ربما لن يصبح جو بايدن فقط ذكرى… يبدو أن ولاية ثانية له ستكون ذكرى كذلك!

بقلم جو جيل

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لا يخفى على أحد مسامع أحد صوت الذعر في الأوساط الديمقراطية، فكل يوم يزداد الأمر اتضاحاً بأن جو بايدن ليس مناسباً للترشح لولاية ثانية كرئيس.

انفجر الحديث بالأمر مؤخراً خاصة بعدما وصف تقرير وزارة العدل الذي أعده المستشار الخاص روبرت هور بايدن بأنه “رجل مسن وذو ذاكرة ضعيفة” وأن ذاكرته كانت “ضبابية” و”خاطئة” و”فقيرة”.

من خلال طريقة تعامله مع الوثائق السرية، قام هور فعلياً بتبرئة بايدن من ارتكاب أي مخالفات قانونية لكنه ركز على وصف حالته الذهنية،  وكأن التوقيت والهدف مرتب مع اقتراب الانتخابات التي ينوي بايدن خوضها لولاية ثانية.

لا يجب على الناخبين العرب الأمريكيين الذين رأوا بايدن يستخدم سلطات الطوارئ لتسليم أسلحة فتاكة إلى إسرائيل لاستخدامها في حربها في غزة نسيان ذلك، ففي عهده كان أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن 21، ولذلك أصبح لقبه “جو صاحب الإبادة الجماعية” في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء أمريكا

في مقابلة له مع بي بي سي، أشار الخبير الاستراتيجي للحزب الديمقراطي،هانك شينكوبف، إلى أن “غالبية الديمقراطيين يشعرون بالذعر على جميع المستويات، فهم لا يريدون فقدان السلطة ولا عودة دونالد ترامب إلى منصبه”.

الحقيقة أن المحاولات اليائسة التي تبذلها وسائل الإعلام الليبرالية من أجل الدفاع عن رئاسة بايدن في موقفه من الإبادة الجماعية في غزة فشلت في إخفاء مدى “محدودية” القدرة العقلية للرجل البالغ من العمر 81 عاماً.

لم يكن هناك وقت أسوأ لصدور نتائج تحقيق هور، خاصة مع آخر زلات بايدن، ففي نهاية مؤتمر صحفي مؤخراً، أشار بايدن إلى الرئيس المصري السيسي بـ “رئيس المكسيك”، وقبل ذلك بيوم، خلط بين الأموات والأحياء، مدعيًا أنه تحدث إلى فرانسوا ميتران، رئيس فرنسا الراحل، في اجتماع مجموعة السبع الأخير، وهلموت كول، مستشار ألمانيا الذي رحل عام 2021!

الحقيقة أن  بايدن بات ينسى أحداثاً ماضية بذات القدر الذي يستحضر فيه أحداثًا لم تحصل أصلاً، أو يخلط الأحداث الأخيرة بأحداث قديمة،  ومع ذلك، يجادل مؤيد لبايدن أن ضعفه الإدراكي لا يهم طالما أن مساعدي الرئيس هم المسؤولون، ويستشهد بحالة ريغان الذي كان خرفًا جدًا وكان تحت سيطرة المستشارين.

إن أكثر ما يهم النخب الليبرالية في العالم الغربي هو مرور الانتخابات الرئاسية بإعادة انتخاب بايدن، ولذلك يستمرون في هذا التمثيل السخيف، لدرجة جعلت صحيفة الغارديان تنشر مقالاً بعنوان “لئلا ننسى: أحدهما يخلط بين الأسماء والآخر قاد انقلاباً”، اعترفت فيه كاتبة المقال، مارينا هايد، بأن خطابات بايدن الأخيرة مليئة بالأخطاء، فيما أصرت على أن ترامب سيكون “أسوأ بكثير”.

لقد باتت الولايات المتحدة تشبه جمهورية رئاسية فاسدة، فرغم تراجع الحالة الذهنية للرئيس المسن، إلا أن النظام مصمم على إبقائه في منصبه، وهذا يذكرني بالرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الذي ترشح لولاية خامسة رغم عجزه عن المشي!

لماذا لا يجرب الديمقراطيون قول ذلك لأم فلسطينية فقدت طفلها بقنبلة في غزة؟! لا يجب على الناخبين العرب الأمريكيين الذين رأوا بايدن يستخدم سلطات الطوارئ لتسليم أسلحة فتاكة إلى إسرائيل لاستخدامها في حربها في غزة نسيان ذلك، ففي عهده كان أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن 21، ولذلك أصبح لقبه “جو صاحب الإبادة الجماعية” في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء أمريكا.

إبقاء بايدن

يحاول حرس الرئاسة ورواد البيت الأبيض هذه الأيام الحد من الضرر الناجم عن تحقيق هور من خلال اتهام الأخير الذي ينتمي للحزب الجمهوري، بتجاوز صلاحياته واتهامه بالحزبية.

تعليقاً على التقرير، قال متحدث باسم البيت الأبيض: “لا نعتقد أن معالجة التقرير لذكرى الرئيس بايدن دقيقة أو مناسبة”، كما اتهم هور باستخدام “لغة ضارة لوصف حدث شائع وهو عدم تذكر الأحداث التي مضى عليها سنوات”.

يتصرف الجالسون في إدارة البيت الأبيض اليوم وكان بايدن ملك، وأنه قد تم انتهاك قوانين جلالته الملكية، ولا أحد يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع المعقد في العام الانتخابي سوى المؤسسة الديمقراطية.

يجب أن لا ننسى أن بايدن اتبع سياسة تسليح إسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في غزة، وقصف الميليشيات في العراق وسوريا والحوثيين في اليمن، وأنفق 111 مليار دولار على الأسلحة والمساعدات لأوكرانيا، بالإضافة إلى 60 مليار دولار جديدة في الحزمة  ضد روسيا، وتحدى الصين في بحر الصين الجنوبي.

من المرجح أن تبذل النخبة الديمقراطية، مثلما فعل الديوان الملكي في القرن 18، كل ما في وسعها لإبقاء بايدن في مكانه والمخاطرة بخسارة ساحقة أمام ترامب في نوفمبر القادم

في تعليقه على التقرير، يرى عضو الكونجرس الديمقراطي والمرشح الرئاسي، دين فيليبس، أن تقرير هور “كاد يمنح ترامب الرئاسة، فهو يؤكد ببساطة ما يعرفه معظم الأميركيين بالفعل وهو أن الرئيس لا يمكنه الاستمرار في العمل كقائد أعلى لنا بعد انتهاء ولايته في 20 يناير 2025”.

أما المرشح الرئاسي الجمهوري اليميني، فيفيك راماسوامي، فقال  “جو بايدن لن يكون المرشح، قلت هذا العام الماضي، فقد رفضه الناس واليوم أعتقد أن الأمر أصبح أكثر وضوحًا”.

“الملك” بايدن

إذا أردت التأكد من تدهور الحالة الذهنية لبايدن، فما عليك سوى متابعة مقابلة له مع شبكة سي إن إن عام 2016، لترى مدى الوضوح والثقة التي تحدث بها آنذاك!

من المفاجئ أن تعرف أن النظام الرئاسي الأمريكي يحتوي على عناصر تشبه الملكية الدستورية، بما في ذلك قدر كبير من التبجيل للرئيس، والكثير من المسؤولين المتسلقين الذين تتمثل مهمتهم في الدفاع عن الرئاسة تحت أي ظرف وبأي ثمن.

لقد باتت الولايات المتحدة تشبه جمهورية رئاسية فاسدة، فرغم تراجع الحالة الذهنية للرئيس المسن، إلا أن النظام مصمم على إبقائه في منصبه، وهذا يذكرني بالرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الذي ترشح لولاية خامسة رغم عجزه عن المشي!

بالنسبة لمؤيديه المتطرفين في الساحة السياسية، فإن الرئاسة الإمبراطورية هي واجهة فلا يهم من هو المسؤول، لأن البيروقراطية الدائمة في النظام هي التي تدير كل شيء، وهذا ما ظهر حتى في ولاية ترامب، حين تراجع عن كثير من أفكاره الغريبة خلال فترة رئاسته.

الحقيقة أن بايدن وترامب كلاهما كبيران في السن، ومثلما سوف يتم إخبارنا مرارًا وتكرارًا بأن خطأ بايدن في النطق ضمن “النطاق الطبيعي”، سيكون الأمر كذلك مع ترامب فهو أيضاً عرضة للزلات خاصة مع لغته الضعيفة تعبيرياً، ولكنه يظل شاباً إذا ما قورن ببايدن إن صح التعبير!

في حالة ترامب، هناك أسباب حقيقية أخرى للخوف أهمها سعيه إلى تحويل “الديمقراطية” الأميركية المكسورة والتي يسيطر عليها المال إلى دكتاتورية الرجل الواحد، ومع ذلك، فهذا التخوف ليس سبباً كافياً لتحويل دعم الناخبين نحو بايدن خاصة مع حالته الصحية.

وكما كانت الحال دائماً، فإن المؤسسة الديمقراطية، بدلاً من تقديم بديل حقيقي للرئاسة، تخدم في المقام الأول الشركات المانحة والمجمع الصناعي العسكري، ولذلك تفضل تتويج رجل يبلغ من العمر 81 عاماً على المجازفة برئيس حقيقي يهدد تلك المصالح.

وفي هذه الحالة، ينبغي على الديمقراطيين إقناع بايدن بالإعلان عن أنه لن يترشح، والسماح بإجراء انتخابات تمهيدية حقيقية من الآن وحتى يونيو من أجل العثور على مرشح جديد، ومواجهة ترامب بدماء جديدة. 

ولا يبدو هذا السيناريو مستحيلاً، فقد تمكن الاتحاد السوفييتي سابقاً من العثور على ميخائيل جورباتشوف بعد وفاة 3 من القادة المسنين في مناصبهم.

ومع ذلك، فمن المرجح أن تبذل النخبة الديمقراطية، مثلما فعل الديوان الملكي في القرن 18، كل ما في وسعها لإبقاء بايدن في مكانه والمخاطرة بخسارة ساحقة أمام ترامب في نوفمبر القادم.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة