ربما تكون حماس قد انتصرت بالحرب فعلاً ولكن كيف ذلك؟

بقلم ريتشارد سيلفرستون

ترجمة وتحرير مريم الحمد

كان هجوم 7 أكتوبر منسقاً بعناية، فقد أذهل إسرائيل والعالم على حد سواء، بعد تمكن نحو ألف مقاتل من اختراق الحاجز الدفاعي الذي تبلغ قيمته مليار دولار حول غزة.

لقد أظهر الهجوم للجميع أن كل التكنولوجيا المتطورة في العالم يمكن هزيمتها بواسطة قوة حرب عصابات صغيرة تستخدم تكتيكات المراقبة والتخطيط والاحتشاد في ساحة المعركة، فقد تغلبت حماس على الإجراءات الأمنية الإسرائيلية التي كان يعتقد الإسرائيليون أنها غير قابلة للاختراق، وبذلك تم تحطيم كل الافتراضات التي قدمتها المخابرات العسكرية الإسرائيلية حول حماس.

لقد اعتقد جهاز الشاباك والجيش الإسرائيلي أن حماس كانت مهتمة بالحفاظ على حكمها لغزة أكثر من خوض الحرب،  ولقد كانوا مخطئين تمامًا في ذلك!

تمرد على الحصار

لقد أدى حصار إسرائيل المستمر لغزة منذ 17 عاماً إلى غضب سكان القطاع، فالغالبية لم تعد ترى أملاً لحياة أفضل في الأفق، فهم يعيشون صحيح ولكن في معاناة مستمرة.

كانت تلك الهجمات بمثابة تمرد على ذلك الحصار، وإعلاناً بأن الشعب الفلسطيني سوف يحارب مضطهديه مهما كلفه الثمن، خاصة وأن العالم كان قد نسي فلسطين، مقابل مسارعة دول عربية نحو التطبيع مع إسرائيل آخرها كان السعودية.

قبل هجوم 7 أكتوبر، كانت إدارة بايدن تتودد إلى السعودية للانضمام إلى اللجنة الرباعية، لكن حماس بهجومها حطمت أحد الإنجازات الإقليمية القليلة التي حققها الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبسبب الهجوم، عاد الفلسطينيون إلى واجهة الأحداث مجبرين العالم على الالتفات إلى محنتهم ومطالبتهم بحقوقهم.

لقد ذكّرنا هجوم 7 أكتوبر بأن الفلسطينيين صامدون ولن يرحلوا، فقد أدى الهجوم الإسرائيلي الدموي إلى تدمير التصورات العالمية عن إسرائيل، وبدلاً من أن يُنظر إليها على أنها دولة ديمقراطية ومبتكرة تكنولوجية، أصبح العالم الآن ينظر إلى إسرائيل كنظام متعطش للدماء من خلال الإبادة الجماعية.

على مدى 3 أشهر، لم تتمكن إسرائيل إلا من القضاء على 25% من قوات حماس العسكرية

علاوة على ذلك، فقد تغلبت حماس مرة أخرى على السلطة الفلسطينية، فحركة فتح الآن ليست أكثر من مجرد متعاون فاسد مع العدو الإسرائيلي، أما حماس فقد وجهت ضربة قوية ذكّرت الفلسطينيين بأن المقاومة المسلحة، مهما كانت التكلفة، هي الشيء الوحيد الذي سوف يفهمه العالم في نهاية المطاف.

الحرب على جبهتين

تواجه إسرائيل اليوم حرباً على جبهتين، في غزة وفي الشمال ضد حزب الله، ومن الجدير بالذكر أن حزب الله أشرس من حماس،  فقد وقعت مناوشات وهجمات إسرائيلية ليس فقط ضد حزب الله، بل ضد مواقع الجيش اللبناني، مما أثار انتقادات الولايات المتحدة.

إسرائيل ما زالت تخسر الحرب، فلا توجد طريقة تستطيع بها إسرائيل أن تفوز بالحرب التي بدأتها، أما حماس فكل ما تحتاجه حتى تعتبر منتصرة هو البقاء

لقد هاجم الجيش الإسرائيلي الصحفيين  الذين كانوا يغطون الصراع أيضاً عن عمد،، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص كجزء من برنامج منهجي للقضاء على الصحفيين الذين يوثقون الجرائم الإسرائيلية.

من جهة أخرى، فقد شن الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن سلسلة من الهجمات الصاروخية على السفن المتجهة إلى إسرائيل في الممرات البحرية للبحر الأحمر، فردت السفن الحربية الأمريكية بمهاجمة زوارق الحوثيين وإسقاط صواريخ في اليمن، كما واجهت هجمات في سوريا والعراق.

رغم عدم رغبة الولايات المتحدة في الانجرار إلى صراع إقليمي طويل الأمد، إلا أن دعمها المستمر والثابت لإسرائيل سوف يؤدي حتماً إلى جرها إلى ما تسعى إلى تجنبه، كما أن دعم الإبادة الجماعية يزيد من احتمال إخراج بايدن من البيت الأبيض عام 2024.

كلفة باهظة

كان هجوم 7 أكتوبر بمثابة إشعار بأنه لا حماس ولا الفلسطينيين بشكل عام يؤمنون بوهم حل الدولتين، فكل فلسطيني يعلم أنه لا يوجد أمل في قيام دولة فلسطينية لأن إسرائيل تعارض ذلك بشدة، كما أن الفلسطينيين لا يتوقعون الكثير من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية.

إذا ما نظرنا إلى مقاييس الصراع المسلح، فإن إسرائيل تكسب حربها ضد غزة، حيث قتلت ما يقدر بنحو 8000 من مقاتلي حماس من أصل 30 ألف مقاتل، ولكن على مدى 3 أشهر، لم تتمكن إسرائيل إلا من القضاء على 25% من قوات حماس العسكرية، حيث دمر الجيش الإسرائيلي أميالاً من أنفاق حماس في رقم لم يقترب حتى من 300 ميل، كما أنه يرفض إرسال جنوده إليها لأن التكاليف ستكون باهظة.

لقد فرضت إسرائيل الحصار لمعاقبة الفلسطينيين في غزة وللضغط على حماس، من خلال  جعل الحياة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وهي التي تتمتع بالسيطرة الفعلية على الأرض والبحر والجو المحيط بالقطاع، وتعمل في كل مكان بحرية!

لقد جاءت تلك الحرية بتكلفة باهظة، حيث قتل 500 جندي إسرائيلي وأصيب أكثر من 5000 آخرين، والعديد منهم يعانون من بتر الأطراف وغير ذلك من الإعاقات الخطيرة.

إسرائيل تخسر الحرب

الحقيقة أن إسرائيل ما زالت تخسر الحرب، فلا توجد طريقة تستطيع بها إسرائيل أن تفوز بالحرب التي بدأتها، أما حماس فكل ما تحتاجه حتى تعتبر منتصرة هو البقاء.

نتنياهو أصبح الآن في موقف أكثر خطورة من أي وقت مضى، لذلك يفضل إطالة أمد الحرب لتجنب غضب الناخبين الإسرائيليين!

لقد قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مراراً بأن هدفه هو القضاء على حماس، وهو ماتلقى دعماً واضحاً من بايدن عليه.

يدرك القادة الإسرائيليون أن هناك طريقة واحدة فقط للقضاء على حماس، وهي القضاء على سكان غزة بالكامل أو طردهم، فلم تكتفِ وزارة الاستخبارات الإسرائيلية بإصدار خطة للقيام بذلك من خلال طرد الفلسطينيين إلى صحراء سيناء، بل سافر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أيضًا إلى الشرق الأوسط لعرض الخطة التي أعدتها إسرائيل على مصر والأردن.

الأردن ومصر بدورهما رفضوا المقترح رفضاً قاطعاً، فلن تقضي إسرائيل على الفلسطينيين من غزة، وكل الأحاديث التي يتلفظ بها نتنياهو وبايدن هي مجرد ثرثرة ووعود ليس إلا.

من المأساة في هذا الصراع أن لا أحد يتحدث بوضوح وصدق، فهم لديهم أوهام بأن حماس سوف ترضخ بطريقة أو بأخرى، إلا أن حماس لا ترضخ أبداً وهي مستمرة في المقاومة بغض النظر عن عدد الأكاذيب التي قيلت، بل كلما زادت الأكاذيب، قلت ثقة العالم في أي شيء تقوله إدارة بايدن أو الإسرائيليون.

أرى أنه حتى افترضنا أن إسرائيل نجحت في التطهير العرقي لغزة، فإن ذلك لن ينهي الصراع، لأن حماس ليست مجرد كيان سياسي أو عسكري، بل هي حركة تهدف إلى تعزيز حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، ولا يمكنك قتلها فهي لا تزال قادرة على البقاء.

بقاء حماس يعني فشل إسرائيل وتآكل ردعها العسكري في مواجهة منافسيها الإقليميين، مما قد يشجع أعداء إسرائيل على تكثيف المقاومة المسلحة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط داخل غزة أو خارجها، فأنت يمكنك هزيمة حركة في ساحة ما ولكن لا يمكنك القضاء عليها.

غضب

لقد دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً لهذا “النصر” المزعوم في ساحة غزة، فهي تخسر ما معدله 10 جنود أسبوعياًعلى الأقل، كما أن الجيش الإسرائيلي قتل رهائن في معاركه ضد حماس، حتى أنه في إحدى الحالات أطلق النار عن طريق الخطأ على 3 رهائن فروا من خاطفيهم.

لقد أثارت الضجة بين عائلات الرهائن الغضب في جميع أنحاء إسرائيل، حيث تظاهر الآلاف أمام مقر قيادة الجيش في تل أبيب، واتهم شقيق أحد الرهائن المقتولين الجيش الإسرائيلي بإعدامه.

من جهة أخرى، فإن الجبهة الموحدة التي أقامتها الحكومة الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر بدأت في الانهيار، ونتنياهو أصبح الآن في موقف أكثر خطورة من أي وقت مضى، لذلك يفضل إطالة أمد الحرب لتجنب غضب الناخبين الإسرائيليين!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة