وصف خبراء قانونيون رأي محكمة العدل الدولية الصادر يوم الجمعة بأنه مبادرة تاريخية لافتة للنظر تتطلب اتخاذ عدة خطوات قانونية تشمل السماح بعودة الفلسطينيين الذين شردهم احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967.
وكان الرأي الاستشاري الذي قدمته محكمة العدل الدولية قد رأى أنه يجب على دولة الاحتلال أن تقدم تعويضات للفلسطينيين عن الأضرار التي تسبب فيها احتلالها.
كما ورد في ذات الرأي الاستشاري أن على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة وجميع الدول التزام بعدم الاعتراف بشرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
وأورد الرأي الاستشاري كذلك أن دولة الاحتلال تمارس التمييز المنهجي ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وقد ضمت فعلياً أجزاء كبيرة من تلك الأراضي من خلال احتلالها.
وعن طبيعة الرأي الاستشاري غير الملزم قانوناً أوضح خبراء في القانون الدولي أن قيمته تكمن في إمكانية خلق تأثير كبير على سمعة دولة الاحتلال، التي تأثرت بالفعل بحربها على غزة التي قتلت خلالها عشرات الآلاف من الفلسطينيين حتى الآن.
وأشار الخبراء إلى إمكانية أن يترك رأي المحكمة تأثيراً كبيراً أيضاً على الخطاب القانوني الأشمل المحيط بمعاملة دولة الاحتلال للفلسطينيين.
وقال جورج بشارات، أستاذ في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو : “في رأيي، هذا قريب جداً من الاستنتاج القانوني بأن إسرائيل تمارس الفصل العنصري، وهذه ضربة أخرى لها ولمصالحها”.
وركزت مداولات رأي المحكمة الاستشاري على الحاجة إلى تعويض الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك أراضيهم عندما بدأت إسرائيل احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في عام 1967.
وتتضمن هذه التعويضات، كما لاحظت المحكمة، “التزام إسرائيل بإعادة الأرض التي تم الاستيلاء عليها من أي شخص طبيعي أو قانوني منذ بدء احتلالها في عام 1967”.
وقال سعيد باقري، أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق في ريدينج في المملكة المتحدة: “في رأيي، يشير هذا إلى الحاجة إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لترتيب عودة الفلسطينيين النازحين وأولئك الذين فروا”.
ورغم أن الرأي الاستشاري لا يناقش الحق الفلسطيني الأوسع في العودة الذي حددته قرارات الأمم المتحدة، فإن مناقشة الرأي لقضية العودة والتعويض قد يكون لها تأثير على حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين.
وشرح بشارات ذلك بقوله: “لا يزال الأمر مثيراً للدهشة، فقد شهد عام 1967 نزوحاً جماعياً لما بين 200 ألف و350 ألف فلسطيني طُردوا من الضفة الغربية إلى الأردن، وبالتالي فهذا الجانب من الحكم القانوني مهم للغاية”.
ويأتي إصدار الرأي الاستشاري بعد أكثر من عام ونصف العام من إقرار الأمم المتحدة لقرار يدعو محكمة العدل الدولية إلى التدخل في قضية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
وقد جاء هذا الطلب بعد أن أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً تاريخياً اعتبر إسرائيل مذنبة بارتكاب “جرائم الفصل العنصري” في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يذكر أن منظمة العفو الدولية كانت قد توصلت إلى استنتاج مماثل في شباط/فبراير 2022.
كما يأتي صدور الرأي الاستشاري بعد 10 أشهر من عدوان الاحتلال على غزة الذي أسفر حتى اليوم عن استشف ما يقرب من 40 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
وإبان فترة هذه الحرب، اضطرت محكمة العدل الدولية إلى الرد على شكوى قدمتها جنوب إفريقيا، اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
وخلال كانون الثاني/يناير، أصدرت المحكمة حكماً مؤقتاً يقضي بأنه من المعقول أن تكون إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية، ومنذ ذلك الحين انضمت عدة دول إلى جنوب أفريقيا بتقديم مذكرات لدعم الشكوى.
وبالنسبة للمتخصصين القانونيين، فإنه سيكون للرأي الاستشاري الصادر يوم الجمعة تأثير كبير على المجتمع العالمي.
وفي حين يمكن للولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، أن تستخدم حق النقض ضد أي قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن هذا الرأي سيستمر في لفت المزيد من الانتباه إلى سلوك إسرائيل في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها.
وقال باقري: “هذه مبادرة تاريخية للغاية لها آثار كبيرة حيث طلبت المحكمة من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتخاذ المزيد من الإجراءات لضمان السلام في الأراضي المحتلة”.