ذكر مصدر فلسطيني رفيع أن حركة حماس مستعدة لإظهار “المرونة” بشأن الحكم المستقبلي في غزة، طالما أن قرار حكم القطاع الذي مزقته الحرب يتم بموافقة الفصائل الفلسطينية الأخرى ولا تفرضه الولايات المتحدة أو الاحتلال.
وأضاف المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة للموضوع أن حماس تشعر أن ميزان القوى “يميل” لصالحها بينما تتقاذف الانقسامات السياسية المتصاعدة دولة الاحتلال حول مستقبل غزة بعد الحرب.
وأردف المصدر يقول أن “حماس واثقة من أن جذورها عميقة في المنطقة ولا يستطيع أحد تجاوزها، وهي تتمتع بالمرونة السياسية لقبول عدة صيغ لمستقبل غزة.
وبحسب المصدر فإن حماس “منفتحة على صيغة متفق عليها وطنياً من أجل خير شعبها، لكن أي تسوية تحظى بفرصة للإجماع الوطني لا ينبغي أن تفرضها أمريكا أو الاحتلال ولا تخضع للمساومة مع دولة فلسطينية ضعيفة”.
وكان من المقرر استئناف المحادثات بشأن وقف إطلاق النار هذا الأسبوع، لكن حماس أبلغت الوسطاء الدوليين يوم الثلاثاء أنها ستنهي مشاركتها في أعقاب “المذبحة” التي ارتكبها الاحتلال يوم الأحد في رفح.
واستشهد ما لا يقل عن 45 فلسطينياً وأصيب العشرات، معظمهم من النساء والأطفال، عندما قصفت قوات الاحتلال مخيماً يؤوي النازحين الفلسطينيين في حي تل السلطان غرب رفح.
وجاءت الغارات الجوية، التي أسفرت عن حرق بعض الفلسطينيين أحياء، بعد يومين فقط من أمر محكمة العدل الدولية دولة الاحتلال “بالوقف الفوري لهجومها العسكري في رفح”.
وقال مصدر ثان مقرب من الحركة: “ليس على حماس الجلوس للمفاوضات بينما يواصل الاحتلال القتل”.
وأضاف “استمرار المفاوضات يوفر الغطاء للمجازر التي ما زالت تحدث، بل وأدت إلى مقتل جندي مصري، وهذا لن يتكرر مرة أخرى”.
وقال المصدر أن حماس لن تستأنف المفاوضات إلا إذا أوقف الاحتلال المجازر وغادر رفح، مبيناً أن معبر رفح يجب أن يعود إلى إدارته السابقة، في إشارة إلى الترتيب الذي تم التوصل إليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وفي حديثه يوم السبت قبل الضربات على مخيمات اللاجئين في رفح، قال المصدر الأول إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بعد فشل الجولة الأخيرة في القاهرة والدوحة.
وأضاف أن المفاوضات التي أعقبت هجوم الاحتلال على رفح وصلت الآن إلى طريق مسدود وأن الولايات المتحدة بحاجة إلى معالجة القضايا مع إسرائيل بشأن وقف دائم لإطلاق النار.
ومضى يقول: “بالنسبة لحماس، من الواضح أن الولايات المتحدة يجب أن تتعامل مع هذه المفاوضات، وعلى الاحتلال احترام الوثيقة التي قبلتها حماس، دون ممارسة ألاعيب سخيفة ومحاولة تجاوز مطالب حماس الأساسية”.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت حماس علانية قبولها لاتفاق وقف إطلاق النار الذي قدمه الوسطاء القطريون والمصريون، لكن الاحتلال قال أن الاقتراح لا يلبي مطالبه.
وبعد انهيار المحادثات في القاهرة، اتهمت مصادر أمريكية مصر بتعديل العرض لصالح حماس، حيث قوبل هذا الادعاء بغضب شديد في القاهرة.
وأيد المصدر الفلسطيني الرواية المصرية للأحداث، وقال أن مصر لم تعدل الوثيقة وأن الولايات المتحدة على علم تام بجميع التعديلات، حيث كان رئيس وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز حاضراً في كل من القاهرة والدوحة حين تمت مناقشة الوثيقة.
وكشف المصدر أن “حماس أعلنت تعديلاتها وقبلها المفاوضون”، مشيراً إلى أنه “تم إبلاغ الجانب الأمريكي بالوثيقة وقبلها، وهذا ليس خطأ مصر”.
وأردف: “لقد تراجع الاحتلال عن الاتفاق ولم تجبرهم الولايات المتحدة على قبول شيء كان في صالحهم”.
ومع استمرار الحرب في غزة للشهر الثامن، تعهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن تحتفظ دولته بالسيطرة الأمنية على غزة، لكنه واجه انتقادات من الولايات المتحدة لفشله في التوصل إلى خطة ذات مصداقية لما بعد الحرب بشأن من يحكم القطاع.
وكان نتنياهو قد اقترح عندما تحدث آخر مرة عن هذه القضية في شهر شباط/فبراير الماضي استبدال حماس بممثلين محليين “لا ينتمون إلى دول أو جماعات إرهابية، ولا يحصلون على دعم مالي منها”.
غير أن محاولة استبدال الحكومة المركزية بشبكة من زعماء العشائر باءت بالفشل أيضاً.
وقبل أسابيع، ندد زعماء القبائل في غزة بمقترحات جيش الاحتلال لتقسيم غزة إلى مناطق تحكمها قبائل أو عشائر بدلاً من كيان سياسي واحد.
وبعد شهر ظهرت تقارير تفيد بأن دولة الاحتلال تدرس تعيين ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية، مديراً لغزة.
ولكن هذا المسعى فشل أيضاً، حيث باءت محاولة فرج للتسلل عبر مجموعة من المسلحين الذين كانوا يتظاهرون بأنهم ضمن حماية لقافلة مساعدات مصرية بالفشل وتم القبض على المجموعة.
ونددت حماس في ذلك الوقت بالمناورات التي قامت بها السلطة الفلسطينية، بما في ذلك ما وصفته بتعيين محمد مصطفى رئيساً للوزراء “من جانب واحد”.
وقالت حماس أن القرار اتخذ دون التشاور معها، على الرغم من مشاركتها في اجتماع في موسكو الذي حضرته فتح لإنهاء الانقسام.
ومنذ توليه منصبه، أوضح مصطفى في بيان أن مهمته تتلخص في إصلاح السلطة الفلسطينية، وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، والإشراف على إعادة إعمار القطاع.
وقال المصدر الفلسطيني أنه على الرغم من هدف نتنياهو المعلن بتدمير حماس فإن الاحتلال يعيد الآن حساب موقفه بشأن كيفية التعامل مع سيناريو اليوم التالي نظراً لعدم إمكانية تحقيق ذلك الهدف.
فعسكرياً، أظهر الجناح المسلح لحركة حماس، كتائب القسام، قدرته على الظهور من جديد في المناطق التي قال الاحتلال أنه قام بتطهيرها، وخاض اشتباكات مع الجنود في قتال قريب المدى، وهي القضية التي لاحظها كبار الجنرالات الأميركيين ببعض الإحباط.
وفي الأسبوع الماضي، انتقد الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان المشتركة، استراتيجية الاحتلال في غزة في توبيخ علني نادر.
وقال براون: “لا يتعين عليك فقط الدخول فعلياً والقضاء على الخصم الذي تواجهه، بل عليك الدخول والسيطرة على المنطقة، ثم يتعين عليك بعد ذلك تحقيق الاستقرار فيها”، في إشارة إلى تلك المهمة الضخمة التي تقوم بها قوات الاحتلال في غزة.
وبعد بضعة أيام فقط، أعلنت حماس أنها أسرت مجموعة من جنود الاحتلال في كمين في مجمع أنفاق وسط قتال عنيف في مخيم جباليا للاجئين في الشمال، والذي ادعى جيش الاحتلال أنه طهره في كانون الأول/ديسمبر.
وأنكرت إسرائيل هذا الإعلان، لكن كتائب القسام نشرت في وقت لاحق مقطع فيديو يظهر مقاتلين وهم يسحبون رجلاً بدا وكأنه فاقداً للوعي مع بعض المعدات العسكرية داخل نفق.
وأظهر مقطع الفيديو بشكل منفصل ثلاث بنادق نصف آلية ومعدات عسكرية أخرى قالت حماس إنها غنمتها من جنود الاحتلال المحتجزين.
وقال مصدر ثالث مطلع أن تقديراته تشير إلى تدمير 20% فقط من شبكة الأنفاق، وأن الشبكة تحت الأرضية مازالت تعمل على توفير المأوى والنقل وورش تصنيع الأسلحة والصواريخ.
وبعيداً عن إعادة تدوير المواد شديدة الانفجار الناتجة عن القنابل والصواريخ الإسرائيلية التي لم تنفجر، استولت حماس على كمية كبيرة من الأسلحة الصغيرة والمعدات أثناء عدوان الاحتلال الأخير على خان يونس.
وقال المصدر أنه بعد كل يوم من القتال، يقال إن الوحدات التي يديرها جنود احتياط شباب تتخلى عن مواقعها ليلاً تاركة وراءها الكثير من معداتها.
وأكد المصدر الفلسطيني المطلع على سياسات حماس أن الحركة واثقة من قاعدة دعمها في غزة، وقال إنه على الرغم من الدمار واسع النطاق، هناك انقسامات أكبر في دولة الاحتلال بشأن الحرب.
وأردف المصدر: “على الرغم من اختلال توازن القوى بين حماس والاحتلال، إلا أن حماس تعلمت دروساً من الحروب السابقة”.
وأضاف: “صورة المقاومة بين أهلنا في غزة هي أنها تقاتل نيابة عنهم، بينما يعتقد الإسرائيليون أن نتنياهو يقاتل من أجل مصلحته الشخصية”.
وأضاف المصدر أنه على الرغم من حشد الاحتلال لكافة إمكاناته في مجهوده الحربي في غزة، إلا أن الاستراتيجية فشلت وكذلك الهجوم على رفح.
وقد أدى الهجوم الجوي والبري الذي شنه جيش الاحتلال لمدة ثمانية أشهر إلى تحويل جزء كبير من الأراضي التي يسكنها 2.3 مليون فلسطيني إلى جحيم غير صالح للسكن.
فقد جرى محو أحياء بأكملها، ودمرت الغارات الجوية المنازل والمدارس والمستشفيات وأحرقتها نيران الدبابات، ولا تزال بعض المباني قائمة، لكن معظمها عبارة عن هياكل مدمرة.
وتفيد التقارير بأن جميع السكان تقريباً قد نزحوا من منازلهم وأن أولئك الذين بقوا في شمال غزة أصبحوا على حافة المجاعة.
وقال المصدر: “لقد فشل القصف الشامل، وفشل خلق الفوضى في تأليب الناس ضد حماس، كما فشل استخدام التجويع كوسيلة لسحق إرادة الشعب”.
وتابع: “لقد اعتقدوا قبل ثمانية أشهر أنه سيكون من السهل عليهم سحق غزة، فهي بلا جيران يساعدونها، ليس لديها جبال تحمي الناس، لكن غزة تتمتع بالصمود”.