بقلم محمد الحجار
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
وسط جثث متكدسة ومصابين يتأوهون في كل اتجاه، وقف الشاب الفلسطيني محمد العوضي (18 عاماً) مذهولاً، لا يصدّق أنه لا يزال على قيد الحياة.
العوضي كان أحد آلاف الفلسطينيين الجائعين الذين تجمعوا صباح الأحد في منطقة السودانية شمال غرب مدينة غزة، بعد شائعات عن وصول شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي، أملاً بالحصول على كميات نادرة من الدقيق والمواد الأساسية.
لكن الحشود الجائعة قوبلت بجحيم نيران جيش الاحتلال، حيث طوّقت المركبات العسكرية الإسرائيلية المنطقة وفتحت نيرانها الكثيفة والعشوائية تجاه المدنيين، بحسب شهادات الناجين التي وثّقها موقع ميدل إيست آي.
قال العوادي للموقع:”أطلقوا النار علينا بشكل كثيف من الدبابات، كانت المركبات تتحرك بيننا، أحياناً تمر على بعد بعض بوصات فقط من المدنيين”.
“هناك الآن أكوام من الشهداء، كان الوضع فوضويًا… المشاهد كانت مروعة، مروعة حقًا، فالناس يُطلق عليهم النار من جميع الاتجاهات، وإذا أصيب شخص بجانبك، لا يمكنك مساعدته، فكل ما تريده يصبح فقط النجاة”- محمد العوضي
وقدّر الشاب الذي أصيب شقيقه عبد الله خلال الهجوم، أن عشرات الآلاف كانوا حاضرين في المكان، مشيرًا إلى أن ذلك كان أكبر تجمّع شهده منذ بدء الحرب.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن ما لا يقل عن 99 شهيدًا ارتقوا في الهجوم، فيما أصيب أكثر من 650 شخصًا، حيث يرتفع بذلك، عدد شهداء المجازر المرتبطة بمحاولات الحصول على المساعدات الإنسانية منذ نهاية مايو/أيار إلى أكثر من 1021 شهيدًا، والمصابين إلى أكثر من 6511، بحسب بيانات رسمية.
ويقول فرح هشام الشيش، وهو أب يعيل ثمانية أفراد، كان من بين المصابين في القصف، بعد أن توجّه إلى المكان قرابة الساعة العاشرة صباحًا، لموقع ميدل إيست آي: “حسبنا الله ونعم الوكيل، هذا كل ما يمكننا قوله”.
وتكررت الشهادات المفزعة، إذ يقول نافز حنا النجار- أحد المصابين من مخيم جباليا- وهو يغالب دموعه: “رأيت رجالًا يُستشهدون أمامي وجرحى في كل مكان، ليشفيهم الله”.
ويروى النجار الذي أصيب في أذنه وذراعه تفاصيل مشهد مؤلم حين كان ابن عمه يحاول إنقاذه بعد إصابته، لكن سرعان ما تلقى رصاصة في القلب أردته شهيداً، مؤكدًا أن “كل شيء كان عشوائيًا ودون سابق إنذار”.
أدى الحصار المشدد على غزة، الذي اشتدّ منذ 2 مارس/آذار، إلى مجاعة كارثية، خاصة في شمال القطاع، وعلى الرغم من توزيع المساعدات عبر “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة من الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، والتي بدأت نهاية مايو/ أيار، فإنها لم تنجح في التخفيف من الأزمة، بل أبقت المناطق الشمالية محاصرة تمامًا.
ويقول الشيش إن كيلو الدقيق وصل سعره إلى 140 شيكلًا (نحو 41.70 دولارًا)، مشيرًا إلى أن عائلته تعيش على العدس والأرز فقط، ما جعل طفليه، محمد (سنتان) ونور الدين (6 سنوات)، يعانيان من سوء تغذية حاد، حيث باتت تظهر عليهما أعراض مثل الإسهال والقيء.
“فقدت خمسة كيلوغرامات من وزني، تخيّل ما حدث لابني الصغير… إنه يبدو كهيكل عظمي”- فرح الشيش
أما العوضي، فقال إنه لم يتناول الخبز منذ شهرين، وإنه توجّه إلى السودانية ثماني مرات للحصول على المساعدات، ونجح فقط في اثنتين.
وقال: “هذه المرة، الحمد لله، حصلنا على 11 كيلوغرامًا من الدقيق، وهو ما يكفي فقط لأربعة أيام”.
ولا يواجه الناجون خطر الموت بنيران جيش الاحتلال فقط، بل أيضًا عمليات سلب مسلحة في طريق العودة، إذ يصف العوضي كيف هاجم مسلحون المدنيين العائدين وقاموا بسرقة أكياس الدقيق منهم، وهو ما أكده أيضاً الشيش.
أما إيهاب الزين، فهو أب لأسرة كبيرة تضم 20 فرداً، فقد شهد المجزرة بنفسه، وقال لموقع ميدل إيست آي: “إننا نركض نحو الموت، فقط من أجل كيلوغرام من الدقيق، وأحياناً لا نحصل عليه، نموت ونعود خاليي الوفاض”.
وأضاف: “لم أتمكن من الحصول على أي شيء من قبل، هذه المرة كانت نعمة من الله، رأيت الموت بأم عيني، لكنني عدت حيًا بطريقة ما، الله وحده يعلم كيف نجوت، لقد حصلت مائة معجزة”.
وأكد الزين أنه لن يعود مرة أخرى إلى نقاط توزيع المساعدات، قائلاً بانكسار: “سأموت جوعًا، لكن لن أعود هناك، فليمُت الأطفال جوعًا، ذلك أفضل من رؤيتهم يموتون هكذا”.