بقلم فيحاء شلش
في قلب مدينة حوارة، يتحول الطريق السريع الذي يربط بين مدينتي رام الله ونابلس الفلسطينيتين إلى شريان نابض بالحياة، إذ نادرا ما يكون خالياً من زوار المحلات التجارية المصطفة على جانبي الشارع الرئيسي للبلدة وسائقي السيارات الذين يقودون مركباتهم إلى القرى الفلسطينية المجاورة.
إلا أن المستوطنين الإسرائيليين يستخدمون الشارع الرئيسي في حوارة، كما هو الحال في العديد من المدن الفلسطينية، للوصول إلى المستوطنات غير القانونية في شمال الضفة الغربية المحتلة، في ظل التواجد المكثف للجنود الإسرائيليين الذين يوفرون الحماية للمستوطنين، مما يقيد بالمقابل حركة الفلسطينيين.
سهل مسروق
اتخذت حوارة اسمها من نوع التربة البيضاء التي تشتهر بها أراضيها المغطاة بأشجار الزيتون والمزروعة بعناية في صفوف منمقة في علامة تدل على تاريخ المدينة القديم.
ويفوق عدد سكان البلدة الفلسطينية أكثر من 7000 نسمة يعتمدون تاريخيًا على الزراعة لكسب الرزق، إلا ان العديد من السكان على مر السنين أجبروا على العمل بدلاً من ذلك في التجارة أو تولي وظائف حكومية بسبب تعدي المستوطنين الإسرائيليين على أراضيهم، وتقليص المساحات الزراعية الخاصة بهم، وفقًا لما قاله رائد مقادي، الباحث في مركز أبحاث الأراضي.
ومنذ سنوات عديدة، ارتبط اسم بلدة حوارة أيضًا بالذهب حيث عمل أهلها في تجارة الذهب وبيع المعادن النفيسة في المحلات التجارية في بلدتهم وأماكن أخرى، كمدن نابلس ورام الله.
وعلى الرغم من أن سهل حوارة الزراعي يعتبر من أكبر سهول فلسطين، إلا أن زيادة الاستيطان على الأراضي الفلسطينية أو بمحاذاتها حرم السكان الفلسطينيين من الاستفادة منه.
وبحسب الباحث مقادي، فقد كان شارع حوارة الرئيسي طريقًا ترابيًا يستخدمه الجيش الأردني للوصول إلى معسكر قاعدته في السهل قبل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، حيث استولى جيش الاحتلال الإسرائيلي على المعسكر وحوله إلى قاعدة خاصة له بعد الحرب كمنطقة تدريب للجنود امتدت على مساحة 17 دونم (1.7 هكتار) من الأراضي التي صادرتها من البلدة ومن قرية عورتا المجاورة.
وقال “منذ ذلك الحين، وجنود الاحتلال يقومون بمضايقة المزارعين الفلسطينيين في السهل الذي كان بمثابة سلة غذاء لأهالي حوارة والقرى المجاورة”.
وأضاف: “مع تزايد هجمات الجنود والمستوطنين ومنع المزارعين من استخدام أراضيهم، قلل سكان البلدة من اعتمادهم على الزراعة”.
وعلى الرغم من أن البلدة تمتد على مساحة 8000 دونم، إلا أن المساحة المتاحة لبناء المنازل لا تتجاوز الـ 1000 دونم، حيث إن 75٪ من أراضيها مصنفة على أنها مناطق ج الخاضعة للسيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي.
وأشار الباحث الفلسطيني إلى أنه منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات، يُمنع الفلسطينيون باستمرار من المرور في الشارع الرئيسي، ومن التوسع العمراني، وحتى من فتح المحلات التجارية.
وبذلك، لم يتبق الكثير لسكان حوارة في ظل مصادرة الأراضي لصالح المستوطنات، وعرقلة البناء ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية.
مدينة مدمرة
في سبعينيات القرن الماضي، وسعت القوات الإسرائيلية الطريق الترابية وسط البلدة، لكن بالطبع، ليس لصالح الفلسطينيين، بل لخدمة المستوطنين الذين يستخدمونه للوصول إلى مستوطناتهم، وخاصة يتسهار وبراشا، اللتان سرقتا أكثر من 1100 دونم من أراضي حوارة، بحسب بلدية البلدة.
يسكن هذه المستوطنات يهود متطرفون يرفضون الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية ويستخدمون أساليب التخويف والعنف ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في البلدات والقرى المجاورة.
ومنذ سنوات والفلسطينيون يعانون من اعتداءات المستوطنين التي ترتكب تحت حماية الجنود الإسرائيليين والتي شملت حرق المنازل والمحاصيل، وسرقة الفاكهة، والتهجم على السكان.
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فقد وقع 59 هجوما للمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية حتى الآن هذا العام، أسفر 18 منها عن سقوط ضحايا، بينما تم تسجيل 622 هجوما في العام 2022.
لكن هجوم المستوطنين الأخير كان أعنف هجوم شهده سكان حوارة منذ سنوات، ففي 26 فبراير، اقتحم المستوطنون عدة بلدات في الضفة الغربية، وكانت حوارة من بينها، في هجمات انتقامية بعد إطلاق نار من قبل فلسطيني أسفر عن مقتل اثنين من المستوطنين.
وهاجم المستوطنون ممتلكات الفلسطينيين وأحرقوا منازلهم بينما كانت العائلات لا تزال بداخلها، فيما قتل فلسطيني واحد على الأقل وأصيب قرابة 400 آخرين في الهجمات.
وقال مقادي: “خلال الانتفاضة الثانية، عانى الأهالي من الممارسات السادية للاحتلال، حيث دفع بدباباته العسكرية إلى مركز حوارة، وأغلق نصف البلدة، وهدم عددًا من المنازل، فيما تحولت حوارة إلى بلدة مدمرة”.
ولى زمن النكبة
تتمتع حوارة بموقع استراتيجي على بعد 9 كيلومترات من مدينة نابلس، الامر الذي جعلها في الوقت نفسه عرضة للطموحات الإسرائيلية.
“نحن نعيش هنا دون التفكير في المغادرة، ولى زمن النكبة وإلى الأبد” – سعيد أحمد، من سكان حوارة
وقال سعيد أحمد، من سكان حوارة، إن العيش بالبلدة لا يشبه العيش في أي مكان آخر، واصفا إياها بأنها غير عادية “تعيد تشكيل حياتها من رماد العنصرية الإسرائيلية ضدها”.
وذكر أن منازل البلدة شيدت في السابق من الطين الجاف ثم من الطوب ثم من الحجارة البيضاء التي اشتهرت عدة مدن فلسطينية باستخراجها.
إلا أن هذه البيوت، مهما اختلفت طبيعة بنائها مع مرور الوقت، كانت شاهداً على مر السنين على إصرار سكانها على العيش فيها دون تردد، بغض النظر عن الصعوبات والعقبات.
وقال أحمد: “والدي كان مزارعًا ووصانا بالسير على خطاه، لكننا الآن لا نستطيع الوصول إلى أرضنا، نراها من بعيد ولا يمكننا الاقتراب منها”.
وأضاف: “يأتي المستوطنون إلى منازلنا ويحرقونها، لكننا نصر على العودة في كل مرة لاستعادة حياتنا”.
وشدد على إصرار الأهالي بالعيش في البلدة دون التفكير في المغادرة، معتبرا أن زمن النكبة قد ولى إلى الأبد، في إشارة إلى طرد آلاف الفلسطينيين من منازلهم مع بداية الاحتلال الإسرائيلي في نهاية الاربعينيات من القرن العشرين.