بقلم نادية أحمد وسليمة غول
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر منح الديمقراطيون الأمريكيون، الذين سعوا للحصول على أصوات المسلمين في انتخابات 2020، إسرائيل تفويضاً مطلقاً لارتكاب جرائم القتل و الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
كان المسلمون في كافة أنحاء العالم ينزلون الرئيس جو بايدن ذات يوم محل الترحاب بعد الحظر العنصري الذي فرضته إدارة ترامب على المسلمين، لكنهم باتوا يرونه الآن حاملاً للقب الشائع، “جو الإبادة الجماعية”، بل إن بعضهم يرى أن دعم بايدن الثابت للقصف الإسرائيلي المتواصل على غزة و”التجريد الفاشي للفلسطينيين من إنسانيتهم” قد تجاوز أفعال دونالد ترامب.
بعد العقاب الجماعي الذي فرضته إسرائيل على غزة، وهو انتهاك خطير للقانون الدولي أودى بحياة أكثر من 9000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، بات صدى التنافر المقلق يتردد ليس فقط في الشرق الأوسط حيث خرج الملايين إلى الشوارع للمطالبة بوقف إطلاق النار، ولكن أيضًا عبر المحيط الأطلسي.
وبالنسبة للأميركيين المسلمين، فإن دور حكومة الولايات المتحدة كشريك نشط في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على غزة وحرمانها لـ 2.3 مليون فلسطيني، نصفهم من الأطفال، من الماء والغذاء والدواء يذكرهم بضعفهم الدائم واتساع انفصالهم عن إدارة البيت الأبيض، ذات الإدارة التي ساعدوا في وصولها إلى السلطة.
وعقب الإدلاء بالأصوات الحاسمة لصالح بايدن في ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا، توقع العديد من الأميركيين المسلمين بزوغ فجر جديد قائم على الاحترام، لكن وبدلاً من ذلك، تم إبعادهم إلى الهامش وإبقائهم في ظل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.
كما أن تبني إدارة بايدن لسياسات الحدود المتبعة في عهد ترامب وخلطها مؤخراً بين المجموعات الطلابية الفلسطينية والإرهابيين قد أضر بشكل كبير بالتواصل المستقبلي مع هذه الدوائر الانتخابية.
ولكن مع استمرارهم في رؤية تحول الحزب الديمقراطي إلى حزب الإبادة الجماعية، أعلنت أعداد متزايدة من الناخبين المسلمين الذين تعرضوا للخيانة أنهم لن يدعموا بايدن في عام 2024.
دعم “حديدي”
إن المعضلة الكلاسيكية، ما إذا كان ينبغي للديمقراطيين أن يتحالفوا تاريخياً مع الكونفدرالية أو حركة إلغاء العبودية، تبقى وثيقة الصلة اليوم كما كانت في عام 1860، لكن الاختيار هذه المرة هو ما إذا كان يجب التحالف مع دولة فصل عنصري مكروهة في معظم أنحاء العالم الإسلامي (والجنوب العالمي) أو الاستسلام لسلطة مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ورعاتها في الكونجرس.
وفي فترة الستينات من القرن الماضي، أدى النشاط الطلابي والضغط على الكابيتول هيل إلى تحويل تيار الرأي العام ضد حرب فيتنام، لكنه منح النصر بعد ذلك للمرشح الرئاسي الجمهوري ريتشارد نيكسون، والآن يواجه المتظاهرون الساخطون المسؤولين المنتخبين، بمن فيهم عضو مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا جون فيترمان، الذي بالكاد يرف له جفن من حصيلة القتلى المروعة من الفلسطينيين.
لماذا يسود التردد الشديد على إمكانية اشتراط ربط المساعدات العسكرية لإسرائيل بالامتثال لحقوق الإنسان؟
لماذا يجب على إدارة بايدن أن تتهاون في إعلان دعمها “الصارم” لإسرائيل، الدولة المنبوذة المعروفة بما تصفه منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش و بتسيلم بسياسات الفصل العنصري: الجدران والطرق المعزولة، وهدم منازل الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني والاعتقال والتعذيب لأجل غير مسمى؟
يحتاج الأمريكيون الفلسطينيون والمسلمون إلى إجراء ملموس من الرئيس بايدن على شكل تحرك فوري لوقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المستمرين في فلسطين، لكن بدلاً من ذلك، يقدم البيت الأبيض كلمات فارغة، أو ما هو أسوأ من ذلك، يردد بايدن الأكاذيب الإسرائيلية الفظيعة ويبرر ارتكابها لجرائم الحرب.
منذ الأيام الأولى التي أعقبت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، والمشهد يبدو مضطرباً بالنسبة للأمريكيين المسلمين، ورغم ذلك، فإن حراكنا كطلاب والآن – كأمهات ناشطات- ضد السياسات غير العادلة انطلاقاً من جامعة جنوب فلوريدا إلى جامعة هارفارد بات يزداد جرأة.
لقد تم وضع التحدي على كاهل حركة جديدة مناهضة للحرب تطالب بتغيير الوضع الراهن، سوف يتذكرنا التاريخ بأفعالنا، ويتعين علينا أن نقرر ما إذا كنا نريد أن نكون محفزين للتغيير أو مجرد متفرجين لتأمين وقف إطلاق النار لأطفال غزة.
يحتاج الرئيس بايدن إلى الاستماع إلى الأصوات الفلسطينية، القادة على الخطوط الأمامية لحركات التضامن الفلسطينية في الولايات المتحدة، وعليه أن يشرك الأصوات المسيحية الفلسطينية في قرارات صنع السياسة أيضاً، ويجب أن تتمحور هذه الأصوات مع الأصوات اليهودية المعارضة والمناهضة للصهيونية.
إن الفظائع المروعة في غزة تتفاقم كل ساعة، وشبح التصعيد الإقليمي يلوح في الأفق، ومجرد تقديم التعازي أو إبداء الحزن بات أكثر إثارة للغضب، فالسلام، وإن كان هشاً، لكنه لا يقدر بثمن، يستحق أكثر من مجرد فرصة، إنه يتطلب دبلوماسية حقيقية ومنظمة لا رمزية فقط.
اجتماعات مغلقة
لقد تفاقمت مشاعر التهميش هذه عندما وقع الاختيار على خمسة من قادة الجالية الإسلامية لعقد اجتماع سري مع بايدن الأسبوع الماضي بشأن أزمة الشرق الأوسط الحالية، وكان من بينهم ممثل فلسطيني واحد، هو المنظم رامي النشاشيبي، الذي يقيم في شيكاغو، حيث سيعقد المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 2024.
ومن بين المشاركين الرئيس التنفيذي لشركة Emgage وائل الزيات، والنائب العام في ولاية مينيسوتا كيث إليسون، والإمام محمد ماجد، والدكتورة سوزان بركات، لقد شاركوا في حوار سري للغاية لدرجة أن تفاصيله الفعلية ظلت مخفية حتى طالب منظمون فلسطينيون ومسلمون آخرون بالتفاصيل، وبما أن الاجتماع مع الرئيس يتطلب تصريحًا أمنيًا من الخدمة السرية، فمن المرجح أن يتم فحص الأشخاص الذين التقوا به سابقًا والموافقة عليهم.
وكما ورد في موقع ميدل إيست آي، رفضت إدارة بايدن مقابلة الأمريكيين المسلمين الذين انتقدوا علنًا موقفه تجاه غزة، وكانت عضوة الكونجرس الديمقراطية رشيدة طليب، وهي أمريكية من أصل فلسطيني، منتقدة صريحة لسياسة بايدن تجاه إسرائيل، بدءًا من دعمه لقصفها المستمر لغزة ورفضه المطالبة بوقف إطلاق النار وحتى قبوله انضمام إسرائيل إلى برنامج الإعفاء من التأشيرة الأمريكية في أيلول / سبتمبر، على الرغم من الممارسات التمييزية، وفي آب / أغسطس 2019، منعت إسرائيل طليب نفسها من الدخول لزيارة جدتها في الضفة الغربية المحتلة.
خلال اجتماع الأسبوع الماضي، الذي صدرت تعليمات للزعماء المسلمين الخمسة بعدم نشر تفاصيله علنًا، وهو شرط التزموا بحذافيره، ورد أن بايدن “بدا متعاطفًا ومتقبلًا لمخاوفهم لكنه لم يقدم أي التزامات بشأن وقف إطلاق النار”.
ورغم ذلك، فإن مشاعره الجوفاء، التي عبر عنها سراً، بدت كافية كي يدشن البيت الأبيض والقلة المختارة المشاركة في اللقاء حملة علاقات عامة ناعمة، فأثناء مقابلة له مع الإذاعة الوطنية العامة، وصف النشاشيبي كيف أن المجموعة “فوجئت بسرور بقدرة الرئيس على استيعاب الانتقادات المباشرة للغاية”، في حين حاول ممثل آخر توضيح تصريحات بايدن المشينة التي شككت بعدد القتلى الفلسطينيين.
وبدلاً من التأكيد على مدى إلحاح الكارثة الإنسانية في غزة، تم الكشف بسرعة عن نية الاجتماع المتمثلة في “تخفيف ردود الأفعال السلبية” من جانب المجتمعات الإسلامية، وقد بحث مقال في صحيفة وول ستريت جورنال كيف يمكن لهذه الدوائر الانتخابية الرئيسية أن تهدد محاولة إعادة انتخاب بايدن، وخلال الترويج للدعاية الإسرائيلية وتبرير حرب الإبادة الجماعية، تمكنت صحيفة نيويورك تايمز أيضًا من الترويج للدعاية الانتخابية لشركة Emgage باعتباره مقالًا مبالغاً فيه عن انتخابات عام 2024.
من يحصل على مقعد
وأعلنت مؤسسة المسلمين الشيعة، ومقرها منطقة العاصمة واشنطن، الثلاثاء، أن مديرها التنفيذي رهط حسين، شارك في اجتماع آخر بالبيت الأبيض مع “شخصيات رئيسية من إدارة بايدن”.
ونقل أعضاء الجالية المطلعون على تفاصيل الاجتماع أن أياً من أعضاء الوفد الإسلامي المشارك لم يكن فلسطينياً، بيد أن ثلاثة على الأقل من المشاركين كانوا أعضاء في مجلس إدارة المجلس الاستشاري الإسلامي اليهودي، وهو مشروع تطبيع صهيوني أنشأته اللجنة اليهودية الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، والتي تم توثيق تاريخها في الترويج للدعاية المناهضة للمسلمين والفلسطينيين بشكل جيد.
ووفقاً لما ورد، فقد أثار الاجتماع السري غضب الأمريكيين الفلسطينيين الذين يقولون إن استبعادهم من هذه الحوارات يدل على أن إدارة بايدن ليس لديها اهتمام بالمجتمع الفلسطيني ولا تكن له الاحترام، ونظراً لعلاقاتهم المشكوك فيها، فقد أثار ذلك تساؤلات حول نوع المسلمين الذين يتم منحهم “مقعداً على الطاولة”.
أحد ممثلي إدارة بايدن الذي كان حاضراً في كلا الاجتماعين، وهو سفير الحرية الدينية الدولية رشاد حسين، الذي أدان مؤخراً “الهجمات الإرهابية” في 7 تشرين الأول / أكتوبر ووصفها بأنها “همجية” و”غير إنسانية”، لكنه لم يقدّم مثل هذه الأوصاف عن إسرائيل الهمجية وغير الإنسانية والوحشية.
وفي حين قدم إشارة إجبارية إلى معاناة الفلسطينيين، مشيراً إلى “الصور المدمرة” لغزة، فإن كلمات حسين تركت المرء يتساءل من أو ما الذي تسبب في انهيار تلك المنازل والمباني، فلربما أصيب الفلسطينيون بزلزال.
ولم يكن لدى حسين، الذي ذكر زيارته للمسجد الأقصى في وقت سابق من هذا العام، والذي يزعم أنه مكلف بالدفاع عن “الحرية الدينية الدولية”، سوى القليل ليقوله عن التهديد المستمر الذي يتعرض له وضع الأقصى منذ انتخاب حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
كما لا يبدو أن حسين يشعر بالقلق إزاء التوغلات المستمرة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية والمستوطنون المتعصبون والتي يعاني منها المصلون الفلسطينيون في ثالث أقدس موقع إسلامي، إن هذه الهجمات العنيفة على المواقع الدينية تمثل انتهاكًا للقانون الدولي، ولكن يتم تجاهل ذلك مثل معظم جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وفي أيار/ مايو، عقد البيت الأبيض اجتماعاً آخر، دون جدوى، استضافه دوغ إيمهوف، زوج نائبة الرئيس كامالا هاريس، مع مجموعة مماثلة من الزعماء المسلمين، وكان من ضمن المشاركين في “جلسة الاستماع” حول كيفية “مكافحة الإسلاموفوبيا” كبار صناع القرار مثل سوزان رايس ومجموعة من الزعماء المسلمين.
ولسنوات ظلت المنظمات الإسلامية الأمريكية الممثلة في هذه التجمعات داخل البيت الأبيض تواجه انتقادات داخل مجتمعاتها بسبب انتماءاتها المعروفة لأجندات مثيرة للجدل، تتمحور حول الجيشين الإسرائيلي والأمريكي.
وقد زرعت هذه المنظمات، التي كانت على استعداد تام للمضي قدمًا، بذورًا عميقة من عدم الثقة، خاصة بعد دعمها للشرطة المستهدفة في المجتمعات الإسلامية والعربية.
السيطرة على الضرر
وفي هذا الأسبوع، انخرط البيت الأبيض في مساعي السيطرة الكاملة على الأضرار، فيما كان يقرع أيضًا طبول الحرب لصالح إسرائيل.
لقد بدأ الحزب الديمقراطي، الذي قطع ذات يوم وعداً بتحقيق نقلة تقدمية، بفقدان بريقه حتى بين أكثر مؤيديه تحمساً، حيث يتم إسكات المسلمين والساسة المتحمسين بشكل متزايد، على الرغم من التعبئة والمشاركة الشعبية.
بعد يوم واحد فقط من المقارنة المخزية التي عقدها السكرتير الصحفي بين الاحتجاجات السلمية التضامنية مع فلسطين والمسيرة القاتلة للعنصريين البيض في شارلوتسفيل، أعلن البيت الأبيض يوم الأربعاء عن خططه الغامضة للعمل على “استراتيجية وطنية لمكافحة الإسلاموفوبيا”.
ورغم ذلك، فإن مثل هذه التصريحات لا يمكنها حتى أن تبعث الأمل في نفوس الأميركيين من أصل فلسطيني مثل النشاشيبي، الذي أعرب عن شكوكه وانتقد تشكيك بايدن في عدد القتلى الفلسطينيين، ومن غير الواضح ما إذا كانت ستتم دعوة النشاشيبي للعودة إلى البيت الأبيض أم لا.
لا يستطيع بايدن استرضاء مجتمعاتنا بعروض سطحية في السياسة الداخلية مقابل صمتنا أو تخفيف مطالب السياسة الخارجية تجاه القضايا الإسلامية والعربية والفلسطينية، وبينما يتجنب السرد السائد هذه القضايا الملحة، أصيبت موجة جديدة من النشطاء بخيبة أمل بسبب تجاهل بايدن لمطالبهم ولرمزية الحزب.
إن مخاوفهم ومطالبهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالكارثة الإنسانية المستمرة في غزة، تتماشى مع غالبية الناخبين الأميركيين، الذين يؤيد 66% منهم وقف إطلاق النار، إلى جانب 80% من الناخبين الديمقراطيين.
ينذر المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو لعام 2024 بأن يتحول إلى برميل بارود من الاحتجاجات، بطريقة تشبه الاحتجاجات المناهضة للحرب في فيتنام التي هزت مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 1968 في شيكاغو.
إن أيام استخدام العبارات المتداولة لكسب أصوات المسلمين قد ولّت، إن شاء الله.
واليوم، تم وضع دور بعض المنظمات الإسلامية الأمريكية، التي من المفترض أن تكون طليعة مشاعر المجتمع، تحت المجهر، إن انتماءاتهم إلى البنتاغون ووكالات المراقبة إلى جانب النشاط الوديع للقادة وحفلات جمع التبرعات الجذابة وفعاليات السجادة الحمراء لا يمكنها أبدًا تعزيز تمكين المسلمين، بل يمكنها فقط إدامة دورهم كحراس بوابة رمزيين.
وإلى أن تعالج هذه الكيانات الانتقادات المشروعة الموجهة إليها، فإن مصداقيتها تبقى موضع شك.
وفقاً لهذه الخلفية، كيف يمكن لهذه المنظمات الإشكالية، فضلاً عن الاجتماعات المغلقة، أن تمثل مصالح الأميركيين المسلمين؟
إن مسارهم الحالي يتناقض مع المشاعر السائدة داخل المجتمع، والتي تطالب المسؤولين الأمريكيين بفرض وقف لإطلاق النار، وعدم إشراكهم في سياسات حزبية صماء تسمح بالإبادة الديمقراطية باسمنا.
بحلول تشرين الثاني /نوفمبر 2024، قد يتم محو غزة بالكامل بقنابل أمريكية الصنع، و سيكون المُطبّعون في مجتمعنا منهكون بإعداد البرامج الانتخابية لإثبات منفعتهم للحزب الديمقراطي (حزب إبادة الديمقراطية).
للاطلاع على النص الأصلي: (هنا)