خطة الاحتلال لإبادة شمال غزة تشكل صداعاً لكامالا هاريس

بقلم ريتشارد سيلفرشتاين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

يعد اللواء المتقاعد جيورا إيلاند أحد أعمدة المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال، فإلى جانب قيادته العسكرية العليا، كان إيلاند أحد أقرب المساعدين العسكريين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث عمل مستشاراً للأمن القومي، فضلاً عن أدوار أخرى.

ومنذ هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نشر إيلاند مقالات يدعو فيها صراحة إلى الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وهو يرفض التمييز بين المدنيين والمقاتلين، قائلاً إنهم شيء واحد.

وكتب آيلاند: “لا ينبغي لنا مطلقاً أن نتبنى الرواية الأميركية التي تسمح لنا بالقتال ضد مقاتلي حماس فقط بدلاً من القيام بالشيء الصحيح وهو محاربة النظام المعارض بأكمله، لأن انهياره المدني على وجه التحديد هو الذي سيقرب نهاية الحرب”.

كما دعا إلى وجوب اضطهاد النساء والأطفال أيضاً لأنهم ينتجون “إرهابيين” في المستقبل.

وهناك العديد من الأسباب التي تجعلنا لا نعتبر هذه الأفكار مجرد آراء للدكتور سترينجلوف المجنون،  إذ أن آيلاند شخصية تحظى بالاحترام في مجتمع الاستخبارات العسكرية في دولة الاحتلال، وهذه الاستخبارات تشكل مركز القوة الرئيسي في المجتمع الإسرائيلي.

ولإثبات هذه النقطة، وضع مجموعة من المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الذين يشاركون آيلاند أجندته “خطة الجنرالات” المكونة من مرحلتين لغزة والتي من شأنها تنفيذ الإبادة الجماعية.

فحالياً، هناك 400 ألف فلسطيني يحتمون في الشمال، ويتلخص الهدف الرئيسي لأيلاند في طردهم جميعاً بشكل دائم والقضاء على أي شيء يدعم الحياة هناك.

وبحسب خطة الجنرالات، سيتم تدمير كل ما هو موجود داخل المنطقة، وستمنح سلطات الاحتلال الموجودين فيها حالياً أسبوعاً لإخلائها، وبعد ذلك سوف تعتبر أي شخص يبقى فيها مقاتلاً.

وبعد طرد المدنيين، ستخضع المنطقة، كما تقول الخطة، لـ”حصار كامل ومحكم، يشمل منع الحركة منها وإليها، ومنع دخول الإمدادات، بما في ذلك الغذاء والوقود والمياه”، وسيتم التعامل مع أي شخص متبقٍ باعتباره مقاتلاً. 

وينص مقطع الفيديو الخاص بالخطة والمنشور على موقع يوتيوب على أن عناصر حماس الذين سيبقون يمكنهم اختيار “الاستسلام أو الموت جوعاً”، وبعد ذلك، “سيكون من الممكن دخول وتطهير منطقة مدينة غزة دون أي عدو تقريباً”.

“السلام” من خلال الإبادة الجماعية

كيف “تطهر” البشر؟ يرى آيلاند أن منح السكان الفلسطينيين “الفرصة” للتخلي عن منازلهم هو لفتة تفضلية على مدى 75 عاماً، استخدمت إسرائيل خلالها تعبير “النقل الطوعي” لوصف التطهير العرقي، وهذا ما تدعو إليه.

وأكد مصدر أمني إسرائيلي مطلع لموقع ميدل إيست آي أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على تنفيذ خطة الجنرالات، وفي مقابلة مع صحيفة هآرتس، يقلب آيلاند القانون الإنساني الدولي رأساً على عقب وهو يزعم: “وفقا للقانون الدولي، أحد الأشياء التي ليست ممكنة فحسب، بل وموصى بها أيضا، هو تنفيذ تقنية الحصار وتجويع العدو حتى الموت شريطة أن تسمح للمدنيين بممرات الخروج مسبقاً”.

إذن إنه البحث عن السلام من خلال الإبادة الجماعية والخلاص من خلال التجويع، وبطبيعة الحال، هذا لا يعكس القانون الدولي حتى عن بعد، يوجد هذا التفكير فقط في عقول الجنرالات اليائسين من أن يصدق العالم في تقويم مسارهم.

لقد ساعدت الولايات المتحدة وشجعت على مثل هذه الكارثة الإنسانية من خلال التصديق قبل أشهر على أن الإبادة الجماعية الإسرائيلية لم تنتهك معايير حقوق الإنسان الأمريكية، وقد أعطت نتنياهو الضوء الأخضر للتوغل في عمق غزة، وهذا بدوره أدى إلى استشهاد عشرات الآلاف من النساء والأطفال.

أعلن إيلاند أن شمال غزة سيكون “منطقة عسكرية مغلقة”، والوجود الوحيد هناك سيكون للقوات العسكرية الإسرائيلية، ومن غير المرجح أن تظل هذه المنطقة الشاغرة على هذا النحو إلى أجل غير مسمى، فكما أنشأت إسرائيل مستوطنات في غزة ذات يوم، والتي أخلاها رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون في عام 2005، فمن المرجح أن تفعل ذلك مرة أخرى.

وفي الواقع، يتوقع الجنرال الإسرائيلي مثل هذا الاحتمال: “ترى حكومة إسرائيل القدرة على الفوز في شمال غزة كمرحلة أولى من شأنها أن تؤدي إلى حكومة عسكرية إسرائيلية دائمة، وفي المرحلة التالية قد تؤدي أيضاً إلى تجدد الاستيطان”.

واقترح المتطرفون المستوطنون الإسرائيليون مثل هذه الخطط، بل واقترحوا أن يشتري المستوطنون الأراضي في غزة لمثل هذه الأغراض، وهناك الآلاف منهم الذين سيتلذذون باحتمال تهويد أرض أعدائهم، وتطهيرها من الفلسطينيين.

لم يخسر دونالد ترامب احتمال التوصل إلى صفقة مربحة، واقترح بناء فيلات على شاطئ البحر للإسرائيليين الأثرياء، وقال إن غزة “قد تكون أفضل من موناكو”.

وتوقع جاريد كوشنر، كبير مستشاري السياسة الخارجية في عهد رئاسة ترامب، أن تكون “العقارات الواقعة على الواجهة البحرية في غزة ذات قيمة كبيرة”، فلا شيء يضاهي تحويل الإبادة الجماعية إلى صفقة عقارية.

إن هذه الخطة ليست نظرية، بل إن جيش الاحتلال أمر بإغلاق المستشفيات الثلاثة الوحيدة في الشمال، كما أمر جميع السكان بمغادرة منازلهم، وهاجم بلا رحمة مخيم جباليا للاجئين ومنطقة مشروع بيت لاهيا، التي يسكنها حالياً 150 ألف شخص، ومن المرجح أن لا يعود الذين يغادرون أبداً.

لقد نفذ الجيش بند الخطة لتجويع السكان وإرغامهم على مغادرة منازلهم، وفي شهر سبتمبر/أيلول بأكمله، دخلت 64 شاحنة مساعدات فقط إلى غزة، بينما كان العدد الطبيعي قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 هو 500 شاحنة، ولم تدخل أي شاحنة مساعدات إلى غزة حتى الأسبوع الماضي.

حتى أن لقطات الفيديو من برنامج Frontline على قناة PBS أظهرت أطفالاً يلتقطون الدقيق المسكوب في التراب ويضعونه في جيوب ستراتهم، وقدرت دراسة أجرتها جامعة براون أن أكثر من 62 ألف شخص من سكان غزة سيموتون جوعاً.

وفي مقال رأي باللغة العبرية في العام الماضي نشر على النسخة المطبوعة من صحيفة يديعوت أحرونوت الوسطية، وصف آيلاند الاستراتيجية وراء المجاعة الجماعية، وكتب: “يحذرنا المجتمع الدولي من كارثة إنسانية في غزة ومن أوبئة شديدة”.

وتابع: “لا ينبغي لنا أن نخجل من هذا، مهما كان ذلك صعباً، ففي نهاية المطاف، الأوبئة الشديدة في جنوب قطاع غزة ستقرب النصر وتقلل من الخسائر بين جنود جيش الدفاع، ولا، هذا ليس قسوة من أجل القسوة، لأننا لا ندعم معاناة الجانب الآخر كهدف، بل كوسيلة”.

اما الولايات المتحدة فهي متورطة بشكل عميق في الإبادة الجماعية في غزة، لقد زودت دولة الاحتلال بأسلحتها الأكثر تدميراً من قنابل خارقة للتحصينات تزن 2000 رطل أنتجتها شركة بوينج الأمريكية لصناعة الأسلحة اغتالت من خلالها القائد العسكري الأعلى لحماس، محمد ضيف.

وقتلت ثمانين من هذه الذخائر زعيم حزب الله، حسن نصر الله وأدى الهجوم الأخير إلى انهيار أربعة مبان سكنية شاهقة وقتل ما يقدر بنحو 300 مدني لبناني.

ويزعم أن نفس الأسلحة قتلت خليفته، هاشم صفي الدين، وفي تطور منفصل، استخدمت دولة الاحتلال ذخائر أمريكية لقتل يحيى السنوار، العضو الوحيد المتبقي في الثلاثي القيادي لحماس، أثناء العمليات القتالية.

في وقت سابق، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة “تقدم للاحتلال معلومات استخباراتية حساسة لمساعدة جيشه في تحديد موقع قادة حماس والقضاء عليهم جميعاً”، وعلى الرغم من ذلك، زعم البنتاغون أنه لم يكن له أي دور في اغتيال السنوار و”لم تشارك أي قوات أمريكية بشكل مباشر”.

إنذار أمريكي

ومع إدراك العالم ببطء لما كانت تفعله إسرائيل في الشمال، وقعت الضجة، وردت إدارة بايدن بإصدار رسالة من صفحتين إلى وزير دفاع الاحتلال، يوآف غالانت، ورون ديرمر، الوزير والمقرب من نتنياهو.

وحددت لأول مرة معايير محددة تتوقع أن تلبيها إسرائيل من أجل الاستمرار في تلقي المساعدات العسكرية الأمريكية، وهددت بتعليق شحنات الأسلحة إذا فشلت تل أبيب في تحقيق تلك المعايير.

لقد طالبت واشنطن الاحتلال بالسماح لـ 350 شاحنة مساعدات يومياً بالدخول عبر جميع المعابر الأربعة الرئيسية، بما في ذلك اثنان في الشمال، كما توقعت أن تعيد دولة الاحتلال فتح ممر عبور إلى الأردن، الذي كان يقدم مساعدات إضافية.

وفي اليوم التالي لتقديم إدارة بايدن إنذارها النهائي، سمح جيش الاحتلال لـ 30 شاحنة مساعدات بالدخول إلى غزة، وهذا يمثل 6% من العدد اليومي الطبيعي للمركبات التي تدخل القطاع.

وقبل إعداد الرسالة، سأل موقع ميدل إيست آي وزارة الخارجية عما إذا كان لديها أي تعليق على خطة آيلاند، فاقترح المتحدث باسمها اللجوء إلى الإسرائيليين للحصول على رد، ثم أضاف: “لقد كنا ثابتين في دعواتنا لحماية جميع المدنيين والبنية التحتية المدنية”.

إن وحشية الأعمال العدائية في شمال غزة تشير إلى مدى احترام إسرائيل لـ “ثبات” الولايات المتحدة، إذ لم يتطرق الرد إلى خطة آيلاند، ولكن بعد عدة أيام، أرسلت الولايات المتحدة رسالة التحذير، وتسببت التغطية الإخبارية العالمية للخطة في درجة من الذعر داخل إدارة بايدن وحفزتها على التحرك.

الرسالة جديرة بالملاحظة لما أغفلته: فلم يكن فيها طلب لوقف إطلاق النار، وهو الشرط الذي رفضه نتنياهو منذ أشهر، كما أن مثل هذه الهدنة وحدها كفيلة بإنهاء القتال والمذابح غير الضرورية التي شهدها العام الماضي، ولكن الإدارة الأميركية رفضت التطرق إلى هذا الموضوع.

وقد حذرت الرسالة من أنه إذا لم تمتثل إسرائيل، فإن الولايات المتحدة قد تتوصل إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل تنتهك أحكام حقوق الإنسان التي تحكم المساعدات الخارجية، وستكون النتيجة تعليق كل المساعدات العسكرية الأميركية.

ويأتي الموعد النهائي المحدد بـ 30 يوماً بعد الانتخابات الرئاسية، وكان هذا قراراً سياسياً متعمداً لتجنب تنفير الناخبين والمانحين المؤيدين لإسرائيل قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.

كما أن الرسالة ربما نشأت من حملة نائبة الرئيس كامالا هاريس،،فقد تعرضت لانتقادات شديدة لشهور بسبب دعمها الكامل للحملات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان. 

وأظهر استطلاع للرأي أجري في فبراير/شباط أن الأميركيين يرفضون بشكل ساحق نهج بايدن-هاريس في التعامل مع الصراع، حيث وجد استطلاع للرأي أجري في يونيو/حزيران أن 61% يؤيدون وقف المساعدات العسكرية، ومع ذلك، رفض بايدن وهاريس التزحزح عن موقفهما.

ومع بقاء أسبوعين قبل الانتخابات، أصبح السباق محتدماً بشكل حثيث، حيث تتقدم هاريس في عدد من الولايات المتأرجحة التي تعتبر حاسمة لتحقيق النصر، لكن تقدمها ضئيل للغاية ويدخل ضمن هامش الخطأ في استطلاعات الرأي.

كل صوت حاسم، لكن ميشيغان، إحدى تلك الولايات الحاسمة، تضم أكبر عدد من السكان العرب الأميركيين في الولايات المتحدة، حيث يشعر العديد من هؤلاء الناخبين بالغضب إزاء لامبالاة الإدارة بمعاناة الفلسطينيين، ولا تستطيع هاريس أن تخسر هذه الأصوات

وقد لعب هذا بالتأكيد عاملاً رئيسياً في تقوية عزم إدارة بايدن فيما يتصل بأزمة المجاعة، فكانت الرسالة وإنذارها النهائي هما النتيجة، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان بايدن سيمتلك الإرادة لتنفيذ ما فيها، فقد فشل مرات عديدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة