خلال كانون الأول/ ديسمبر، كان الصحفي إبراهيم داوي، 21 عاماً، يقود سيارته برفقة مجموعة من الصحفيين على طريق فارغ بين مدينة الناقورة الساحلية والطيرة في جنوب لبنان عندما تعرضوا لهجوم إسرائيلي نجوا منه بأعجوبة.
علق داوي وهو مراسل لإذاعة صوت الشعب المستقلة على الحادث بالقول إن إسرائيل “تستهدف الصحفيين على وجه التحديد لحجب الحقيقة، يجب أن أكون أكثر يقظة، لكن ليس لدي أي نية لتقليص تقاريري”.
يعيد استهداف داوي للذاكرة العديد من الأحداث الأخرى التي تعرض فيها صحفيون لتهديدات على حياتهم عندما قصفت إسرائيل مناطق كانوا يقومون فيها بإعداد تقارير عن التوتر الحدودي المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله، حيث أودت الهجمات الإسرائيلية حتى الآن بحياة ثلاثة صحفيين لبنانيين.
ويوم 13 تشرين الأول/ أكتوبر، أصاب هجوم إسرائيلي على بلدة علما الشعب الحدودية مجموعة من الصحفيين، من بينهم داوي، مما أدى إلى استشهاد الصحفي في رويترز عصام عبد الله وإصابة ستة آخرين.
يتذكر داوي ذلك الحدث قائلاً: “كنت بالقرب من عبد الله عندما استشهد وانطبعت صورة جثته وساقه المقطوعة أثناء تسليمهما إلى الدفاع المدني في ذهني منذ ذلك الحين”.
وعمدت إسرائيل بشكل متكرر إلى استهداف الصحفيين في غزة ولبنان منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 90 صحفياً في غزة، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن لجنة حماية الصحفيين.
وينتاب القلق الصحفيين الذين يغطون القتال في جنوب لبنان من أن يصبحوا الهدف التالي لإسرائيل وقد تزايدت مخاوفهم من ذلك مع قيامها الآن بضرب المناطق التي كان يُعتقد في السابق أنها آمنة نسبياً.
وفي ذات الوقت، يقول العديد من المراسلين أنه يتم إرسالهم إلى الميدان دون توجيهات مناسبة للسلامة أو تدريب على العمل في بيئة معادية.
“خطر كامل”
وكانت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش قد وصفتا الهجوم على الصحفيين في علما الشعب بأنه جريمة حرب.
وفي حين أثار الهجوم إدانات واسعة النطاق ودعوات لإجراء تحقيق شفاف من قبل الجيش الإسرائيلي، قتلت غارة إسرائيلية بعد شهر واحد من ذلك صحفيين اثنين آخرين في جنوب لبنان، هما فرح عمر وربيع معماري، اللذين كانا في مهمة عمل لصالح قناة الميادين الموالية لإيران.
وخلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن القصف الذي أدى إلى استشهاد عبد الله كان انتهاكاً للقانون الدولي، حيث أكد التقرير الذي صدر عن التحقيق يوم الأربعاء أن الهجوم أصاب مجموعة من “الصحفيين الذين كان يمكن تشخيصهم بوضوح”.
وعلى الرغم من مشاهدته للطريقة الوحشية لقتل عبد الله، يصمم داوي، وهو صحفي من بلدة زوطر في محافظة النبطية، على مواصلة الإبلاغ وتوثيق جميع الانتهاكات الإسرائيلية حتى مع اقتراب النيران الإسرائيلية منه.
وقال: “كانت البلدات الواقعة على الحدود آمنة نسبياً في بداية الحرب، ولم تكن الهجمات قريبة من المناطق السكنية، أما الآن وبعد أن اتسع نطاق القتال في الجنوب، فقد تدهور الوضع إلى خطر كامل حيث يتم قصف المنازل.
ويوم 14 شباط/ فبراير، تسببت غارة جوية إسرائيلية في استشهاد سبعة مدنيين من عائلة واحدة عندما أصابت مبنى سكنياً في النبطية، وهي مدينة تقع على بعد 50 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل وتستضيف حوالي 18% من الذين نزحوا من منازلهم منذ تصاعد التوتر عبر الحدود في تشرين الأول/ أكتوبر والبالغ عددهم نحو 90,000 شخص.
وبحسب ما ورد، فقد أودى الهجوم الإسرائيلي نفسه على المبنى السكني في النبطية بحياة قائد في حزب الله ومقاتلين اثنين.
وفي بداية الحرب، وجدت سالي كورفالي، 29 عاماً، وهي مراسلة لشبكة تلفزيون العراقية، نفسها منخرطة في تغطية الصراع دون أي خبرة سابقة في العمل على التغطيات الصحفية في البيئات المعادية.
ترك الانتقال السريع من الكتابة عن السياسة والمواضيع الاجتماعية إلى إعداد التقارير من مناطق القتال كورفالي لتحدد بنفسها احتياطات السلامة التي يجب عليها أن تتخذها، مما يعرض سلامتها وحياتها للخطر في هذه العملية.
ومع تدهور الوضع الأمني، قررت كورفالي تقليص التغطية الصحفية وتجنب مناطق العنف الاستثنائي لكن ذلك لم يكن قراراً سهلاً.
وقالت كورفالي: “كنت في حيرة بين اختيار سلامتي أو واجبي كصحفية في تقديم تقارير عن الحرب، فقررت عدم التحرك في كل يوم وتفادي المناطق شديدة الخطورة”.
وأشارت الصحفية إلى أنها كانت محظوظة بالحصول على دعم المؤسسة التي تعمل لها، حيث تلقت في نهاية المطاف تدريباً في مجال السلامة لتمكينها من الاستعداد بشكل أفضل لمخاطر التغطية الصحفية في مناطق النزاع، ولكنها مع ذلك تقول أنها لا زالت لا تشعر بالأمان.
وأضافت: “حتى في أوقات السلام، فشلت القوانين في حمايتنا كصحفيين يؤدون عملهم وقد تفاقم الوضع مع الحرب”.
ووفقاً لكورفلي فإنه يتم تجاهل القوانين التي تهدف إلى حماية الصحفيين في كثير من الأحيان في لبنان، وغالباً ما يتعرض المراسلون للمضايقات إذا تناولوا موضوعاً ذا حساسية سياسية.
وفي حين تستطيع كورفالي الاعتماد على مؤسستها للحصول على بعض الدعم على الأقل، فإن الصحفيين المستقلين يواجهون تحديات لا يمكن التغلب عليها بمفردهم.
“لقد قررت الابتعاد عن المناطق الخطرة لأنه لم يتم تقديم أدوات السلامة لنا” – سالي كورفالي
وفي هذا السياق، يؤكد الصحفي المستقل محمد الزناتي الذي يعمل مع العديد من وسائل الإعلام الإقليمية والدولية إن الافتقار إلى الضمانات، بما في ذلك التأمين الاجتماعي والصحي، يضيف المزيد من التحديات إلى عمله.
وأردف الصحفي البالغ من العمر 35 عاماً: “العمل في وسائل الإعلام الدولية مجزٍ أكثر من الناحية المالية، ومع ذلك، فقد قررت الابتعاد عن المناطق الخطرة لأنه لا يُعرض علينا أي أدوات سلامة، كما أن الحصول على تصاريح يمثل دائمًا تحدياً لي كصحفي مستقل”.
وأضاف أن الخطر يتفاقم بسبب الإفلات من العقاب الذي يقول إن إسرائيل تتمتع به.
وقال الزناتي: “نحن ننقل ميدان الصراع مع إسرائيل التي لم تظهر أي احترام للقوانين الدولية أو أي نية لتجنب استهداف الصحفيين”.
ويغطي صحفي الجزيرة أيمن المولى الحروب والصراعات منذ 34 عاماً، وقد غطى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، والحروب التي شنتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
شرح المولى أن “هناك صحفيون تنقصهم الخبرة في تغطية الصراعات ويحتاجون إلى النصائح المتعلقة بالسلامة فضلاً عن الدعم النفسي والعقلي”.
أطلق المولى مع مراسل آخر لقناة الجزيرة هو إيهاب العقدي مبادرة لدعم زملائهم الأقل خبرة في جنوب لبنان أثناء قيامهم بتغطية الصراع، وأنشأوا مجموعة على واتساب في الأيام الأولى من الحرب وأطلقوا عليها اسم “سنعبر”، وهي تضم الآن 62 صحفياً لبنانياً وأجنبياً.
وتقدم المجموعة إرشادات حول كيفية الوصول بأمان إلى مناطق إعداد التقارير، وقد قامت بإعداد ومشاركة ثماني نقاط التقاء، جميعها مثبتة على خرائط جوجل، حيث يمكن للصحفيين في جنوب لبنان التجمع، مما يساعد على خلق شعور بالرفقة داخل وخارج لبنان.
“حتى يومنا هذا، لا يزال الصحفيون في العالم العربي يفقدون حياتهم بسبب الصراعات ويتم تجاهلهم تمامًا” – أيمن المولى، صحفي
وأوضح المولى: “أصبحت مجموعة الواتس آب هذه ملاذاً آمناً للصحفيين، فهم لا يشاركون الأخبار المهنية عبرها فحسب، بل يترابطون معاً كذلك، مما يجعلهم يشعرون بأمان أكبر وسط القتال المستمر”.
وعلى الرغم من خبرته واتخاذه احتياطات إضافية، فقد نجا المولى لتوه من غارة إسرائيلية أخيرة على إحدى نقاط الالتقاء التي ساعد في إقامتها، حيث قال إنه تم تشخيص جميع المتواجدين بشكل واضح على أنهم صحفيون.
وبسبب الافتقار إلى التدريب المناسب في مجال البيئة المعادية للصحفيين المكلفين بمهام في جنوب لبنان، تدخلت عدة منظمات لتقديم الدعم لهم من ضمنها مؤسسة سمير قصير.
وذكرت الباحثة في المؤسسة وداد جربوع أن المؤسسة توفر التدريب كل عام لـ 35 صحفياً في المتوسط من جميع أنحاء المنطقة.
ويتضمن التدريب، الذي تم تقديمه لأول مرة قبل ست سنوات، ورش عمل لتعليم الصحفيين كيفية التعامل بشكل أفضل مع المواقف الخطرة، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي لأولئك الذين مروا بتجارب مروعة أثناء تغطية الحروب والصراعات.
وأوضحت جربوع: “من الناحية النظرية، الصحفيون مدنيون تحميهم جميع القوانين الإنسانية الدولية، لكن هذه حقيقة تتجاهلها إسرائيل مرارا وتكراراً”.
وفي ورشة عمل أخرى بنظمها موقع الصحافة اللبنانية الدولية بالتعاون مع الدفاع المدني اللبناني، يتم تدريب الصحفيين المهتمين بتغطية النزاعات ليصبحوا مراسلين حربيين.
تم في ورش العمل التي بدأت في أيار/ مايو من العام الماضي تدريب 32 صحفياً حتى الآن على كيفية التعامل مع الهجمات بقنابل الفسفور، وكيفية حماية أنفسهم في حالة انهيار المباني، وكيفية إجراء الإسعافات الأولية الأساسية.
وقال المنظم خالد عياد إنه يجب تدريب جميع الصحفيين بشكل صحيح قبل أن يحاولوا تغطية الصراع. وختم بالتأكيد على أنه: “يجب أن تكون سلامة الصحفيين أمراً لا جدال فيه”.