، لابد من التوقف عند السلطة الفلسطينية، التي تعد جزءاً من المظلة الأكبر لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تقدم نفسها على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وعلى الصعيد الرسمي، تحكم السلطة أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.

أما على أرض الواقع، فقد كان الهدف الأساسي للسلطة الفلسطينية يتلخص في دعم وخدمة الاحتلال الإسرائيلي، فكيف ذلك؟

تعد حملة السلطة الأخيرة على جنين مثالاً نموذجياً على التنسيق الأمني المفتوح بين السلطة والإسرائيليين، خاصة مع ظهور مقاطع فيديو مزعجة أظهرت ضباطاً فلسطينيين يسيئون معاملة منتقدي السلطة الفلسطينية، في مشاهد لن تؤدي إلا إلى تعزيز التصور بأن السلطة الفلسطينية تخضع لقواعد اللعبة الإسرائيلية

شراكة “مقدسة”

لقد انبثقت السلطة الفلسطينية عن عملية أوسلو للسلام في تسعينيات القرن العشرين، والتي أُنشئت للحفاظ على الوضع الراهن للاحتلال مع توفير غطاء سياسي مهم لإسرائيل والولايات المتحدة.

في ذلك الوقت، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تكافح من أجل الحفاظ على سيطرتها السياسية على الأراضي الفلسطينية وكانت بحاجة إلى المساعدة الاقتصادية، فمن خلال سلسلة من اتفاقيات أوسلو الموقعة بين عامي 1993 و1995، قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بمد شرايين الحياة السياسية والمالية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مقابل موافقة السلطة الفلسطينية على تنفيذ الكثير من الأعمال القذرة للاحتلال.

تحت ستار “التنسيق الأمني”، تطورت السلطة الفلسطينية لتصبح “المقاول الفرعي والمتعاون” مع الاحتلال الإسرائيلي، ففي عام 2014، وصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التنسيق الأمني ​​بأنه “مقدس”، مما يؤكد عمق الشراكة.

على الصعيد التاريخي، شمل هذا التنسيق خنق للمعارضة  السياسية نيابة عن إسرائيل، فعلى سبيل المثال، بين يناير عام 2018 ومارس عام 2019، اعتقلت السلطة الفلسطينية أكثر من 1600 فلسطيني بتهمة “التعبير السلمي”، وفي عامي 2020 و2021، قامت السلطة الفلسطينية بقمع الاحتجاجات الفلسطينية السلمية، وفي عام 2022، حظرت السلطة الفلسطينية عشرات المواقع الإخبارية الفلسطينية التي تنتقد إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

ويعد الحظر الذي فرضته السلطة الفلسطينية مؤخراً على قناة الجزيرة آخر الأحداث في سلسلة طويلة من قمع التعبير الحر، والذي لن يلقى قبولاً لدى الفلسطينيين الذين ينظرون إلى الجزيرة بشكل إيجابي.

تنسيق مفتوح

منذ فترة طويلة، نظر الفلسطينيون إلى السلطة الفلسطينية باعتبارها متعاونة مع إسرائيل، الأمر الذي يمكن رؤيته في نتائج استطلاعات الرأي التي تعكس باستمرار تصورات سلبية عن السلطة الفلسطينية لدى الجمهور الفلسطيني.

يؤكد الحظر الذي فرضته السلطة الفلسطينية على قناة الجزيرة، إلى جانب عدوانها على الفلسطينيين في جنين، للفلسطينيين بأن دور السلطة الفلسطينية ليس الدفاع عن حقوقهم بل خدمة المصالح الإسرائيلية، وهذا يزيد من ترسيخ فكرة أن السلطة الفلسطينية تعد عقبة أمام تحرر الفلسطينيين وليس وسيلة لتحقيق ذلك

ومع ذلك، فالتنسيق الأمني اليوم بين بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، حيث يأتي الحظر الذي فرضته السلطة الفلسطينية على قناة الجزيرة بعد أشهر فقط من تحرك إسرائيل لحظر الشبكة ثم مداهمة مكاتب الشبكة في رام الله وإغلاقها.

على نحو مماثل، تحاكي حملة القمع الأخيرة التي شنتها السلطة الفلسطينية على جماعات المقاومة في جنين التكتيكات الإسرائيلية ضد المقاومة، فمنذ 5 ديسمبر الماضي، شنت السلطة الفلسطينية غارات عنيفة أسفرت عن استشهاد 8 فلسطينيين بينهم مدنيون غير مسلحين وصحفية شابة.

تشبه هذه التصرفات ما يحدث من تصعيد إسرائيلي في الضفة الغربية، ففي أغسطس الماضي، شنت إسرائيل أكبر عملية عسكرية لها هناك منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مما أسفر عن استشهاد مئات الفلسطينيين واعتقال الآلاف وتدمير البنية التحتية الحيوية في عدد من مدن ومخيمات الضفة الغربية المحتلة.

وتعد حملة السلطة الأخيرة على جنين مثالاً نموذجياً على التنسيق الأمني المفتوح بين السلطة والإسرائيليين، خاصة مع ظهور مقاطع فيديو مزعجة أظهرت ضباطاً فلسطينيين يسيئون معاملة منتقدي السلطة الفلسطينية، في مشاهد لن تؤدي إلا إلى تعزيز التصور بأن السلطة الفلسطينية تخضع لقواعد اللعبة الإسرائيلية.

محاولة تدمير حماس

من المرجح أن تهدف الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية إلى كسب تأييد إسرائيل والولايات المتحدة، سعياً إلى إظهار موثوقيتها باعتبارها لاعباً رئيسياً في إدارة غزة ما بعد الحرب.

الأهم من ذلك، أن الحملة الأخيرة قد تشير إلى أن السلطة الفلسطينية تحاول وضع حماس، التي تحكم غزة، في مأزق لتدميرها، ففي يونيو الماضي، وقعت حماس وفتح اتفاق حكومة وحدة وطنية في بكين، ورغم كون الاتفاق تاريخياً، إلا أنه من المرجح أن يكون قد مات الآن. 

من جانبها، أدانت حماس بشدة الحظر الذي فرضته السلطة الفلسطينية على قناة الجزيرة واجتياحها لجنين، وهو ما اعتبرته عملاً عدوانياً ضد الفصائل الإسلامية بما فيها حماس، أما السلطة الفلسطينية، فهي ترى أن حماس قد وصلت حداً من التدهور يمنعها من المشاركة في أي سلطة فعلية مستقبلية في غزة.

على أية حال، فلن تكون هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السلطة الفلسطينية بمحاولة تدمير حماس، ففي عام 2006، فازت حماس بالانتخابات التشريعية، لكن فتح والولايات المتحدة وإسرائيل رفضوا الاعتراف بالنتائج وحاولت فتح الانقلاب، مما أدى إلى تقسيم الأراضي الفلسطينية بين الضفة وغزة.

أشكال المقاومة

إن أحد الأهداف الأساسية التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها، في كل من غزة والضفة الغربية، يتلخص في القضاء على كافة أشكال المقاومة الفلسطينية، وهي خطوة حاسمة نحو إنشاء “إسرائيل الكبرى”.

وتشارك السلطة الفلسطينية إسرائيل في هدفها في القضاء على المقاومة الفلسطينية، ومع ذلك، لم تتمكن إسرائيل حتى الآن رغم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة من القضاء على حماس، وبالتالي لن تكون قادرة على استئصال المقاومة الفلسطينية على نطاق أوسع، بل على العكس، فإن الإبادة الجماعية والتوسع الإسرائيلي العدواني في الضفة الغربية قد يؤدي إلى تكثيف المقاومة على المدى الطويل.

يؤكد الحظر الذي فرضته السلطة الفلسطينية على قناة الجزيرة، إلى جانب عدوانها على الفلسطينيين في جنين، للفلسطينيين بأن دور السلطة الفلسطينية ليس الدفاع عن حقوقهم بل خدمة المصالح الإسرائيلية، وهذا يزيد من ترسيخ فكرة أن السلطة الفلسطينية تعد عقبة أمام تحرر الفلسطينيين وليس وسيلة لتحقيق ذلك.

نتيجة لذلك، قد تصبح السلطة الفلسطينية أكثر عرضة للمقاومة مما كانت عليه من قبل، ومن المرجح في المستقبل أن تصبح إدارة أجزاء من الضفة الغربية أكثر صعوبة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، ناهيك عن بسط سيطرتها على غزة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة