“إنه يوم عظيم لشعب إسرائيل”، هذا ما سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قوله، بعد موافقة البرلمان على ميزانية حكومته المقترحة للعامين المقبلين، لكنه ليس يوماً عظيماً لمعظم الإسرائيليين، فقد بلغت المخصصات المالية المقررة لعامي 2023-2024، 484 مليار شيكل و514 مليار شيكل على التوالي، من أجل تعزيز القومية المتطرفية والأرثودكسية الدينية، على حساب العدالة الاجتماعية.
يمكن وصف الموازنة الجديدة بأنها “نهب للخزينة العامة” بحسب وصف الصحف الإسرائيلية
من خلال رسالة بُعثت إلى الحكومة الإسرائيلية، حذر حوالي 300 من كبار الاقتصاديين، من بينهم مسؤولون سابقون في بنك إسرائيل ووزارة الخزنة، من أن هذا النوع من الميزانية يشكل “تهديداً وجودياً لمستقبل إسرائيل”، لأن الأحزاب المشاركة في ائتلاف الحكومة استحوذت على ميزانية كبيرة جداً من أجل تحقيق مساعيها السياسية “على حساب القطاعات الأضعف في المجتمع الإسرائيلي، وهو أمر سيء بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي”.
على سبيل المثال، فإن الأموال المخصصة لمشاريع الأحزاب تجاوزت قيمة الميزانية المخصصة للمستشفيات العامة في إسرائيل، وبذلك لا تعد التخصيصات الجديدة سيئة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل هي تناقض العدالة الاجتماعية ومبادئ الديمقراطية.
ربما لم تتمكن الحكومة حتى الآن من تمرير تغييرات جذرية تسعى إليها في النظام السياسي بشكل واضح، إلا أن الموازنة الجديدة قد أكدت على ذلك، ويمكن وصفها بأنها “نهب للخزينة العامة” بحسب وصف الصحف الإسرائيلية، أو نقلاً عن تصريحات قادة المعارضة في إسرائيل.
كما تعد الموازنة الجديدة طريقة أكثر تعقيداً لتأمين تعليم قومي يميني متطرف لأجيال، من أجل المحافظة على نمو المجتمعات الأرثودكسية لتبقى منعزلة وخلق شريحة ناخبة مستقبلية مشبعة بالفكر المتشدد عن الدولة اليهودية.
لا يمكن فهم المليارات التي تم تخصيصها للأحزاب اليمينية إلا كوسيلة لتوسيع الاحتلال الاستيطاني في المستقبل، والعجيب أن من أقرها على رأس حكومته نتنياهو، الذي عارض هذا النوع من الإنفاق بشدة حين كان وزير المالية عام 2003 بقوله “من لا يستطيع تحمل نفقاتها لا ينبغي أن ينجب 12-14 طفلاً، فسياسة المنافع الحكومية هي ما يبقي الناس خارج سوق العمل وفي دائرة الفقر الدائمة”.
يعد التضييق على الفلسطينيين الوجه الآخر لهذه الخطة، فقد حصلت وزارة ستروك على 40 مليون شيكل إضافي، من أجل شراء معدات خاصة مثل الطائرات بدون طيار لمراقبة البناء الفلسطيني في المناطق ج
بعد 20 عام على ذلك التصريح، غير نتنياهو رأيه من أجل الحفاظ على تحالفه والبقاء في منصبه بأي ثمن، مع سيل الإعانات الحكومية في مجالات التعليم الديني المتطرف دون إشراف من الدولة، سيولد أجيالاً غير صالحة للاندماج في سوق العمل، خاصة وأن الفئة الأرثودكسية يريدون الاستفادة من أموال الموازنة وهم بالكاد يدفعون الضرائب أو يخدمون في الجيش، الأمر الذي يتحول إلى غضب واستياء بين شرائح المجتمع الأخرى.
لقد أدى هذا الاستياء من قبل الإسرائيليين العلمانيين تجاه الارثودكس المتشددين إلى تحويل انتباههم عن قضايا لا تقل أهمية عن التعليم الديني البحت، فإن كانت الأحزاب الأرثودكسية تعيد إسرائيل إلى الوراء اجتماعياً وتعليمياً، فإن اليمين الديني المتطرف في الائتلاف يدفع إسرائيل لتغيير سياسي كامل، فهم لا ينتظرون الإصلاحات القضائية من أجل التغيير العميق الذي ينشدونه، لكن الموازنة الجديدة كفيلة بتغيير التوازن المعقد في تعريف إسرائيل على أنها “دولة يهودية ديمقراطية”، الديمقراطية لم تعد مهمة، المهم أن الأموال الجديدة مخصصة لجعل إسرائيل “أكثر يهودية”.
على سبيل المثال، لقد قام وزير البعثات القومية والاستيطان المتطرف أوريت ستروك، بتخصيص 280 مليون شيكل من أجل “تقوية الهوية اليهودية”، بالإضافة إلى تخصيص 200 مليون دولار من أجل مساعدة العائلات الدينية على الاستقرار في مجتمعات مختلطة مع الفلسطينيين، وهو مخطط يتماشى مع “المهمة الوطنية” التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية لتهويد أكبر قدر من البلاد.
على الجانب الآخر، يعد التضييق على الفلسطينيين الوجه الآخر لهذه الخطة، فقد حصلت وزارة ستروك على 40 مليون شيكل إضافي، من أجل شراء معدات خاصة مثل الطائرات بدون طيار لمراقبة البناء الفلسطيني في المناطق ج، والتي تشكل 60% من مناطق الضفة الغربية وتسيطر عليها إسرائيل بالكامل.
بالنظر إلى وضع المستوطنات غير القانوني، هي لا تشارك في تنمية الصندوق ولكن تستطيع الاستفادة من أمواله، إن تم تمرير القانون!
وفي الوقت الذي كانت تجري فيه المفاوضات حول الموازنة خلف الكواليس، أصدر سموتريتش تعليمات بتطوير البنية التحتية، استعداداً لوصول 500 ألف مستوطن يهودي إضافي إلى الضفة الغربية، ولا يعتبر ذلك مصادفة بالتأكيد، لأن المستوطنات غير الشرعية في الضفة باتت هي محور المشاريع الحكومية، وهو تحول لم يحدث بين عشية وضحاها، لكن الميزانية اليوم باتت تتجه نحو المستوطنين أكثر من أي وقت مضى!
مع ارتفاع تكلفة المعيشة في إسرائيل اليوم، لا شك أن مستوطنات الضفة والبؤر الاستيطانية التي تتمتع بدعم حكومي لا مثيل له، سوف تصبح مصدر جذب لمزيد من الإسرائيليين، من خلال إغرائهم بمستوى معيشي أعلى، وهكذا اندمجت النيوليبرالية الإسرائيلية مع الجهود لضم الضفة في سلة واحدة.
كما ناقش البرلمان الإسرائيلي مؤخراً، مشروع قانون جديد بعنوان “صندوق الضرائب البلدية”، والذي يعني ببساطة أن الحكومة تأخذ بعض أرباح السلطات المحلية من الضرائب التابعة للبلديات الغنية لإعادة توزيعها على البلديات الأقل حظاً، وبذلك تضاف هذه السلطة إلى سلطات الحكومة أيضاً!
زيادة سلطة الحكومة على حساب المؤسسات الديمقراطية هو بالضبط المخطط الذي تدور حوله الإصلاحات القضائية، والمستفيد الأكبر هو مستوطنات الضفة بالطبع، خاصة في مشروع “صندوق الضرائب”، فبالنظر إلى وضعها غير القانوني، هي لا تشارك في تنمية الصندوق ولكن تستطيع الاستفادة من أمواله، إن تم تمرير القانون!