رئيس وزراء إسرائيلي سابق: ما تفعله الحكومة في غزة “تطهير عرقي منظم”

في تصريحات غير مسبوقة من مسؤول إسرائيلي رفيع سابق، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت خطة حكومة الاحتلال لحصر أكثر من مليوني فلسطيني في منطقة جنوب قطاع غزة بأنها تجسيد لمفهوم “معسكر الاعتقال”، محذرًا من أن هذه السياسة تمثل تطهيرًا عرقيًا مقنّعًا.

وفي مقابلة نشرتها صحيفة ذا غارديان يوم الأحد، قال أولمرت البالغ من العمر 79 عامًا: “آسف، إنه معسكر اعتقال”، وذلك تعليقًا على الخطة التي أعلن عنها وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس الأسبوع الماضي، وتقضي بتجميع نحو 600 ألف فلسطيني نازح في منطقة تُبنى على أنقاض مدينة رفح جنوبي قطاع غزة.

بموجب الخطة، سيخضع الفلسطينيون لفحوصات أمنية مشددة، ويُمنع عليهم مغادرة المنطقة، فيما يخطط جيش الاحتلال، وفقًا لما أعلنه كاتس، لتوسيع الخطة لتشمل جميع سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليونين، وتجميعهم في “مدينة إنسانية” واحدة.

“خطة تطهير عرقي”

علق أولمرت على الخطة قائلًا: “إذا تم ترحيل الفلسطينيين إلى ما يُسمى ’المدينة الإنسانية الجديدة‘، فهذا تطهير عرقي، هذا هو التفسير الحتمي”، وأضاف: “حين يبنون معسكرًا ’يطهرون‘ فيه أكثر من نصف غزة، فهذه ليست استراتيجية للإنقاذ، بل للترحيل والدفع والإقصاء القسري، لا يوجد لدي فهم آخر لهذا”.

وتعكس تصريحات أولمرت تحوّلاً نادراً في خطاب المؤسسة السياسية لدى دولة الاحتلال إذ حذر من أن الخطوة لا يمكن قراءتها إلا باعتبارها مسعى لتفريغ غزة من سكانها عبر سياسات التجويع والحصار والقصف، ودفعهم إلى الهجرة القسرية تحت غطاء “الهجرة الطوعية”.

وأشار إلى أن حكومة الاحتلال بدعم من شخصيات متطرفة، تدفع بهذا المسار بشكل منظم، ما يجعلها في مواجهة مباشرة مع أحكام القانون الدولي، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر بشكل صارم الترحيل القسري للسكان في الأراضي المحتلة، وتؤكد على وجوب معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأوقات.

“لا يوجد شيء طوعي في هذا”

وشدد خبراء في القانون الدولي، تم استطلاع آرائهم من قبل موقع ميدل إيست آي، على أن الخطة تمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي، وأن وصفها بـ”الهجرة الطوعية” يخالف الواقع الميداني، حيث يعيش سكان غزة تحت القصف والجوع والإبادة الجماعية الممنهجة.

وقال مارتن شو، الباحث في علم الاجتماع ومؤلف عدة كتب عن الإبادة الجماعية، إن “لا شيء طوعي في خطة هجرة تقرّها إسرائيل تحت هذه الظروف”، مضيفًا: “لقد قُصف سكان غزة، وفقدوا أحباءهم، وجُوِّعوا، وتعرّضوا لإطلاق النار أثناء بحثهم عن الطعام… ستُستخدم هذه الوحشية لإجبارهم على المغادرة وسلبهم حق العودة، كما حدث لأجيال فلسطينية سابقة”.

وأكد إيتان دايموند، خبير القانون الدولي الإنساني في مركز “دياكونيا” بالقدس، أن “القرار الشامل بعزل مئات الآلاف من الأشخاص في مناطق مغلقة أو معسكرات اعتقال يتجاوز الاستثناءات القانونية ويشكل حرمانًا غير قانوني من الحرية”.

“خجل وحزن” من السياسات الإسرائيلية

وفي نفس المقابلة، أعرب أولمرت عن “خجله وحزنه العميق” من سياسات الحكومة الحالية، قائلًا إن ما يحدث يُعد جرائم حرب، وإنه لا يمكن أن يصمت إزاء ذلك.

وقال: “كنت في البداية مؤيدًا للحرب بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، لكنني الآن محطم القلب… ما أراه هو عمليات قتل جماعي لأبرياء، لا يمكنني الامتناع عن تحميل هذه الحكومة المسؤولية عن جرائم الحرب التي ارتكبتها”.

وأشار إلى أن شخصيات متطرفة في حكومة الاحتلال – بدعمها للعنف وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية وغزة – أصبحت تمثل تهديدًا استراتيجيًا داخليًا أكبر من أي عدو خارجي، وأضاف: “هؤلاء هم الأعداء من الداخل”.

“رد الفعل العالمي ليس معاداة للسامية” 

وحول تنامي موجة الغضب الدولي من ممارسات الاحتلال، قال أولمرت “إن تحميل كل انتقاد لإسرائيل على أنه معاداة للسامية هو تهرّب من الحقيقة”.

وأوضح: “نحن نستخف بالواقع حين نقول إنهم معادون للسامية، أنا لا أعتقد أن ذلك هو السبب الوحيد، فهناك من هم معادون لإسرائيل بسبب ما يرونه بأعينهم: مشاهد الدمار والمجازر”.

وتابع: “هذا رد فعل مؤلم ولكنه طبيعي من شعوب العالم التي تقول ’لقد تجاوزتم كل الحدود الممكنة‘”.

دعوات لتدخل دولي ووسائل الإعلام الإسرائيلية متهمة

دعا أولمرت إلى تدخل دولي أكثر حزماً، في ظل “غياب أي معارضة داخلية حقيقية” داخل دولة الاحتلال مشيرًا إلى أن إعلام الاحتلال فشل في نقل صورة متوازنة أو عرض حجم الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.

وقال: “ماذا يمكنني أن أفعل لتغيير هذا الواقع؟ عليّ على الأقل أن أُقرّ بهذه الفظائع، وأن أوجه انتقادًا صريحًا، وأن أُظهر للعالم أن هناك أصواتًا مختلفة داخل إسرائيل”.

أرقام مفزعة: أكثر من 58 ألف شهيد في غزة

منذ بدء عدوان الاحتلال على قطاع غزة في أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 58 ألف فلسطيني، وجُرح أكثر من 138,500 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، وفقًا لإحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية.

ورغم الإدانات الدولية المتزايدة، بما في ذلك من شخصيات إسرائيلية سابقة مثل أولمرت، لا تزال حكومة الاحتلال تمضي في تنفيذ خططها لتفريغ غزة قسرًا من سكانها تحت مسمى “الحلول الإنسانية”، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي والرأي العام العالمي.

مقالات ذات صلة