خمس وسبعون سنةً مرّت ولا يزال أطفال فلسطين يتجرعون مرارات النكبة!

بقلم شعوان جبارين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

وقفت هاجر خليل صلاح البهتيني أمام الكاميرا وهي تحمل بفخر شهادة تخرجها المزينة من الروضة، لقد كانت لحظة احتفال بحق، لكن ذلك لم يكن سبب مشاركة صورة يومها الخاص في جميع أنحاء العالم الأسبوع الماضي. 

فهاجر، البالغة من العمر خمس سنوات فقط، قُتلت بينما كانت نائمة ليلة 9 أيار/ مايو. 

لقد كانت واحدة من بين 13 فلسطينيا قتلوا في تلك الليلة، بينهم أربعة أطفال جراء الهجوم الإسرائيلي المروع وغير المبرر على المباني السكنية في قطاع غزة المحاصر.

عندما رأيت صورة هاجر تحتفل بآخر معلم في حياتها القصيرة، تساءلت: كم عدد الأجيال من أطفالنا الذين سيعانون على أيدي نظام الفصل العنصري والاستيطاني الإسرائيلي؟ كم عدد الذين ستقضي إسرائيل على حياتهم بقسوة دون عواقب على جرائمها؟

تجاوزت حصيلة شهداء الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة 30 شهيداً بينهم ستة أطفال. 

في الضفة الغربية المحتلة، تعاني العائلات وأطفالها الصغار من القيود المفروضة على الحركة، ويتم تهجيرهم بشكل روتيني مع هدم إسرائيل لمنازلهم. 

وقد نزح أكثر من 550 طفلًا فلسطينيًا نتيجة هدم المنازل منذ أيار / مايو 2022 حتى نهاية أبريل 2023.

لقد مرت 75 سنة منذ أن تعرض الشعب الفلسطيني للتطهير العرقي والطرد القسري خلال نكبة عام 1948.

دُمّر مجتمعنا في النكبة، ودُمرت أكثر من 500 قرية وبلدة، وارتُكبت عشرات المجازر بحق المدنيين الأبرياء، وقُتل أكثر من 13000 فلسطيني خلال هذه الفترة.

تركت النكبة إرثًا وحشيًا، حيث نزح حوالي 750.000 فلسطيني من منازلهم، وحرموا من حق العودة إلى قراهم وبلداتهم الأصلية، واليوم، تم تسجيل حوالي ستة ملايين فلسطيني كلاجئين لدى الأمم المتحدة.

قمع الفلسطينيين

ومنذ عام 1948، أقامت إسرائيل نظام الهيمنة والقمع العنصري، فتبنت سلسلة من القوانين والسياسات والممارسات التي قضت بنزع ملكية السكان الفلسطينيين الأصليين، والتنكر المنهجي لحق العودة للاجئين وغيرهم من الفلسطينيين في الخارج.

فرضت إسرائيل نظام تمييز عنصري مؤسسي على أولئك الذين بقوا على الأرض، وكثير منهم نزحوا داخليًا. 

وتشكل هذه القوانين البنية القانونية لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي لا يزال يُفرض اليوم حتى على أطفال مثل هاجر، إحدى أحدث ضحايا هذا النظام القاسي.

لا مكان للفصل العنصري في عالمنا، ويجب تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الآن.

وبينما نحيي ذكرى مرور 75 عامًا على النكبة، تواصل الحكومة الإسرائيلية ضمها للضفة الغربية المحتلة استمرارًا لاستيلائها على الأراضي ونهبها وتشريد الفلسطينيين من خلال الحفاظ على نظام الفصل العنصري.

وكما أكد المقررون الخاصون للأمم المتحدة، فإن حملة الضم المستمرة لإسرائيل هي شهادة على نظام الفصل العنصري في القرن الحادي والعشرين، الذي يزيل الحق الفلسطيني في تقرير المصير.

هذا العام، مع إحياء ذكرى النكبة الخامسة والسبعين، كثفت الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وعنصرية قمعها لنا، فأصبحت عمليات القتل خارج القانون أمرا شائعا في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

وخلال الأعوام الـ 75 الماضية، غابت بشكل صارخ المساءلة عن الجرائم التي لا تعد ولا تحصى وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها إسرائيل، كما غابت الإجراءات من جانب الدول الأخرى والهيئات الدولية. 

ولم تجرِ ملاحقة إسرائيل على جرائم النكبة، بما فيها التطهير العرقي وطرد الفلسطينيين والتدمير الشامل لممتلكاتهم والحرمان المطول من حق اللاجئين في العودة.

تبييض الجرائم الإسرائيلية

على العكس من ذلك، احتفلت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الشهر الماضي بـ “75 عامًا من الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط”، لتبييض الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ النكبة حتى يومنا هذا.

وأشارت إلى أن إسرائيل “جعلت الصحراء تزهر”، وهو تعبير عنصري مناهض للفلسطينيين يشير إلى أن إسرائيل زرعت أرضًا قاحلة وغير مأهولة. 

يمحو هذا المفهوم التاريخ والوجود الفلسطيني، ويؤيد بلا خجل الأعمال العدوانية لدولة استعمارية تورطت في الاضطهاد والضم وإرهاب الدولة ضد الشعب الفلسطيني خلال احتلالها الطويل وغير الشرعي.

عندما ألقت فون دير لاين خطابها، سمعناه في مكتبنا في مؤسسة الحق، التي تعرضت العام الماضي فقط إلى جانب العديد من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية البارزة الأخرى إلى مداهمات من قبل القوات الإسرائيلية لأسباب زائفة وذات دوافع سياسية. 

لقد استخدموا التصنيفات “الإرهابية” لإسكات عملنا القانوني الهادف إلى وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب.

وعلى الرغم من هذه المحاولة لتجريم عملنا وكل محاولات محو تاريخنا وإنكار وجودنا وإسكاتنا فإننا نحن الشعب الفلسطيني الأصلي مازلنا هنا وسنبقى هنا نواصل الكفاح من أجل التحرير.

ندعو المجتمع الدولي إلى الانضمام إلى نضالنا من أجل تقرير المصير، وهو حق غير قابل للتصرف بموجب القانون الدولي، ومحاسبة إسرائيل على 75 عامًا من الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني.

هناك العديد من المسارات الممكنة لمستقبل عادل، ولكن لا ينبغي أن يقوم أي منها على أساس الاحتلال الدائم والاستعمار الاستيطاني وهيمنة واضطهاد مجموعة من الناس من قبل مجموعة أخرى.

 لا مكان للفصل العنصري في عالمنا، ويجب تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي الآن، هذا وعدنا لهاجر.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة