خطيب سني يتحدى السلطات الإيرانية

خطيب سني يتحدى السلطات الإيرانية

سلط “موقع “ميدل إيست آي” الضوء على سيرة مولوي عبد الحميد، الإمام السني الإيراني الذي بات اسماً لامعاً في الأخبار بعد مناصرته للتغيير الاجتماعي إثر مجزرة شهدها في مظاهرة احتجاجية في منطقة زاهدان.

فعلى عكس معظم خطباء الجمعة الشيعة في إيران، لا يحمل مولوي عبد الحميد الكلاشينكوف كرمز لاستعداده للجهاد عندما يلقي خطبه.

ومع ذلك، تظهر بنادق الكلاشينكوف عندما يزور الزعيم الديني السني المناطق النائية الخطرة -الأكثر فقرا في دولته- سيستان وبلوشستان.

يسافر عبد الحميد، واسمه الحقيقي عبد الحميد إسماعيل زاهي في قافلة كبيرة من سيارات الدفع الرباعي، يحرسها رجال يرتدون ملابس البلوش التقليدية ويحملون البنادق أحيانًا.

ولعقود من الزمن، استمرت ظواهر البطالة والزواج المبكر والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات في الارتفاع في المنطقة، بالإضافة إلى عمليات الإعدام الحكومية المتعلقة بحروب المخدرات والاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء التي يتعرض لها البلوش، ومعظمهم من السنة الذين يحصلون على فرص اجتماعية واقتصادية قليلة.

لكن على الرغم من استعراض القوة المسلح، فإن عبد الحميد الذي ولد وعاش في زاهدان، محبوب للغاية حيث أمضى فترة طويلة مدافعا عن حقوق السنة والبلوش وتمتع بشخصية شعبية ومؤثرة بين المجتمعات السنية في مقاطعته ومناطق كرمان وجولستان.

لكن في الأشهر الأخيرة، وبعد تحول مفاجئ، أصبح عبد الحميد مشهورًا على الصعيد الوطني، فبعد أن دعم ذات مرة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، أصبح مولوي الآن معروفًا بخطبه المناهضة للنظام، عقب انحيازه إلى جانب الاحتجاجات في البلاد.

خطبة الجمعة السوداء

كان يوم الجمعة 30 سبتمبر 2022 لحظة فاصلة بالنسبة لعبد الحميد، فقد تناول في خطبته قصة فتاة من البلوش يُزعم أن ضابط شرطة اغتصبها في مدينة تشابهار الساحلية، على بعد مئات الأميال في جنوب المقاطعة، وقال عبد الحميد إن القضية لم تحل وأن الحكومة كانت على خطأ.

وعندما انتهت الصلاة، تجمع مصلو البلوش الغاضبون من السلطات أمام مركز شرطة زاهدان للاحتجاج، فردت قوات الأمن والحرس الثوري بقوة فورية قتلت أكثر من 80 شخصًا بينهم أطفال، فيما عرف بـ الجمعة الدموية الإيرانية.

في كل صلاة جمعة منذ ذلك الحين، أعرب عبد الحميد علانية عن دعمه للمتظاهرين وانتقد بشدة نظام رجال الدين في البلاد.

وفي 23 ديسمبر/ كانون الأول، انتقد عبد الحميد حملة القمع الوحشية التي تشنها السلطات على الاحتجاجات التي هزت البلاد بعد وفاة الشابة، مهسا أميني، في حجز الشرطة، قائلاً: “بالذخائر والعسكرة، لا أحد يستطيع إنقاذ النظام”.

انتقد مولوي قانون “الحرابة” الذي يستخدمه القضاء لإعدام المعارضين المتظاهرين، وقال “حتى لو كانوا كذلك فلا تحكم عليهم بالإعدام”.

جذبت خطب عبد الحميد انتباه الملايين من الإيرانيين، بمن فيهم الإيرانيون الشيعة والملحدون، وهو الآن رجل الدين السني الأكثر احتراما في وسط وشرق إيران والزعيم الديني السني الأكثر شهرة في البلاد.

ويشارك نشطاء معروفون عبد الحميد في انتقاداته التي يطلقها في خطب الجمعة لتحدي رجال الدين الذين يحكمون البلاد بشكل مباشر في خطوات مغايرة للاستخدام التقليدي لصلاة الجمعة التي توظف لدعم النظام في إيران.

 

آية الله خامنئي ضد مولوي عبد الحميد

ولم تمر خطب عبد الحميد مرور الكرام في العاصمة طهران، فقد كشفت الوثائق التي سربتها مجموعة بلاك ريواردز الناشطة في مجال القرصنة الإلكترونية في نوفمبر / تشرين الثاني أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قد أصدر تعليمات حول كيفية التعامل مع عبد الحميد.

فقد ورد في تقرير مجهول المصدر لحسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، “توصل المجلس الأعلى للأمن القومي والشرطة إلى توقيف مولوي عبد الحميد”.

وجاء في الوثيقة “لكن زعيم الثورة أمر بعدم القبض عليه، بل بالعار”.

فقد كشف تسجيل صوتي سُرب في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني عن اجتماع سري بين نائب من منظمة الباسيج وصحفيين تابعين للحرس الثوري (بشكل رئيسي من وكالة أنباء فارس)، أن “حملة العار” التي قام بها النظام ركزت على حالة النساء المحرومات من حقوقهن الأساسية في سيستان وبلوشستان وموقف عبد الحميد المرحب بعودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان.

وألقى عبد الحميد خطابًا حماسيًا ردًا على أمر خامنئي قال فيه: “وحده الله يعطي شرف [الناس] ويسترده”، وحتى الآن، لم يتم القبض عليه ولم يتعرض للعار.

 

سيرة الإمام عبد الحميد

ولد عبد الحميد مولوي في قرية جالو جاه الصغيرة النائية، على بعد 90 كيلومترًا جنوب غرب زاهدان، في عام 1947، وبعد إنهاء دراسته الابتدائية، انتقل للتعليم الديني في باكستان حيث تخرج في السبعينيات وعاد إلى إيران.

عمل بعد عودته لإيران مدرسا في مدرسة زاهدان وكان مؤسسها ومديرها الزعيم الديني السني المؤثر مولانا عبد العزيز الذي سرعان ما تزوج عبد الحميد ابنته.

وبعد الإطاحة بالشاه عام 1979، انضم مولانا عبد العزيز إلى مجلس خبراء الدستور الذي وضع اللمسات الأخيرة على مسودة دستور ما بعد الثورة.

كانت فترة صعود رجال الدين الشيعة المحافظين مظلمة لرجال الدين السنة المعارضين، فقد قُتل كثيرون مثل أحمد مفتاح زاده وفاروق فرساد وماموستا محمد ربيعي على أيدي السلطات، بينما سُجن آخرون، مثل عبد الرشيد ريجي ومحمد غلندر زاهي ومحمد براعي.

اختار مولانا عبد العزيز الابتعاد عن السياسة والتركيز على الحوزة، وبعد وفاته عام 1987، تولى صهره، مولوي عبد الحميد، إدارة المدرسة وأصبح الزعيم الديني للشعب البلوش في إيران، بالإضافة إلى إمامة صلاة الجمعة في زاهدان.

النفوذ السياسي

بدأ عبد الحميد مشاركته في السياسة الإيرانية ضمن حملة الإصلاحيين المناهضين للمحافظين خلال الانتخابات الرئاسية عام 1997 والتي أسفرت عن فوز محمد خاتمي، واستمر بدعم المرشحين الإصلاحيين في كل انتخابات حتى عام 2021.

لكن مولوي أحبط من الوعود التي لم يتم الوفاء بها بشأن المساواة في الحقوق للأقليات العرقية والدينية، فغير موقفه، ودعم المرشح الرئاسي المحافظ إبراهيم رئيسي حتى يوم الجمعة الدامي.

فقبل انتفاضة 2022، كان عبد الحميد يطالب دائمًا بحقوق المساواة لسنة إيران، لكن وتيرة انتقاداته أخذت بالارتفاع مما جعله شخصية بارزة في الدفع من أجل التغيير.

وفي خطابه الأخير يوم الجمعة، هاجم أساس النظام القائم على “الجمع بين الدين والدولة”.

 

مقالات ذات صلة