بقلم حذيفة فياض
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبيل فجر الثاني من مايو 2023، لفظ الناشط الفلسطيني المعروف خضر عدنان (45 عام) أنفاسه الأخيرة داخل زنزانته في سجن نيتسان الإسرائيلي، بعد قرابة 3 أشهر من الإضراب المتواصل عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله.
لقد عاش خضر عدنان البالغ من العمر 45 عاماً والداً لتسعة من الأبناء، حياة مفعمة بالنضال للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، الأمر الذي كلفه سنوات من عمره خلف القضبان والآن حياته!
إذا لم يكن في السجن، كان دائماً في الشارع يناهض الاحتلال، حتى أصبح من أبرز النشطاء الفلسطينيين
وقد اشتهر عدنان الذي أمضى ما مجموعه 316 يوماً مضرباً عن الطعام بين 2004-2023، بإحياء الإضراب الفردي عن الطعام ضد سياسة الاعتقال الإداري الذي تنتهجه السلطات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، حيث تقوم باحتجازهم دون محاكمة أو تهمة إلى أجل غير مسمى.
علقت جمعية الأسرى الفلسطينيين على رحيل عدنان، مشيرة إلى أنه سوف يبقى ذكره بأنه “مناضل حقيقي قاد معارك طويلة بمعدته الفارغة لينال حريته”، وأضافت “لقد فقدنا زعيماً حقيقياً نقل صوت الأسرى الفلسطينيين إلى العالم”.
نشاطه في حياته
ولد عدنان في مارس عام 1978 في بلدة عرابة جنوب غرب جنين، وكغيره نشأ تحت الاحتلال الإسرائيلي وانخرط في أنشطة مناهضة الاحتلال منذ سن مبكرة، فقد اعتقله الاحتلال أول مرة حين كان لا يزال طالباً في جامعة بيرزيت في رام الله، التي تخرج منها بشهادة في الرياضيات عام 2001، واستمر اعتقاله الأول 4 أشهر دون تهمة أو محاكمة، ثم أُعيد اعتقاله مرة أخرى لعام آخر.
وعلى مدى عقدين، تم اعتقال عدنان 10 مرات أخرى، حيث قضى ما مجموعه 8 سنوات خلف القضبان، وإذا لم يكن في السجن، كان دائماً في الشارع يناهض الاحتلال، حتى أصبح من أبرز النشطاء الفلسطينيين، خاصة بعد التحاقه في صفوف حركة الجهاد الإسلامي.
اشتهر عدنان بقيادة الاحتجاجات والاعتصامات حول مختلف القضايا، وعلى رأسها حقوق الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى تواجده المستمر في الجنازات والمسيرات، التي عادة ما كان يتحدث فيها بحماس وبلاغة.
إحياء الإضراب عن الطعام
عانى عدنان كغيره من الاسرى من سياسة الاعتقال الإداري، التي يمكن لإسرائيل فيها تجديد الاحتجاز لمرات غير محددة، ولا يتوجب على الحكومة الإسرائيلية أي التزام تجاه تبرير سبب الاعتقال، وهذا يعد انتهاكاً للقانون الدولي.
“أرسل لك هذه الكلمات بعد أن تبخر جسدي، وتآكلت عظامي وضعفت قوتي……. شعبي الفلسطيني الأعزاء، لا تيأسوا، بغض النظر عما يفعله المحتلون ومهما بلغوا في ظلمهم وعدوانهم فإن نصرنا قريب” – خضر عدنان
ومن هنا بدأت قصة إحياء عدنان للإضراب، فقد خاض 6 إضرابات عن الطعام في حياته، بدأ أولها احتجاجاً على حبسه الانفرادي خلال اعتقاله لمدة عام في 2004، فيما سجل أطول إضراب له عن الطعام بين عامي 2011 و2012، حين قضى 66 يوماً بدون طعام، قبل الإفراج عنه.
عام 2012، كان لإضرابه ذلك دور في إلهام عدد من الأسرى الإداريين، فبدأ عشرات الأسرى بإضرابات لفترات متفاوتة، استمر بعضها لأكثر من 5 أشهر!
“إنه يقاوم بجسده”
استمرت إضراباته الستة على التوالي، 25 يوماً عام 2004، 66 يوماً عام 2012، 56 يوماً عام 2015، 58 يوماً عام 2018، 25 يوماً عام 2021، الأخير والأطول بدأه في 5 فبراير 2023 لمدة 87 يوماً انتهت بوفاته.
عند إضرابه عام 2018، صرحت زوجته رندة موسى بالقول آنذاك “وحشية الاحتلال لم تترك لزوجي خياراً سوى المقاومة بجسده”، وأضافت “قبل أن يبدأ إضرابه، سألته: هل تعلم ما سيحدث لجسدك بعد مرور 12 يوم أو 20 أو 50؟! فرد أنه شعر بآلام الجوع من قيء وفقدان سمع وشعور التهام المعدة لنفسها، فقلت له: كيف يمكنك القيام بذلك مرة أخرى؟!”، فأجاب عدنان “كيف تختار تكرار الإنجاب رغم الآلام؟ هناك جمال وحب في إعطاء الحياة، مثلما نجد الحياة في مقاومة الاحتلال، في معرفة طعم الحرية والقدرة على النضال من أجلها”.
بارتقائه، أصبح عدنان الأسير الفلسطيني رقم 237 الذي يموت في داخل السجون الإسرائيلية منذ عام 1967، وفقاً لهيئة الأسرى والمحررين الفلسطينية، ما لا يقل عن 7 منهم بسبب الإضراب عن الطعام قبل عدنان، أولهم عبد القادر أبو الفحم عام 1970، وآخرهم خضر عدنان عام 2023.
في يوم إضرابه 58، كتب عدنان وصيته وشاركها مع أسرته، جاء فيها “أرسل لك هذه الكلمات بعد أن تبخر جسدي، وتآكلت عظامي وضعفت قوتي……. شعبي الفلسطيني الأعزاء، لا تيأسوا، بغض النظر عما يفعله المحتلون ومهما بلغوا في ظلمهم وعدوانهم فإن نصرنا قريب”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)