أصبح المحاضر البارز في قسم تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب عوزي رابي واحداً من أكثر خبراء الشرق الأوسط إطلالاً عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية بعدما دعا إلى تجويع المدنيين الذين لا يمتثلون لأوامر جيش الاحتلال بإخلاء شمال غزة نحو الجنوب.
فقد قال رابي خلال مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي: “كل من يبقى هناك سوف يُحاكم بموجب القانون باعتباره إرهابياً وسوف يمر إما بعملية تجويع أو عملية إبادة”.
ومن دون أي اعتذار، كرر رابي نفس المنطق في حديثه عن هجوم محتمل على بيروت قائلاً: “يجب أن تفرض الحرب على السكان”.
وبحسب أساف ديفيد، المؤسس المشارك لمنتدى التفكير الإقليمي ورئيس مجموعة إسرائيل في الشرق الأوسط في معهد فان لير في القدس، فإن رابي ومن هم على شاكلته “أكثر عدوانية حتى من المؤسسة العسكرية الأمنية التي تقود الحرب حالياً”.
ويمكن الاستدلال على ذلك بالنظر إلى الدعم الذي قدمه بعض هؤلاء المحرضين لخطة الضابط الإسرائيلي السابق جيورا إيلاند المعروفة باسم “خطة الجنرالات”.
إذ تدعو الخطة إلى تهجير جميع المدنيين بالقوة من الجزء الشمالي من القطاع، أو إخضاعهم للتجويع والقوة العسكرية، وهو ما قد يرقى في نظر المنتقدين إلى التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
وقال ديفيد أن الأكاديميين الإسرائيليين المختصين بالشرق الأوسط كانوا دائماً محافظين إلى حد ما فيما يتصل بالقضايا الإسرائيلية الفلسطينية والإقليمية، لكن بعضهم تبنى منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 خطاباً يمينياً متطرفاً، يشبه الآراء المتطرفة التي يتبناها وزراء الاحتلال الأكثر تطرفاً، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
فعلى سبيل المثال، ذكر الدكتور هاريل تشوريف هو محاضر آخر في جامعة تل أبيب متخصص في شؤون الشرق الأوسط، لقناة 13 أنه سوف “يوقع بكلتا يديه” على خطة الجنرالات، لأنها تتفق مع رؤيته الخاصة بغزة.
وفي مارس/آذار، دعا تشوريف إلى شن عملية عسكرية في رفح على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة، وقال لصحيفة معاريف: “يجب احتلال رفح”.
أما البروفيسور إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب وعضو قسم الشرق الأوسط، فقال أن على جيش الاحتلال “احتلال غزة الآن”.
وفي يونيو/حزيران، وجه البروفيسور بيني موريس، أحد أبرز الباحثين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعضو قسم الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون، دعوة صادمة إلى إسقاط قنبلة نووية على إيران.
وبصرف النظر عن الحث على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب المحتملة واحتلال قطاع غزة، فإن هؤلاء الأكاديميين يروجون أيضاً لحملة تجريد الفلسطينيين والعرب والمسلمين من إنسانيتهم.
وبحسب يوناتان مندل، المحاضر في قسم الشرق الأوسط بجامعة بن غوريون في النقب، فإن الأكاديميين الإسرائيليين سعوا بشكل غير نقدي إلى حشد الجمهور خلف الحملة المدمرة التي يشنها جيش الاحتلال في غزة.
وقال لميدل إيست آي: “في الغالب فإن الصوت الذي يرفعه علماء الشرق الأوسط لا يتعارض مع أفكار عامة الناس في إسرائيل”.
وأضاف: “منذ بداية الحرب، كان الخطاب في وسائل الإعلام الإسرائيلية محدوداً إلى حد كبير وهو يدور حول فكرة أننا سننتصر معاً”، ورأى أن “الرد العسكري الإسرائيلي القاسي للغاية هو الشيء الوحيد الذي يمكن ويجب القيام به”
بعد أسبوع من بداية الحرب، قال رابي أن القواعد التي تنطبق على الغرب لا ينبغي أن تنطبق على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
واستند في دعوته إلى الزعم بأنه “عندما تحاول حل مشاكل الشرق الأوسط وفقاً للمصطلحات الغربية فسوف تفشل”.
وخلال الشهر الماضي، اقترح رابي أن تكون الإجراءات الإسرائيلية منكهة بـ “بهار الشرق الأوسط” الخاص، ومثل رابي، قال تشوريف أن الأمور يجب أن تتم بشكل مختلف في الشرق الأوسط.
ويعتقد بعض هؤلاء الخبراء أن “إسرائيل يجب أن تفخر بحقيقة أنها ليست ديمقراطية ليبرالية غربية”، كما قال ديفيد وزاد على ذلك: “إنهم يريدون أن تنضم إسرائيل إلى الشرق الأوسط، ولكن إلى النظام الاستبدادي في المنطقة، لأنهم يعتقدون أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها البقاء في المنطقة”.
وبحسب مندل، فإن هذا الخطاب يمثله المعلق البارز إيلياهو يوسيان، الذي أعلن نفسه خبيراً في قضايا الشرق الأوسط، والذي يقول أنه “لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة”.
وتابع مندل: “أرادت المؤسسة أن تسمع صوتاً مثل صوت يوسيان يقول عن أهل غزة إنهم برابرة، ويجب أن نكون برابرة مثلهم”.
وكتب الأستاذ آفي باريلي، المحاضر في إسرائيل وتاريخ الصهيونية في جامعة بن غوريون، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن الفلسطينيين “مجتمع يعبد الموت ويرفع لواء القتل”.
“كان ينبغي للأوساط الأكاديمية الإسرائيلية بشكل عام والباحثين في مجال الدراسات الشرق أوسطية بشكل خاص أن تقدم وجهة نظر مضادة أعمق بكثير من الرؤية الضيقة للحكومة، وهي أن إسرائيل لا تتحمل أي مسؤولية عما يحدث في الضفة الغربية وغزة وأن الطريقة الوحيدة لحل مشاكلها السياسية في المنطقة هي استخدام الجيش” مندل يوناتان، جامعة بن غوريون
ووفقاً لدافيد فإن هناك أصوات مختلفة داخل الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية المتخصصة في الشرق الأوسط، ولكن “من المؤسف أنها هامشية ومهمشة”.
ويزعم ديفيد أن “بعض المعارضين لهذه الدعوات يمارسون الرقابة الذاتية الجزئية على أنفسهم على الأقل ويختارون عدم انتقاد التحركات السياسية والعسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وتصريحات زملائهم”.
وأوضح أن الأصوات غير السائدة في الجامعات الإسرائيلية تخضع لتدقيق شديد.
ومنذ بداية الحرب، واجه أكثر من 160 طالباً فلسطينياً والعديد من أعضاء هيئة التدريس إجراءات تأديبية من جانب مؤسساتهم بسبب تصريحات يشتبه في أنها تدعم حماس أو النضال الفلسطيني، وفقاً لتقرير صادر عن أكاديمية المساواة، وهي مجموعة تعمل على تعزيز الديمقراطية والمساواة والوصول إلى نظام التعليم العالي.