حيلة فرنسا والمملكة المتحدة للاعتراف بفلسطين ضعيفة ومتأخرة

بقلم ماركو كارنيلوس

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في الأسابيع الأخيرة، كان الخطاب السياسي الأوروبي المحبط فيما يتعلق بغزة وحق الفلسطينيين في تقرير المصير، سبباً في إلقاء الضوء على الوضع الكئيب الذي وصلت له المواقف الأوروبية، حيث أعلنت كل من فرنسا ثم المملكة المتحدة وكندا رسمياً عن نيتها الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل.

يتقاسم البلدان الأولان المسؤولية التاريخية الأكبر عن الفوضى التي عانى منها الشرق الأوسط وشعوبه بعد القرارات المأساوية التي اتخذوها قبل قرن من الزمان، من اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 إلى إعلان بلفور عام 1917 إلى معاهدة فرساي عام 1919 وتداعياتها.

إذا كانت نية ستارمر الحمقاء هي إسعاد الجميع، فربما يتفاجأ ستارمر بأن لها تأثيراً معاكساً، فلن تغفر له جماعات الضغط القوية المؤيدة لإسرائيل في المملكة المتحدة هذه الخطوة، ولن تشتريها منه الحركة المتنامية والمؤيدة للفلسطينيين فهي سوف ترى الأمر على حقيقته، بأنه خطوة كارثية

لو كان للحقوق القانونية قيمة حقيقية، ولو كانت دول المنطقة أكثر شجاعة وذكاء، لدُفنت هاتان القوتان الاستعماريتان الكبيرتان تحت دعوى قضائية جماعية طال انتظارها بقيمة مليارات الدولارات بسبب الأضرار الجسيمة التي ألحقتها بالشرق الأوسط، ولكن من بؤس القانون التاريخي أن الأشخاص المذنبون غالباً ما يفلتون من العقوبة التي يستحقونها!

من ناحية أخرى، إذا واصلت فرنسا وبريطانيا تعهدهما بالاعتراف بفلسطين عندما تجتمع الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر المقبل، فمن الصعب أن نجزم بما إذا كان هذا الإجراء القضائي الذي طال انتظاره سوف يحسن موقفهما السياسي أم لا.

ربما يأمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي انخفضت معدلات تأييده والذي ليس لديه الكثير ليظهره لإرثه التاريخي، في تعزيز شعبيته بين الأقلية المسلمة الكبيرة في البلاد، فيما يدرك رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر انخفاض الدعم لحزب العمال، لدرجة أن ما يقرب من 18% من البريطانيين قد يفكرون في التصويت لحزب جديد بقيادة الزعيم السابق جيريمي كوربين.

خطوة كارثية

وبدلاً من تبرير قراره الذي طال انتظاره، فقد قدمه ستارمر كوسيلة لاستخدامها إذا فشلت إسرائيل في وضع حد للفظائع التي ترتكبها في غزة والتي يجمع الخبراء القانونيون على أنها إبادة جماعية. 

إذا كانت نية ستارمر الحمقاء هي إسعاد الجميع، فربما يتفاجأ ستارمر بأن لها تأثيراً معاكساً، فلن تغفر له جماعات الضغط القوية المؤيدة لإسرائيل في المملكة المتحدة هذه الخطوة، ولن تشتريها منه الحركة المتنامية والمؤيدة للفلسطينيين فهي سوف ترى الأمر على حقيقته، بأنه خطوة كارثية.

لقد كان رد فعل إسرائيل والولايات المتحدة غاضباً على هذه التطورات، حيث أشارتا إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية “يكافئ الإرهاب ويعيق عملية السلام”.

أكد الرئيس دونالد ترامب مؤخراً بأنه ونتنياهو “أبطال حرب”، وهذا الانقلاب الغريب للواقع لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل غزة

الحقيقة أنه بعد 3 عقود من اتفاقيات أوسلو، والتي كانت مصممة ظاهرياً لتحقيق هذا الهدف، يبدو الأمر أبعد من أي وقت مضى، مع تحرك إسرائيل لضم المزيد والمزيد من الأراضي التي كان من المفترض أن تشكل دولة فلسطينية!

هذا ما يؤكده وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، في خطاباته، فقد رد على موجة إعلانات الاعتراف الأخيرة بتصريح له مع هيئة الإذاعة البريطانية: “لن يحدث ذلك، لن تكون هناك دولة يمكن الاعتراف بها”.

في الواقع، لا تعتبر كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية عدالة طال انتظارها مثلاً وأنها تلبي حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، فهي لا تعدو كونها ورقة مساومة ويجب أن تكون لإسرائيل الكلمة الأخيرة دائماً، فلن يُسمح بحدوث دولة فلسطينية على الإطلاق إلا برضى إسرائيل وهو ما يعني على الأرجح عدم السماح بحدوث ذلك في ظل المناخ السياسي الحالي. 

حتى بضعة أشهر مضت، كانت القوى الأوروبية الكبرى تتبنى هذا المنطق الملتوي أيضاً، ولكن مع استحالة تجاهل صور الأطفال الجائعين في غزة، بدأ البعض أخيراً في تغيير نهجهم.

ويظل الاختبار الحقيقي عما إذا كان سيتم الوفاء بهذه الوعود بالاعتراف بفلسطين في نهاية المطاف، بل وحتى استعداد الديمقراطيات الأوروبية لوقف المذبحة المستمرة في غزة إلى جانب الضم المتسارع ونزع الملكية واستفزازات المستوطنين القاتلة في الضفة الغربية المحتلة. 

بعيداً عن ذرف دموع التماسيح، فهل هم على استعداد لوقف كل المساعدات العسكرية لإسرائيل وفرض عقوبات ضدها، بنفس الحماس الذي يظهر ضد روسيا، والاقتداء بدول أصغر حجماً مثل إيرلندا وسلوفينيا؟!

في هذا الأسبوع فقط، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهامات قاسية جديدة لفرنسا حول قرارها للاعتراف بفلسطين، قائلاً بأن هذه الخطوة قد غذت معاداة السامية، وفي النهاية حصل على الازدراء الذي يستحقه من باريس رداً على ذلك.

في الوقت نفسه، قبلت حماس رسمياً الاقتراح الأخير لوقف إطلاق النار في غزة والذي قدمه الوسيطان مصر وقطر، وفي حين أن هذه إشارات قد تبدو مشجعة، إلا أنها لن تضع حداً للمحنة التي يواجهها الفلسطينيون، خاصة وأن الولايات المتحدة وإسرائيل تواصلان التمسك بهما، حيث أكد الرئيس دونالد ترامب مؤخراً بأنه ونتنياهو “أبطال حرب”، وهذا الانقلاب الغريب للواقع لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل غزة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة