بقلم شون ماثيوز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد أن مرت مرحلة الأعمال العدائية دون أن تلحق أي أضرار تذكر بدول الخليج، أصبح قادة الخليج الغني بالطاقة الآن في وضع يمكنهم من الاستفادة من المزايا التي تمتلكها كل من إيران وإسرائيل، خاصة على الصعيد العسكري.
لقد كانت مشاهدة الدخان الذي تصاعد من طهران بمثابة تغيير بالنسبة للقادة في السعودية والإمارات، بعد أن كانوا قبل بضع سنوات يتصدون فقط للطائرات بدون طيار والصواريخ التي تطلق عليهم من قبل حلفاء إيران، الحوثيون في اليمن.
خلال 12 يوماً، تفوقت الطائرات الحربية الإسرائيلية على الدفاعات الجوية الإيرانية الضعيفة، واغتيل جنرالات الحرس الثوري الإسلامي ودُمرت منصات إطلاق الصواريخ الباليستية ومصانع الأسلحة، حتى بلغت الحرب ذروتها بقصف الولايات المتحدة لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية الإيرانية.
ومن جهة أخرى بعيداً عما ركز عليه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون من خسارة إيران، فللمرة الأولى منذ جيل كامل، تمكن الحكام العرب من رؤية تصور عن الكيفية التي سوف يكون فيها أداء إسرائيل في مواجهة جيش تقليدي.
وقف العدوان الإسرائيلي
في حديث له مع ميدل إيست آي، أوضح مسؤول عربي يشارك تقييماً لمراجعة الحرب في عاصمة عربية رائدة بالقول: “لقد أظهر الإسرائيليون روحاً قوية في دعم جيشهم وكانوا شجعاناً، ومع ذلك، فإن الجبهة الداخلية في إسرائيل لم تستطع تحمل أكثر من أسبوعين من الضربات الصاروخية”.
تحدث موقع ميدل إيست آي مع مسؤولين يمثلون 3 عواصم عربية، واجتمع الثلاثة على أن التقييم في أروقة السلطة في بلادهم هو أن إسرائيل كانت أول من أشار إلى استعدادها لوقف إطلاق النار بعد استنفاد قائمة الأهداف العسكرية ورؤية أن الجمهورية الإسلامية لا تواجه الانهيار.
في مقابلته مع ميدل إيست آي، أشار الأستاذ في جامعة الكويت، بدر السيف إلى أن “بنيامين نتنياهو كان في صعود، فقد أظهرت إسرائيل تفوقاً عسكرياً في سماء إيران، لكن إيران أوقفت العدوان الإسرائيلي وردت، فتحطمت صورة إسرائيل التي لا تقهر وتتمتع بدفاع جوي لا تشوبه شائبة”.
يرى الخبراء أن تصور الضعف الإسرائيلي مهم لفهم كيف يتعامل حلفاء الولايات المتحدة العرب مع إسرائيل في المستقبل، فقد يمنحهم ذلك المزيد من النفوذ مع إسرائيل ابتداء من الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 2020.
ينطبق الأمر نفسه على طهران، حسبما أشار المسؤولون العرب لموقع ميدل إيست آي، حيث توقعوا بأن يعرض زعماء الخليج استثمارات على طهران ولا يستبعدون القيام بزيارات رفيعة المستوى في الأشهر المقبلة، ففي إبريل الماضي مثلاً، زار وزير الدفاع السعودي وشقيق ولي العهد محمد بن سلمان طهران.
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد أكد بأن إدارته سوف تستأنف المحادثات مع إيران، مع تعرض برنامج الأخيرة النووي لأضرار بالغة بحسب المسؤولين الأمريكيين.
في عام 2023، توسطت الصين في التقارب بين الرياض وطهران، وبذلك ظل مضيق هرمز، الذي تعتمد عليه الصين في شحناتها النفطية، مفتوحاً، وارتفعت صادرات النفط الإيرانية إلى عنان السماء رغم الهجمات الإسرائيلية
في كلتا الحالتين، دعمت دول الخليج المحادثات النووية وقد يزداد نفوذها في طهران أكثر الآن، فقد أكد أحد الدبلوماسيين العرب لموقع ميدل إيست آي بالقول: “الخليج يحظى بجلسة استماع في واشنطن، وفي نهاية المطاف، يظل هذا هو النفوذ الهائل الذي يتمتع به فيما يتعلق بإيران وهو إمكانية الاتصال بترامب في أي وقت حتى لو كان بعد منتصف الليل مع ضمان رده على الهاتف”.
لقد أبرمت الإمارات وقطر والسعودية صفقات بمئات المليارات من الدولارات مع الولايات المتحدة عندما زار ترامب المنطقة في مايو الماضي، في موقف بدا وكأنهم في وضع تنازلات، حيث كشف موقع ميدل إيست آي آنذاك بأن ترامب أوقف الهجمات الأمريكية على الحوثيين في اليمن كنوع من الضغط على السعودية، وفي المقابل، لم تتمكن دول الخليج من وقف الهجوم الإسرائيلي على إيران.
رغم اختلاف الأولويات لدى كل من الإمارات والسعودية وقطر، إلا أن الخبراء يرون أن أياً منهم لم يكن يرغب في رؤية الولايات المتحدة تنضم مباشرة إلى الهجوم الإسرائيلي.
أفاد موقع ميدل إيست آي بأن الضربة الانتقامية الإيرانية على قاعدة العُديد العسكرية في قطر قد تم تنسيقها مسبقاً مع دول الخليج، حيث أوضح رئيس الشرق الأوسط في شركة إيدلمان للشؤون العامة والحكومية، أيهم كامل، لموقع ميدل إيست آي بأن “هذه الأزمة أدت إلى رفع مستوى القيادة في دول الخليج، فقد تمكنوا من لعب دور دبلوماسي من وراء الكواليس وتجنب أي هجوم كبير على أراضيهم، وقاموا بتثليث تعاونهم ليشمل الدول الرئيسية في المنطقة، خاصة إيران وتركيا وإسرائيل”.
هل هو تعاطف مع إيران؟
لقد حاولت الولايات المتحدة لسنوات تجنيد دول الخليج في تحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران، فعندما سيطر حزب الله على لبنان وحكم بشار الأسد سوريا وكان الحوثيون يطلقون الصواريخ والطائرات بدون طيار على السعودية، كان هذا العرض جذاباً، حتى وصل ذروته قبل 7 أكتوبر عندما حاولت القيادة المركزية الأمريكية إنشاء “حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط” الذي يربط إسرائيل بدول الخليج والدفاع الجوي المصري.
أما عند اشتباك إسرائيل وإيران، فبدلاً من الانضمام إلى الهجوم الإسرائيلي، ضغط حلفاء الولايات المتحدة العرب على ترامب لحمله على وقف الحرب، وتبادلت إسرائيل وإيران إطلاق النار المباشر مرتين عام 2024.
لقد كانت الجولة الأخيرة هي أول معركة علنية بين إسرائيل وإيران، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية طهران وقصفت إيران مدناً كبرى مثل تل أبيب وحيفا، فأدانت كل من قطر والإمارات والسعودية الهجوم الإسرائيلي على غيران.
يذكر أن قطر حافظت تاريخياً على علاقات أوثق مع الجمهورية الإسلامية من جيرانها الخليجيين، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنهما يشتركان في أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، لكن هذا الصراع الأخير جعل الإمارات والسعودية تضغطان من أجل وقف إطلاق النار أيضاً.
“الآن بعد أن قام محمد بن سلمان بنزع الوهابية من السعودية، تم كبح خطاب رجال الدين حول الشيعة، وهذا يجعل من الصعب على إسرائيل ضم السعودية إلى جانبها” – باتريك ثيروس- سفير الولايات المتحدة السابق في قطر
في حديثه مع ميدل إيست آي، أشار الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى قطر ومسؤول رفيع المستوى في الإمارات، باتريك ثيروس إلى أنه “ربما لم يتوقع المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون مدى جدية الخليج حول وقف التصعيد، ولكنهم باتوا يعرفون الآن، والسعودية على رأس تلك القائمة”.
وأضاف ثيروس: “في الوقت الحالي، حتى بين الطبقات الحاكمة، هناك تعاطف مع إيران أكبر مما كان عليه منذ فترة طويلة”.
منذ وقت ليس ببعيد، ربما كانت إسرائيل قادرة على إقناع السعودية بالانضمام إلى هجومها، ففي عام 2018، كان ولي العهد محمد بن سلمان قد قارن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بهتلر، متهماً إياه بمحاولة “غزو العالم” على حد وصفه.
بعد ذلك، انخرطت السعودية في قتال حلفاء إيران في اليمن، وفي عام 2019، تعرضت منشأتان نفطيتان سعوديتان كبيرتان لهجوم، فتجاهل الرئيس ترامب الهجوم الذي انطلق من إيران، وفي السنوات التالية، تحركت السعودية لإصلاح العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.
في عام 2023، توسطت الصين في التقارب بين الرياض وطهران، وبذلك ظل مضيق هرمز، الذي تعتمد عليه الصين في شحناتها النفطية، مفتوحاً، وارتفعت صادرات النفط الإيرانية إلى عنان السماء رغم الهجمات الإسرائيلية وأصبحت المنشآت النفطية في السعودية آمنة مرة أخرى.
وفقاً للدكتور سيف من جامعة الكويت: “لم يعد الخليج كما كان في عام 2019، فنحن الخليجيون نشعر بأننا لم ننضم إلى الحرب”.
وقف إطلاق النار في غزة والتطبيع
ينصب التركيز الرئيسي لدول الخليج اليوم على تقليل اعتماد اقتصاداتها على عائدات النفط، فقد توجهت السعودية إلى اتجاه جديد من خلال الإصلاحات الاجتماعية الليبرالية وتتبع أجندة رؤية 2030 الطموحة التي تشمل السياحة الفاخرة في البحر الأحمر، كما عملت كل من الرياض وأبو ظبي على بناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي.
يرى ثيروس أن أحد عناصر التغيير التي تم التغاضي عنها هو أن التوترات الطائفية التي تغذي التنافس بين السعودية وإيران في مناطق النفوذ مثل اليمن وسوريا قد انحسرت، مع سعي ولي العهد محمد بن سلمان إلى تحديث الإصلاحات الاجتماعية.
قال ثيروس: “الآن بعد أن قام محمد بن سلمان بنزع الوهابية من السعودية، تم كبح خطاب رجال الدين حول الشيعة، وهذا يجعل من الصعب على إسرائيل ضم السعودية إلى جانبها”.
علاوة على ذلك، فإن الرأي العام في الخليج أصبح أكثر سلبية تجاه إسرائيل بسبب حربها على غزة، وقد أظهر استطلاع للرأي نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في الأشهر الأولى من حرب غزة أن 96% من السعوديين يعارضون التطبيع مع إسرائيل.
من جانبه، أوضح ترامب بأنه يريد مواصلة وقف إطلاق النار الهش بين إسرائيل وإيران مع إحراز “تقدم كبير” لإنهاء الحرب على غزة على حد وصفه.
ويعد إنهاء الحرب على غزة شرطاً أساسياً لأي حديث عن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، حتى أن ترامب لم يقم بالضغط على المملكة لإبرام اتفاق مع إسرائيل خلال زيارته للرياض في مايو الماضي، لكنه قال لمحمد بن سلمان: “سوف تشرفني كثيراً بفعلك هذا”.
من جانبها، ترى السعودية أنها تحتاج إلى رؤية إسرائيل تتخذ خطوات لا رجعة فيها تجاه إقامة دولة فلسطينية لتطبيع العلاقات، حيث يؤكد دبلوماسيون بأنه بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية، فإن السعر الذي سوف تطالب به السعودية آخذ في الارتفاع، فقد أوضح أحد المسؤولين العرب لموقع ميدل إيست آي بأن “السعودية لديها إحساس بالاتجاه الذي يتجه إليه الشارع العربي، وسوف تصر على شيء خطير”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)