بقلم زينات آدم
ترجمة وتحرير مريم الحمد
مع استمرار صدى الدعوات الداعية لوقف شامل لإطلاق النار في غزة، لجأت جنوب أفريقيا إلى رفع قضية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
تستند الوثيقة التي قدمتها جنوب أفريقيا على اتفاقية الإبادة الجماعية التي تنص على أن “على جميع الأطراف في الاتفاقية واجب منع جريمة الإبادة الجماعية أو المعاقبة عليها”، وبناء على الأدلة في غزة، فإن جنوب أفريقيا ترى أن إسرائيل قد انتهكت الاتفاقية من خلال ارتكابها الإبادة الجماعية “تسعى إلى تدمير الفلسطينيين كمجموعة قومية أو عنصرية أو إثنية”.
من أهم الادلة في الدعوى المقدمة كان الاستناد إلى لغة الخطاب لدى القادة الإسرائيليين، والتي ظهرت فيها نية الإبادة الجماعية مراراً!
جنوب أفريقيا مصرة على مناصرة الجنوب العالمي ودعوة الدول الإمبريالية والمتعصبة في كثير من الأحيان إلى النظام، واستدعاء القوانين الدولية ذاتها التي تدعي أنها تجسدها وتعزيز المؤسسات المتعددة الأطراف التي أصيبت بالشلل بسبب مسرحيات استعراض القوة
هناك تفريق واضح في فحوى القضية المرفوعة بين جريمة الإبادة الجماعية والفظائع الأخرى التي ترتكبها إسرائيل، بالإضافة إلى التفرقة بين جريمة الإبادة الجماعية والأعمال الوحشية مثل التعذيب وتجويع المدنيين وغيرها من جرائم الحرب، حيث يعد ذلك انتهاكاً لاتفاقية جنيف الرابعة في “حماية المدنيين في حالات النزاع المسلح”.
تؤكد دعوى جنوب أفريقيا أن أعمال الإبادة الجماعية واضحة ويجب وضعها في سياق الاحتلال المستمر لفلسطين على مدى عقود!
قرار بالغ الأهمية
يأتي القرار بتقديم الدعوى أمام محكمة العدل الدولية في ظل توتر العلاقات بين جنوب إفريقيا وإسرائيل، فقد أدانت جنوب أفريقيا بشدة العدوان العسكري الإسرائيلي، مشبهة السياسات الإسرائيلية بجريمة الفصل العنصري.
تعتقد جنوب أفريقيا أنه من الضروري اللجوء إلى القانون على أعلى مستوى، فإذا حكمت المحكمة لصالحها، فإن جميع الدول الأطراف في الأمم المتحدة سوف تضطر إلى الالتزام بالحكم.
أشار المدير العام لإدارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، زين دانجور، إلى أنه من المتوقع “أن تكون القضية عملية طويلة الأمد، لكننا قدمنا التماساً إلى المحكمة أنه بينما يتم التعامل مع القضايا الموضوعية، فإننا نحمل إسرائيل المسؤولية لإنهاء القضايا التي ندعي أنها إبادة جماعية، وهذا يشمل الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار”.
وأضاف دانجور أنه “إذا حكمت المحكمة لصالحنا، فسيكون ذلك ملزماً لجميع الدول الأطراف، سنعرض قضيتنا استنادًا إلى جميع الأدلة التي تدل على أن جريمة إبادة جماعية تم ارتكابها بالفعل”، مشيراً إلى أن “جريمة الإبادة الجماعية لا تتطلب قتل ملايين الأشخاص، فما يتطلبه الأمر هو إثبات وجود نية لتدمير مجموعة من الناس كليًا أو جزئيًا”.
وتعتبر نية الإبادة الجماعية الأكثر صعوبة في الإثبات أمام المحكمة، ومع ذلك فإن جنوب أفريقيا تعتقد أن لديها حجة مقنعة، بعدما قامت بجمع البيانات العامة لشخصيات رئيسية في إسرائيل، بما في ذلك الرئيس ورئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء الحربي.
وبعد أن تم الإعلان عن اختيار آلان ديرشوفيتز ليقود الفريق الإسرائيلي، عادت إسرائيل واختارت رئيس المحكمة العليا السابق والناجي من المحرقة، أهارون باراك، قاضياً للمرافعة
علاوة على ذلك، فإن من أهداف الدعوى أيضاً القول بأن فشل إسرائيل في معاقبة أعضاء المجتمع المدني والصحفيين بتهمة التحريض على الإبادة الجماعية يمثل واجبًا تخلت عنه إسرائيل كدولة طرف في الاتفاقية.
“متواطئة بالجريمة”
وفي ردها على طلب جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية، قالت إسرائيل إنها ستمثل أمام المحكمة “لتبديد كذبة جنوب أفريقيا السخيفة”، حيث وصف المتحدث باسم الحكومة، إيلون ليفي، جنوب أفريقيا بأنها “ترافع عن جميع العنصريين المعادين لليهود” وأنها “متواطئة مع حملة الإبادة الجماعية التي تشنها حماس”.
أما فريق الدفاع عن إسرائيل، فقد اعتمد على حجة الحق في الدفاع عن النفس ومعاداة السامية والادعاءات المضادة بنية الإبادة الجماعية من جانب حماس، والتي سيكون إثباتها أكثر صعوبة.
يذكر أن إسرائيل قامت بإصدار تعليمات لبعثاتها الدبلوماسية بإصدار بيانات ضد دعوى جنوب إفريقيا، بحجة أن الجيش الإسرائيلي يعمل في غزة وفقًا للقانون الدولي، في الوقت الذي سعت فيه إسرائيل إلى إقناع المحكمة برفض طلب إصدار أمر قضائي.
من غير المستغرب بلا شك ظهور الولايات المتحدة كحليف قوي لإسرائيل، حيث أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن الولايات المتحدة ترى أن “الطلب لا أساس له من الصحة، ويؤدي إلى نتائج عكسية، ولا أساس له على الإطلاق في الواقع”.
تلك التصريحات نابعة من قلق واضح يتمثل في كشف المحكمة لتواطؤ دول أخرى، بما فيها الولايات المتحدة، في الإبادة الجماعية وذلك من خلال الخطاب السياسي وتوريد الأسلحة لإسرائيل.
قد يثير التحرك الجريء الذي اتخذته جنوب أفريقيا غضب القوى العالمية مثل الولايات المتحدة، مع أنها ليست المرة الأولى التي تأخذ فيها الإدارة الحالية في جنوب أفريقيا مواقفاً ضد الهيمنة الأميركية، مثل اتخاذها موقف عدم الانحياز في مواجهة أوكرانيا وتعزيز علاقاتها مع روسيا.
اليوم يتجدد الأمل في أن اتخاذ قرار لصالح جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية قد يسمح للمحكمة الجنائية الدولية بالتحرك بسرعة أكبر
يبدو أن جنوب أفريقيا مصرة على مناصرة الجنوب العالمي ودعوة الدول الإمبريالية والمتعصبة في كثير من الأحيان إلى النظام، واستدعاء القوانين الدولية ذاتها التي تدعي أنها تجسدها وتعزيز المؤسسات المتعددة الأطراف التي أصيبت بالشلل بسبب مسرحيات استعراض القوة.
دعم قوي
تبدو أوروبا منقسمة في هذا المشهد، حيث أعربت أغلب الدول عن دعمها لإسرائيل، في حين أعلنت فرنسا مؤخراً أنها سوف تلتزم بقرارات المحكمة، وعلى الجانب الآخر، فقد أعربت العديد من الدول والمنظمات عن دعمها القوي لجنوب أفريقيا، من بينها ماليزيا وتركيا والأردن ومنظمة التعاون الإسلامي.
لقد جمعت جنوب أفريقيا فريقاً قانونياً هائلاً بقيادة جون دوجارد، الأستاذ الفخري بجامعة ويتواترسراند، وقد شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، وترأس في السابق لجنتي تحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، وهو على دراية بإجراءات محكمة العدل الدولية.
ويشارك في فريق الدفاع أيضاً المحامية المتخصصة في القانون الدستوري، تيمبيكا نكوكايتوبي، وماكس دو بليسيس، الذي قدم الاستشارات في القضايا المعروضة على المحكمة الجنائية الدولية، والخبيرة في حقوق الإنسان والقانون الدستوري، عديلة هاشم، والمحامية الإيرلندية، بيلين ني جرالي.
وبعد أن تم الإعلان عن اختيار آلان ديرشوفيتز ليقود الفريق الإسرائيلي، عادت إسرائيل واختارت رئيس المحكمة العليا السابق والناجي من المحرقة، أهارون باراك، قاضياً للمرافعة.
في مقابلة له، صرح محامي حقوق الإنسان الأمريكي، فرانسيس بويل، والذي دافع عن قضية الإبادة الجماعية في البوسنة وفاز بها، بأنه متأكد من أن جنوب أفريقيا ستفوز بالقضية، بالنظر إلى الطلب الدقيق والأدلة السليمة والموثقة إلى المحكمة.
يمكن القول أنه إذا نجحت جنوب أفريقيا في طلبها وحكمت المحكمة لصالحها، فمن المتوقع أن يكون الإجراء المؤقت لوقف إطلاق النار ملزماً لجميع الأطراف، في انتظار اتخاذ المزيد من التدابير التي قد تشمل إجراء تحقيق مستقل، وعلى المدى الطويل، إذا وجدت المحكمة أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم إبادة جماعية، فمن المتوقع أن يصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً بإنشاء محكمة مماثلة ليوغوسلافيا أو رواندا.
على مدى سنوات، كان هناك مستوى من الإحباط بسبب عدم تحقيق أي تقدم في ملفات انتهاك قُدمت إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد جهات إسرائيلية، واليوم يتجدد الأمل في أن اتخاذ قرار لصالح جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية قد يسمح للمحكمة الجنائية الدولية بالتحرك بسرعة أكبر.
للاطلاع على النص الأصلي: هنا