رابعة.. عندما يوظف الجناة الإنكار والخداع لكتم صدى صرخات الضحايا وتزييف الحقيقة!

قبل عقد من الزمان، وفي الساعات الأولى من صباح يوم14 آب/ أغسطس 2013، اخترقت سيمفونية مؤلمة من أصوات الطلقات النارية الهواء، ما أدى إلى نقش حكاية كئيبة في وعيي إلى الأبد.

ما قد يبدو وكأنه أصوات معتادة في احتفالات الزفاف في مصر سرعان ما تحول إلى لوحة من الألم، حيث ألقت أصداء العنف بظلالها الشريرة على هدوء الصباح.

في الحقيقة، لم تبشر تلك الطلقات النارية بالبهجة الجامحة، بل كانت مذبحة لا توصف، بعد أن أصبحت مراكز الاحتجاج في ميداني رابعة العدوية والنهضة، الواقعين على بعد مسافة قصيرة من منزلي، بؤر هجوم وحشي أدى إلى إبادة مئات الأرواح، لقد كانت وابلًا من الرصاص لا يرحم.

عندما أشرفت السلطات المصرية على رقصة الموت المروعة هذه، ظهر انقسام مخيف، فبينما كان يتوجب على الناس البكاء، اختلطت دموعهم بعذاب الخسارة وتكشّف الاحتفال الفاسد بعزف سيمفونية سريالية من الابتهاج على خلفية المأساة في مشهد شاذ يطارد فترات استراحة ذاكرتي.

وبعد عشر سنوات، لا تزال جراح رابعة كامنة بعد أن تم تدمير نسيج المجتمع المصري الذي كان يُنظر إليه في يوم من الأيام على أنه مرن ومترابط وبعد أن تمزقت الروابط التي كان يعتقد أنها غير قابلة للكسر لتُستبدل بشعور منتشر من عدم الثقة والخذلان.

وفي ظل هذا الواقع المرير، لا يزال قسم كبير من المجتمع، يبدو أنه يعجز عن رؤية الفظائع التي تكشفت قبل عقد من الزمن، عالقًا في شِباك الإنكار، يمجدون بحماسة مقلقة السلطات المسؤولة عن هذه الأعمال الشنيعة، ويشيدون بهم كأبطال، إنهم يصفقون لمرتكبي مجزرة رابعة، مما يجعل ذكريات الشهداء أكثر إثارة للمشاعر.

إن جهلهم المتعمد وتأييدهم للوحشية قد ألقى بظلاله على الأمة، وهو تذكير صارخ بأن ندوب ذلك اليوم المأساوي أعمق من الجروح الجسدية، فبينما يتقدم العالم إلى الأمام، يقف هؤلاء المنكرون الحازمون بمثابة شهادة مؤلمة على قوة الوهم وتآكل الحقيقة الماكر.

العمى المتعمد

إن الجهات الوحيدة المستفيدة من ذلك هي السلطات المصرية التي دبرت هذه المأساة، لقد لعبوا اللعبة الكلاسيكية الماكرة “فرق تسد”، وهي استراتيجية خبيثة تضع الفصائل في المجتمع ضد بعضها البعض، مما يؤجج نيران الصراع.

لقد انهار مبدأ الوحدة، الذي كان يومًا ما حجر الزاوية في المجتمع المصري، مستسلماً لقوى التلاعب المدمرة، ففي الوقت الذي تنقلب فيه الجماهير عن غير قصد ضد بعضها البعض، تستمتع السلطات بانتصارها المشؤوم، وتأتي المأساة بمثابة درس صارخ وشهادة مؤلمة لقوة الخداع وفن زرع الفتنة.

إنه لغز دائم حول سبب استمرار الأمة في حالة الإنكار هذه فيما يتعلق بمذبحة رابعة، فمن الواضح أن الانقسامات السياسية والأيديولوجية الراسخة تساهم في هذا العمى المتعمد. 

لكن الجذور هي أعمق بكثير من واقع السياسة وباتت تتسرب بالفعل إلى جوهر مجتمعنا.

إن وحدة أمتنا التي كان يتم الاحتفال بها من قبل أصبحت الآن ملوثة وهشة، فقد تم استبدال فسيفساء من القيم المشتركة والهوية الجماعية بالريبة وعدم الثقة، وتآكلت الخيوط التي نسجت مجتمعاتنا كنسيج نابض بالحياة، مما جعلنا عرضة للتلاعب والانقسام.

لقد مر عقد من الزمان على تلك المجزرة المصيرية، ولا تزال جوقة مدبرة من المسؤولين تستهدف الضحايا، وتظل الحقيقة مدفونة تحت طبقات من التضليل والإنكار، فلم يواجه مرتكبو هذه الفظائع العدالة أو أي نوع من المساءلة.

بل إن هذا الظلم جرح متقيّح يمثل تذكيراً قاتماً بديناميات القوة المشوهة، فلا تزال أصداء تلك الطلقات النارية في ذاك الصباح تتردد في الذاكرة الجماعية للأمة وفي أسس حكمها.

يرتبط شفاءنا ارتباطًا وثيقًا باعترافنا بهذا اليوم المؤلم، وحتى تواجه الأمة الحقيقة وتسعى لتحقيق العدالة للذين سقطوا، سيبقى شبح المذبحة حاضراً حضوراً مخيفاً لا يمكن إخفاؤه. 

بقلم خليل العناني

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة