ديفيد كاميرون في مرمى المساءلة بعد تهديده المحكمة الجنائية الدولية لحماية قادة دولة الاحتلال 

كشف موقع ميدل إيست آي النقاب عن قيام وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد كاميرون بتوجيه تهديد سري إلى المحكمة الجنائية الدولية، ملوّحًا بقطع التمويل عنها وانسحاب بريطانيا من نظام روما الأساسي إذا أقدمت المحكمة على إصدار مذكرات توقيف بحق قادة من دولة الاحتلال.

وبحسب التحقيق الذي نشر يوم الإثنين، فإن كاميرون، الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة ريشي سوناك المحافظة، أطلق هذا التهديد خلال مكالمة هاتفية متوترة جرت في أبريل/نيسان 2024 مع كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وهو بريطاني الجنسية.

ومنذ كشف هذه الواقعة، عبّر عشرة نواب بريطانيين على الأقل عن مواقف متباينة تجاه الحادثة. 

فقد دعا عدد من النواب إلى فتح تحقيق برلماني موسع، بينما طالب آخرون حكومة حزب العمال بالنأي بنفسها عن سلوك كاميرون الذي وُصف بالمخجل من قبل حمزة يوسف، الوزير الأول السابق في اسكتلندا.

وقال يوسف: “من المخجل أن اللورد كاميرون هدد المحكمة الجنائية الدولية لأنها تجرأت على القيام بعملها”.

وفي هذا السياق، أطلقت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة والخبيرة في القانون الدولي، تحذيرًا صريحًا من خطورة ما أقدم عليه كاميرون. 

وفي مقابلة حصرية مع ميدل إيست آي مساء الثلاثاء، أوضحت ألبانيز: “إذا حدث هذا وهناك أدلة، فإن وزير الخارجية السابق ورئيس الوزراء البريطاني قد يكون ارتكب جريمة جنائية بموجب نظام روما الأساسي”.

وينص نظام روما الأساسي على تجريم أي محاولة للتأثير على سير العدالة، بما في ذلك ترهيب أو تهديد موظفي المحكمة.

وتشير المادة 70 من النظام إلى أن للمحكمة اختصاصًا بالنظر في الأفعال التي تهدف إلى عرقلة أو التأثير بشكل فاسد على مسؤولي المحكمة، خاصة إذا كان ذلك لمنعهم من أداء واجباتهم أو دفعهم لأدائها على نحو غير سليم.

ووفقًا لمصادر مطلعة في لاهاي تحدثت إلى ميدل إيست آي، فإن كاميرون قال لكريم خان خلال المكالمة إن إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت سيكون “كمن يُلقي قنبلة هيدروجينية”. 

وأضاف: “العالم ليس مستعدًا لذلك”، وهدد بأن المملكة المتحدة “ستوقف تمويل المحكمة وتنسحب من نظام روما الأساسي” إذا تم المضي قدمًا في القرار.

وعلّقت ألبانيز قائلة: “التهديد المباشر أو غير المباشر للمحكمة الجنائية الدولية هو عرقلة للعدالة”، مشيرة إلى أن ذلك يشكل “انتهاكًا صريحًا لمبدأ استقلال القضاء”. 

وأضافت: “إنه أمر خطير للغاية أن يجرؤ شخص في موقع سلطة على القيام بذلك”، مؤكدة أن “أي شكل من أشكال الترهيب أو الانتقام أو التدخل في شؤون موظفي المحكمة هو جريمة في حد ذاته”.

وتابعت: “يمكن للمحكمة اتخاذ إجراءات ضد أي شخص يسيء التصرف أو يعرقل سير الإجراءات”، ما يعني أن المساءلة الجنائية لا تزال قائمة، حتى لو لم يكن كاميرون في منصب رسمي حاليًا.

وعلى الصعيد المحلي البريطاني، يشير قانون المحكمة الجنائية الدولية لعام 2001، وتحديدًا المادة 54 (1)، إلى إمكانية معاملة أي شخص يرتكب جريمة ضد العدالة في سياق المحكمة الدولية على أنه ارتكب جريمة مماثلة بحق محكمة عليا في إنجلترا وويلز.

وتؤكد ألبانيز أنه رغم عدم معرفتها التفصيلية بالقانون البريطاني، فإن “أي نظام ديمقراطي طبيعي” كان سيفتح تحقيقًا في هذا الشأن، أو يشهد تحركات من المجتمع المدني، وربما حتى اتخاذ إجراءات دبلوماسية من قبل دول أخرى، وقالت: “لو كان لا يزال في منصبه، لكان من المؤكد أن شيئًا ما سيحدث”.

في الإطار، جاءت ردود الفعل السياسية البريطانية غاضبة أيضًا، فقد وصفت النائبة عن حزب العمال ناز شاه الخبر بأنه “صادم”، مؤكدة أنها ستثير الأمر مباشرة مع وزارة الخارجية. 

أما النائبة زارا سلطانا فكتبت على منصة X: “يجب التحقيق مع ديفيد كاميرون وكل وزير بريطاني متواطئ في تسليح دولة الاحتلال وتمكينها من ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة بتهمة ارتكاب جرائم حرب”.

بدوره، دعا النائب المستقل أيوب خان لجان المعايير البرلمانية إلى التحقيق في الواقعة “بالجدية التي تستحقها”، بينما شددت النائبة إميلي ثورنبيري، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، على أن القانون الدولي “يجب أن يكون دائمًا دليلنا عند اتخاذ القرارات الصعبة”.

ورغم رفض كريم خان رفض التعليق على تفاصيل المكالمة، إلا أن طبيعة المعلومات المسرّبة تكشف حجم الضغط السياسي الذي تواجهه المحكمة الجنائية الدولية في سعيها لمحاسبة قادة دولة الاحتلال على جرائم محتملة، من ضمنها تلك المرتكبة في غزة.

مقالات ذات صلة