خطة واشنطن لتهجير الفلسطينيين: تحويل غزة إلى “ريفييرا” استثمارية

تسعى خطة ما بعد الحرب التي تم تداولها في واشنطن إلى تحويل القطاع إلى مركز لتوليد الإيرادات على غرار دبي باستخدام وسائل الرقابة وتهجير السكان ومصادرة الأراضي. 

يمكن لهذا الاقتراح أن يعيد خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المزعومة لـ “ريفييرا غزة” إلى الحياة، مع استكمال بناء المنتجعات ذات المستوى العالمي والجزر الاصطناعية، في حين يُدفع للفلسطينيين 5000 دولار للشخص الواحد لمغادرة أراضيهم.

وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست مضمون 38 صفحة للخطة، كانت صحيفة فايننشال تايمز قد نشرته لأول مرة، وبحسب ما ورد، فقد كان الاقتراح بقيادة مايكل أيزنبرغ، وهو رأسمالي إسرائيلي أمريكي، وليران تانكمان، رجل أعمال إسرائيلي في مجال التكنولوجيا وضابط استخبارات عسكرية سابق.

يشير الاقتراح أيضاً إلى أن GHF ستوفر مساكن مؤقتة، والتي تسميها “مناطق انتقالية إنسانية خالية من حماس” مع دعم إنساني بقيمة 10.8 مليار دولار لإنشائها

كان كل من أيزنبرغ وتانكمان جزءاً من مجموعة غير رسمية من المسؤولين ورجال الأعمال الإسرائيليين الذين رسموا تصور مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) لأول مرة في أواخر عام 2023، بعد أسابيع من 7 أكتوبر عام 2023، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.

يتخذ هذا الاقتراح من صندوق النقد الدولي نقطة انطلاق لرؤية أوسع بكثير وطويلة الأجل، يتم فيها إدارة غزة من قبل “صندوق إعادة إعمار غزة وتسريع الاقتصاد والتحول”، أو الصندوق الكبير باختصار، والذي تديره الولايات المتحدة.

من المفهوم أن المسودة الأولى للاقتراح، التي عمل عليها موظفون من مجموعة بوسطن الاستشارية، قد تم الانتهاء منها في إبريل الماضي وتمت مشاركتها مع إدارة ترامب، التي عقدت اجتماعاً الأسبوع الماضي حول إعادة إعمار غزة بعد الحرب.

من غير الواضح ما إذا كان هذا الاقتراح قد نوقش خلال الاجتماع الذي ضم صهر ترامب، جاريد كوشنر، ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، اللذين قدم كلاهما خططهما الكبرى للفلسطينيين على مر السنين. 

هناك الكثير من المواد في المقترح، وهنا بعض النقاط السريعة:

  • دور مؤسسة غزة الإنسانية مؤقت:

وفقاً لهذه الخطة، فمن المتوقع أن يستمر دور GHF لمدة تتراوح بين ستة إلى 12 شهراً فقط، ولكنها تشير أيضاً إلى أن تأسيسها وعملياتها هي الخطوة الافتتاحية الرئيسية، حيث فقدت خطة المساعدات التي تقدمها GHF في غزة مصداقيتها على نطاق واسع من قبل الخبراء، بعد قتل العشرات من الفلسطينيين أثناء محاولتهم تأمين المساعدات في مواقع GHF.

إضافة إلى تقديم “مساعدة آمنة خالية من حماس” خلال هذه الفترة، يشير الاقتراح أيضاً إلى أن GHF ستوفر مساكن مؤقتة، والتي تسميها “مناطق انتقالية إنسانية خالية من حماس” مع دعم إنساني بقيمة 10.8 مليار دولار لإنشائها، ولكن يبدو أن هذا ليس ما يحدث في غزة في الوقت الحالي.

ورد في الخطة: “يضع نظام منطقة التجارة الحرة الأساس لإعادة بناء مجتمعات غزة خالية من تدخل حماس، مع توفير الاحتياجات الإنسانية الحيوية، وتحتوي المناطق الفلسطينية المحررة على مزيج من الأمن الخارجي والقادة المحليين لتوفير منطقة آمنة لإعادة البناء والازدهار البشري خالية من حماس”.

في غضون عام واحد ـ وبمجرد تفكيك حماس، كما تشير الخطة مراراً وتكراراً ـ سوف يتم دمج GHF في صندوق الثقة الكبير، وسوف تقوم إسرائيل بنقل السلطة والمسؤولية الإدارية في غزة إلى الصندوق الذي ستديره الولايات المتحدة بموجب اتفاق أمريكي إسرائيلي.

بعد ذلك، سوف تكون الثقة هي الحاكم في غزة لعدة سنوات “حتى يصبح النظام الفلسطيني الذي تم إصلاحه ونزع التطرف جاهزاً للحلول محله”، وفي هذه المرحلة، تقول الخطة، ترى الخطة أنه من الأفضل أن تستثمر الدول العربية وغيرها في الصندوق حتى يصبح مؤسسة متعددة الأطراف”. 

في المستقبل، عندما تصبح غزة “منزوعة السلاح والتطرف”، تنتقل الثقة التي تديرها الولايات المتحدة السلطة إلى النظام السياسي الفلسطيني، الذي سوف ينضم إلى اتفاقيات أبراهام واتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية التي تم التوصل إليها خلال إدارة ترامب الأولى. 

ليس من الواضح من وكيف سيتم الحكم على أن غزة قد أصبحت “منزوعة السلاح” أو “منزوعة التطرف”، ومن غير الواضح أيضاً ما هي السلطات التي ستتمتع بها الثقة في غزة بعد تولي القيادة الفلسطينية السلطة.

وفق الخطة، فإن غزة قد توقع على “ميثاق الارتباط الحر” مع الصندوق “للحصول على دعم مالي طويل الأجل مقابل احتفاظ الثقة ببعض السلطات العامة”.

  • معادن مغرية تحت الأرض:

يشير الاقتراح إلى أن إحدى الفوائد الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة هي حصول الشركات الأمريكية على ما قيمته 1.3 تريليون دولار من المعادن الأرضية النادرة الموجودة في غرب السعودية، ويقدم مثالاً أنيقاً لكيفية عمل ذلك.

يتصور الاقتراح أن شركات السيارات الكهربائية الأمريكية قادرة على بناء مصانع ومرافق للموظفين المهرة ولكن “بتكلفة منخفضة” في شمال غزة وجنوب إسرائيل، ومن المفترض أن يكون ذلك في “منطقة التصنيع الذكية إيلون ماسك” الواردة في الخطة، ومن ثم سوف يتم شحن المعادن السعودية النادرة، إلى جانب مواد أخرى من دولة الإمارات.

في مقابل كل فلسطيني يغادر، تحسب الخطة أنه سوف يتم توفير 23 ألف دولار، أي مقابل كل 1% من السكان الذين ينتقلون، هناك توفير بقيمة 500 مليون دولار

سوف يتم تشغيل المصانع بالطاقة الشمسية والغاز من بحر غزة، وهو حقل متنازع عليه منذ فترة طويلة قبالة ساحل غزة، حيث مُنع الفلسطينيون من استكشاف حدودهم البحرية المعلنة، مع ازدهار في اكتشافات الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​في السنوات الـ 15 الماضية، ولا تحدد الخطة من سيمتلك الغاز أو يسيطر عليه.

فيما يتعلق بالسيارات، التي بمجرد تصنيعها على يد عمال بتكلفة منخفضة، فسوف يتم تسليمها إلى أوروبا عبر المنطقة الاقتصادية الخاصة بين غزة والعريش وسديروت المنصوص عليها في الخطة، دون أي ضرائب إضافية، ففي الخطة: “تجني شركات السيارات الكهربائية أرباحاً بينما توفر مستقبلاً أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين”.

والسؤال هنا، كيف يمكن استخدام المعادن الأرضية النادرة؟ هل توافق السعودية على ذلك؟ الجواب غير واضح، لكن تأمين هذه الأنواع من المعادن كان هدفاً لإدارة ترامب حتى منذ إدارته الأولى، وكما هو الحال مع ذكر خطط ترامب لتحويل غزة إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” أو حتى استخدام مصطلح “عظيم”، لا يسع المرء إلا أن يشعر أن هذا العرض يلبي احتياجات واشنطن.

  • باريس كمصدر إلهام:

ماذا عن مشاكل “التمرد المستمر” في غزة؟ حيث يرى المقترح بأنه يمكن معالجة هذه المشكلات، ويمكن تحقيق الاستقرار ونوعية الحياة من خلال التصميم الحضري، مستشهداً بعمل جورج يوجين هوسمان، المسؤول الفرنسي في القرن التاسع عشر الذي أعاد ترتيب باريس لتصبح العاصمة الجميلة التي هي عليها اليوم. 

وفقاً للرسومات الواردة في المقترح، فسوف يتم وضع ما بين ست إلى ثماني “مدن ذكية” بين منطقة تسمى “ريفييرا وجزر ترامب السياحية” (جزر اصطناعية تشبه جزر النخيل في دبي)، مع منطقة أخرى مخصصة لمراكز البيانات والتصنيع المتقدم ومحاطة بطريق محمد بن سلمان الدائري السريع.

تم تصميم كل مدينة على شكل شرائح فطيرة، وتتخللها طرق كبيرة من المنتصف، والتي من المفترض أنها جزء من شبكة طريق محمد بن زايد السريع، وبينهما مساحات خضراء، بما في ذلك الأراضي الزراعية والحدائق وملاعب الغولف,

ندرك بذلك أن هذا لا يشبه “مدينة النور” بقدر ما يشبه قطاعاً للمراقبة، حيث يقدم التصميم “جميع الخدمات والاقتصاد” في المدن الذكية بإجراؤها من خلال أنظمة رقمية قائمة على الهوية ومدعومة بالذكاء الاصطناعي.

  • فلسطينيون بعدد أقل… توفير مادي أكبر:

تتوقف الخطة في إحدى بنودها عند “أدوات تقليل استثمار الصندوق الاستئماني”، وما هو البند الأول في القائمة؟ هو “زيادة عدد سكان غزة الذين يغادرون غزة طوعاً أثناء إعادة الإعمار”، أو بعبارة أخرى، كلما زاد عدد الفلسطينيين الذين يمكن تشجيعهم على مغادرة غزة، كلما قلت الحاجة إلى الاستثمار في الثقة من أجل إطلاق الخطة على أرض الواقع. 

في مقابل كل فلسطيني يغادر، تحسب الخطة أنه سوف يتم توفير 23 ألف دولار، أي مقابل كل 1% من السكان الذين ينتقلون، هناك توفير بقيمة 500 مليون دولار. 

لحث الناس على الانتقال، تقترح الخطة منح 5000 دولار لكل شخص ودعم إيجاره في بلد آخر لمدة أربع سنوات، بالإضافة إلى طعامه لمدة عام واحد. 

وتكشف حسابات مكتوبة بوضوح بهذا الشكل عن واقع قطاع غزة اليوم بأنه سيبقى فقيراً محروماً طالما تحكمه حماس، مقابل توليد إيرادات بقيمة 185 مليار دولار في غضون عقد من الزمن بعد إزالة حماس.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة