دعوات في بريطانيا لمحاكمة مزدوجي الجنسية الذين قاتلوا مع جيش الاحتلال بتهم الإبادة في غزة

بقلم مطهر احمد

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في الوقت الذي يتدافع فيه القادة الغربيون منشغلين بما يسمى “خطة السلام” التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأ الضجيج في  الإعلام يطرح تساؤلاً حول “ما هو التالي”، بدلاً من التفكير في 734 يوماً من الإبادة الجماعية التي عانى منها الفلسطينيون!

إن خطة ترامب مليئة بالأعلام الحمراء حول تآكل الوكالة الفلسطينية، والسيطرة البريطانية الأمريكية الاستعمارية الجديدة على غزة والفشل في وقف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لوقف إطلاق النار.

وتشكل كل هذه المخاوف أهمية حيوية، ولكنها لا تقل أهمية عن محاسبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، من كبار الجنرالات إلى أصغر جنود المشاة. 

لهذا السبب، فقد تقدم المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين (ICJP) بطلب استدعاء من المحكمة لمحاكمة جندي بريطاني إسرائيلي مزدوج الجنسية، وذلك بتهمة تجنيده في الجيش الإسرائيلي في انتهاك للمادة 4 من قانون التجنيد الأجنبي لعام 1870، حيث يُعتقد أن هذا الشخص قد خدم في وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية قبل نقله إلى الضفة الغربية المحتلة.

التخلي عن الناجين

من المهم أن نلاحظ أنه في حين يخضع الإسرائيليون للتجنيد الإجباري، فإن البريطانيين أو البريطانيين الإسرائيليين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي أثناء الإبادة الجماعية قد فعلوا ذلك من منطلق طوعي تماماً.

لا تفرض إسرائيل أي التزام على مواطنيها مزدوجي الجنسية بالخدمة، وبهذه الحالة، يكون الفرد قد قرر بمحض إرادته الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي والمشاركة في أعمال الإبادة الجماعية. 

منذ بداية الإبادة الجماعية، قام المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين بجمع أدلة على جرائم الحرب التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية، وأدلة على جنود بريطانيين إسرائيليين يقاتلون في صفوف الجيش الإسرائيلي.

لقد قدمنا ​​أدلة إلى وحدة جرائم الحرب التابعة للشرطة البريطانية في يناير عام 2024، ولكن لم يعد بإمكاننا الانتظار حتى تأخذ حكومة بريطانيا زمام المبادرة لمحاسبة الجهات المتواطئة، فالتقاعس عن العمل يعني التخلي عن الناجين من الإبادة الجماعية والفصل العنصري.

ويظل غياب المساءلة هو القطعة المفقودة ليكون هناك سلام حقيقي ودائم وعادل، ولا يمكن أن تكون هناك عدالة دون مساءلة

ولا يقتصر تواطؤ الحكومة البريطانية في حجب المعلومات الاستخبارية التي تم جمعها من رحلات الاستطلاع التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في أكروتيري فوق غزة فحسب، إلى جانب البيانات السرية الأخرى التي يمكن أن تساعد في تحديد جرائم الحرب ومرتكبيها، ولكن الحكومة متواطئة أيضاً بشكل نشط في الإبادة الجماعية نفسها، من خلال الغطاء السياسي واستمرار إمدادات الأسلحة.

لذا، فإن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ربما يهنئ نفسه على الاعتراف الذي طال انتظاره والملائم سياسياً بالدولة الفلسطينية، لكن حكومته فشلت في فهم حقيقة حاسمة، وهي أن اللفتات الرمزية لا تمنع الدبابات أو الصواريخ أو التهجير القسري.

إن الاعتراف دون عمل لا يؤثر في منع محاولة محو الفلسطينيين تحت وطأة العدوان الإسرائيلي ولا يفعل شيئاً لتحقيق العدالة.

عرقلة المساءلة

الحقيقة هي أن هناك وفرة في الأدلة التي تثبت أن إسرائيل متورطة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وصحيح أيضاً أن بعض جوانب المساءلة قد تقع خارج نطاق الولاية القضائية للمملكة المتحدة، إلا أن الدولة تحتفظ بالسلطة القانونية الكاملة لمحاكمة المواطنين البريطانيين والمواطنين البريطانيين الإسرائيليين مزدوجي الجنسية ممن تورطوا في هذه الجرائم. 

وقد استطاع المركز الدولي للعدالة، من خلال التحقيق عبر مصادر مفتوحة، من تحديد عدد من البريطانيين والبريطانيين الإسرائيليين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي خلال الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.

بالقانون، فإن القتال من أجل جيش أجنبي ضد دولة تعيش المملكة المتحدة في سلام معها يعني انتهاك المادة 4 من قانون التجنيد الأجنبي لعام 1870.

ومن المفارقات أنه في الوقت الذي كان فيه اعتراف الحكومة الرسمي بدولة فلسطين ربما مصمماً كإشارة فضيلة رمزية لا معنى لها، لكنه في الواقع ساهم في تعزيز القضية، بعد أن استخدمت الحكومة السابقة عدم الاعتراف كحجة تحت عنوان عدم اعتقادهم بإمكانية استخدام قانون التجنيد الأجنبي بهذه الطريقة، وقد كان ذلك عذراً هشاً.

ماذا بعد؟

منذ أن أصبحت دولة فلسطين دولة طرفاً في نظام روما الأساسي، كان من الممكن طرح قضية كهذه، ولكن حتى لو قبلنا بمنطق الحكومة السابقة الهش، فإن هذا العذر لم يعد قائماً، بعد أن اعترفت المملكة المتحدة بفلسطين.

لذا، فالسؤال هو: هل ستتخذ حكومة حزب العمال موقفاً أكثر تطرفاً من حكومة المحافظين السابقة تجاه عرقلة المساءلة؟ وما الذي قد ماذا يحدث بعد ذلك؟ ستكون هناك جلسة استماع في المحكمة لتقرير ما إذا كان سيتم قبول استدعاء المحكمة، فإن كان الأمر كذلك، فسوف نصدر للفرد استدعاءات صادرة عن المحكمة ونطالبه بالحضور إلى المحكمة.

أما إذا فشلوا في القيام بذلك، فسوف نتقدم بطلب للحصول على مذكرة اعتقال لاعتقالهم، ولا يمكن أن يكون هناك إخفاء عن العدالة، ويجب محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، ويظل غياب المساءلة هو القطعة المفقودة ليكون هناك سلام حقيقي ودائم وعادل، ولا يمكن أن تكون هناك عدالة دون مساءلة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة