ندد الخبير البارز في قضايا الإبادة الجماعية ويليام شاباس، برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ووزير الخارجية ديفيد لامي لرفضهما وصف ممارسات الاحتلال في غزة بأنها إبادة جماعية.
وقال شاباس، وهو أكاديمي كندي متخصص في القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان يوم الإثنين عن ستارمر ولامي: “هؤلاء منافقون، إنهما يتحدثان بلسان متشعب، ولا يفسران أو يطبقان اتفاقية الإبادة الجماعية بطريقة متوازنة”.
وقال شاباس، وهو الرئيس السابق للرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية ومؤلف أكثر من 20 كتابًا عن الإبادة الجماعية وغيرها من مواضيع القانون الدولي: “تختلف تصريحات البرلمانيين البريطانيين اعتمادًا على ما إذا كانوا يشيرون إلى أصدقائهم أم أعدائهم”.
وخلال الأسبوع الماضي، طُلب من ستارمر نشر تعريفه للإبادة الجماعية وتحديد الإجراءات التي يتخذها لإنقاذ أرواح الناس في غزة، فرد على ذلك بالزعم أنه يدرك جيداً تعريف الإبادة الجماعية، وأن هذا يفسر لماذا “لم يصف أو يشير أبدا إلى الوضع في غزة على أنه إبادة جماعية”.
وجاءت تصريحات ستارمر بعد نفي مماثل من وزير الخارجية لامي، الذي أشار إلى أن دولة الاحتلال لا ترتكب إبادة جماعية في غزة لأن الملايين من الناس لم يُقتلوا.
وأشار شاباس إلى أن لامي وستارمر صوتا لصالح اقتراح في مجلس العموم في عام 2021 يدين الصين بسبب الإبادة الجماعية ضد الأقلية الأويغورية.
وقال شاباس لميدل إيست آي: “على الرغم من وجود بعض الأدلة على اضطهاد الأويغور في الصين، فلا يوجد دليل جدي على القتل وليس قتل الملايين، لا يمكن مقارنة معاملة الأويغور في الصين بمعاملة العرب الفلسطينيين”.
“إذا كانت سياسة المملكة المتحدة هي ترك مثل هذه التحديدات للمحاكم، فلماذا صوت ستارمر ولامي لصالح القرار بشأن الأويغور؟”- ويليام شاباس
وأشار شاباس وهو أحد أبرز العلماء في مجال الإبادة الجماعية حول العالم أيضًا إلى دور ستارمر كمحام يمثل كرواتيا في قضية الإبادة الجماعية ضد صربيا في محكمة العدل الدولية في عام 2014، حيث زعم أن صربيا ارتكبت إبادة جماعية في كرواتيا.
وقال شاباس: “مرة أخرى، لا يمكن مقارنة أفعال صربيا في كرواتيا بأفعال إسرائيل في غزة“.
بالإضافة إلى ذلك، أشار شاباس إلى أن المملكة المتحدة، تدخلت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في قضية غامبيا ضد ميانمار أمام محكمة العدل الدولية، لدعم الادعاء بأن ميانمار ارتكبت إبادة جماعية ضد الروهينجا.
وأوضح: “وفقًا لتقارير الأمم المتحدة عن ميانمار، قُتل ما يقرب من 10 آلاف من الروهينجا من أصل عدد سكان يبلغ حوالي مليوني نسمة، أو بعبارة أخرى، عدد مماثل في الحجم لسكان غزة”.
وأشار شاباس إلى أن موقف المملكة المتحدة من الإبادة الجماعية في قضايا مختلفة كان متباينًا حسب التحالفات السياسية.
فعلى سبيل المثال، في تدخل المملكة المتحدة في قضية ميانمار، والتي قدمتها بالاشتراك مع كندا وألمانيا وفرنسا والدنمارك وهولندا، دافعت لندن عن نهج أقل تقييدًا لتعريف الإبادة الجماعية من النهج الذي تم تبنيه في القضايا السابقة.
لكن شاباس أوضح أن المملكة المتحدة زعمت خلال تدخلها في قضية أوكرانيا ضد روسيا في أغسطس/آب أن محكمة العدل الدولية يجب أن تلتزم بنهجها التقييدي.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية نفس الملاحظات التي تمت مشاركتها مع ميدل إيست آي في وقت سابق من هذا الأسبوع، قائلاً إن الإبادة الجماعية يجب أن تعلنها محكمة مختصة بعد النظر في الأدلة عبر عملية قضائية.
وكانت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية المحتلة، قد وجهت في مقابلة مع ميدل إيست آي الأسبوع الماضي الاتهام للامي بأنه “ينكر الإبادة الجماعية” وقالت أن المملكة المتحدة لم تفعل “شيئًا” لمنع الجريمة في غزة.
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول، زعم لامي أن إسرائيل لم ترتكب إبادة جماعية في غزة لأن ملايين الأشخاص لم يُقتلوا.
وقال لامي للبرلمان أن مصطلحات مثل الإبادة الجماعية “استخدمت على نطاق واسع عندما فقد ملايين الأشخاص حياتهم في أزمات مثل رواندا، والحرب العالمية الثانية، والمحرقة”، زاعماً أن “الطريقة التي يستخدم بها المصطلح الآن يقوض جديته”.
وردًا على تصريحات ألبانيز، قالت وزارة الخارجية أن لامي لم يحدد أن الإبادة الجماعية تتطلب “قتل الملايين من الناس”.
وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية لموقع ميدل إيست آي: “لقد لاحظ ببساطة أن المصطلح ينطبق إلى حد كبير على مثل هذه الحالات، والسياسة الراسخة للمملكة المتحدة هي أن أي حكم بشأن ما إذا كانت الإبادة الجماعية قد حدثت أم لا هو أمر يخص محكمة وطنية أو دولية مختصة، ولا يخص الحكومات أو الهيئات غير القضائية”.
“إنكار متهور للإبادة الجماعية”
وكان حكم مؤقت لمحكمة العدل الدولية صدر في يناير/كانون الثاني قد خلص إلى أنه من المعقول أن تكون دولة الاحتلال قد انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 أثناء عدوانها على غزة، والذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقدمت ألبانيز تقريرين عن غزة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذا العام، وخلص تقريرها “تشريح الإبادة الجماعية”، الذي قُدِّم في مارس/آذار، إلى أن “إقرار أعمال الإبادة الجماعية وتنفيذها في غزة تم بعد تصريحات عن نية ارتكابها أصدرها كبار المسؤولين العسكريين والحكوميين”.
وأضاف تقرير آخر في أكتوبر/تشرين الأول أن الأعمال الإبادة الجماعية في غزة يجب أن تُفهَم في سياق عقود من الاستعمار الاستيطاني وأن إسرائيل يجب أن تُحاسب على تدبير مثل هذه الأعمال والفشل في منعها.
ويوم الاثنين، كتب تحالف من خمسة نواب مستقلين يضم زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين، إلى رئيس الوزراء لسؤاله عما إذا كان قد تلقى أي مشورة قانونية قبل إعلان رأيه بشأن الوضع في غزة، حيث استشهد أكثر من 43 ألف فلسطيني.
وكتبوا أن “إنكار الحكومة المتهور للإبادة الجماعية يقلل بشكل صارخ من معاناة الفلسطينيين ويُظهِر ازدراءً للقانون الدولي”.
كما أرسل التحالف رسالة إلى النائب العام يسأله عما إذا كان قد قدم أي مشورة قانونية لستارمر بشأن تعريف الإبادة الجماعية في هذه القضية.
واستشهدت الرسالة بالأحكام المؤقتة الثلاثة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية هذا العام والتي اعترفت بإمكانية حدوث إبادة جماعية في غزة وتقرير لجنة الأمم المتحدة الصادر في 14 نوفمبر/تشرين الثاني والذي خلص إلى أن سياسات إسرائيل “متسقة مع خصائص الإبادة الجماعية”.