بقلم ريحان عُدين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد بدأ الصراع على السلطة في السودان اليوم بين اثنين من كبار الشخصيات العسكرية السودانية بالفعل، وتحول أسبوع السودانيين الأخير إلى مشهد دموي، حيث قُتل ما لا يقل عن 180 شخص وجُرح أكثر من 1800، مع اندلاع القتال في الخرطوم وما حولها بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
جاء هذا العنف نتيجة توترات بدأت تظهر على السطح في الأشهر الماضية بين الجيش بقيادة رئيس الدولة الفعلي الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي، فقبل 18 شهراً فقط، كان حميدتي الداعم الأبرز لبرهان عند تنفيذ الأخير انقلاباً عسكرياً ضد الحكومة الانتقالية.
انتهى عمر هذا التحالف المضطرب قبل أيام، ليخرج حميدتي ويعلن موته بعد تصريحه على الهواء مباشرة بقوله “البرهان سيقدم للعدالة أو سيموت كالكلب”، فمن هو حميدتي، وكيف انتقل من مربع أمير الحرب الموالي للجنرال إلى قائد متمرد ينافس على السلطة؟
يرجع أصل حميدتي إلى عشيرة عربية تشادية وولد في سبعينيات القرن العشرين، فر من الحرب صغيراً واستقر مع عائلته في إقليم دارفور غرب السودان، لم يتعلم بشكل رسمي لكنه أصبح قائداً لإحدى أكبر ميليشيات الجنجويد، وهي مجموعة شبه عسكرية في دارفور أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 200 ألف شخص بحسب الأمم المتحدة، استعانت بهم الخرطوم تحت مسمى “الشياطين على ظهور الخيل” من أجل محاربة المتمردين في المنطقة، تم إتهامهم إلى جانب القوات المسلحة السودانية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور من الإغتصاب إلى التعذيب والإعدام، بالإضافة إلى مئات الآلاف من القتلى وأكثر 2.5 مليون نازح.
يعد هذا الخلاف البسيط جزءاً مهماً من صراع أوسع اليوم على السلطة بين رجلين جلبا العنف وعدم الاستقرار إلى شوارع السودان من جديد
عام 2013، تم إضفاء الطابع الرسمي على ميليشيات الجنجويد وتحويلها إلى قوات الدعم السريع تحت قيادة حميدتي كمكافأة له من الخرطوم، وهكذا تم نشر قوات حميدتي ضد حركات التمرد الأخرى في السودان، بما في ذلك جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق، كما عمل أفراد القوات كحراس شخصيين للرئيس السوداني السابق عمر البشير وبعض الشخصيات البارزة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي كان يتزعمه خلال حكمه الذي استمر 30 عاماً.
عندما اندلعت الثورة السودانية عام 2019، وتم عزل البشير، وخرج حميدتي لدعم الاحتجاجات والإطاحة بالرئيس بنفسه، وفي الوقت نفسه كانت قواته المسؤولة عن مذبحة الاعتصام في 3 يونيو عندما قتلت أكثر من 100 متظاهر مدني!
تحالف مضطرب مع البرهان
بعد الانقلاب، ظهرت حكومة عسكرية مدنية مختلطة اتفقت على تحديد موعد نهائي للانتقال إلى حكومة مدنية، وكجزء من الفترة الانتقالية، سعت الحكومة السودانية آنذاك إلى إرسال البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبته على جرائم دارفور.
أما البرهان، الذي كان متورطاً في تلك الفظائع على الأرجح، مثل حميدتي، فقد نفذ انقلاباً عسكرياً في أكتوبر 2019 وأصبح الحاكم الفعلي في البلاد، فقام حميدتي بتقديم الدعم لما وصفه “تصحيح مسار الثورة الشعبية والحفاظ على أمن واستقرار البلاد”.
العجيب أن الطرفين لم يلتقيا بشكل شخصي، إلا أنهما كانا يريان في ذلك الاتفاق زواج مصلحة، فالبرهان تفضله مصر وشخصيات سودانية من العهد السابق، كما أنه يسيطر على مجمع صناعي عسكري مترامِ الأطراف “شركة الصناعات العسكرية”، واحدة من أكبر الشركات المملوكة للدولة وتنتج المعدات الدفاعية، أما حميدتي، فهو يسيطر مع آخرين على مناجم الذهب في دارفور، ولهم أنصار في الإمارات والسعودية، التي عندما احتاجت مرتزقة في حربها في اليمن لجأت إلى حميدتي.
عندما بدأ حلفاء الرئيس السابق عمر البشير في استعادة موطئ قدم سياسية في البلاد، خرج حميدتي بتصريح مثير للجدل مشيراً إلى أن “الانقلاب كان خطأ، وأصبح مهرباً لعودة النظام السابق”، ثم أصبح مؤيداً قوياً لصفقة إطارية برعاية الولايات المتحدة في ديسمبر 2022 تجاه حكومة انتقالية مدنية بحتة.
أحد شروط الصفقة، الموافقة على دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية في غضون 10 سنوات، حميدتي يدعم هذا الجدول الزمني، بينما يريد البرهان أن تكتمل هذه المدة في عامين فقط، ويعد هذا الخلاف البسيط جزءاً مهماً من صراع أوسع اليوم على السلطة بين رجلين جلبا العنف وعدم الاستقرار إلى شوارع السودان من جديد.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)