بقلم لبنى مصاروة
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
كشفت أحداث الأسبوعين الماضيين عن مدى سهولة إدارة العالم الغربي ظهره للفلسطينيين في أوقات الأزمات.
ما جرى في جنوب إسرائيل يوم 7 تشرين الأول/ اكتوبر كان مروعاً، كلنا ضد قتل المدنيين، لكن وفي الوقت الذي أبدى فيه الغرب تضامنه مع الضحايا الإسرائيليين فقد التزم الصمت المروع حيال الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين في غزة، بل وشجع ارتكابها.
وفي كافة أرجاء فلسطين التاريخية، يشعر جميع الفلسطينيين وكأننا نتحمل المسؤولية وندفع ثمن إخفاق إسرائيل في الحفاظ على الأمن على طول السياج الفاصل عن غزة، فمن تجمعات 1948 إلى القدس والضفة الغربية المحتلة، نشعر أننا مستهدفون على أساس هويتنا.
كل ما نسمعه هو أن الدول الغربية تقدم دعمها الكامل لإسرائيل، التي تستخدم هذا الدعم غطاءً لارتكاب الجرائم واعتقال الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم الإنسانية في أي مكان في البلاد.
أنا أقيم في القدس، لم يعد الفلسطينيون هنا يشعرون بالأمان، التوتر شديد، حتى في الطريقة التي ينظر بها الناس إلى بعضهم البعض.
حين تسير في شوارع القدس، لم تعد ترى الناس العاديين، فقط تشاهد الشرطة وقوات الأمن الخاصة.
أعداد متزايدة من المدنيين (الإسرائيليين) باتوا يمتشقون السلاح في الشوارع ومراكز التسوق، لقد أصبح بعض الإسرائيليين يتسلحون ببنادق إم 16بعد أن أوعز وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير بتوزيع آلاف القطع من السلاح وتخفيف شروط شراء الأسلحة عن الجمهور.
وفي إحدى الحوادث، أوقفت مجموعة من الإسرائيليين المسلحين سيارة فلسطيني وانتزعوا مقعد طفل منها وألقوه في الشارع، ثم عمدوا إلى تفتيش السيارة بعدما منحتهم الدولة الإسرائيلية إذنًا ضمنيًا لممارسة هذا الشكل من المضايقات.
محاصرين في المنزل
العديد من أصدقائي من القدس الشرقية المحتلة لم يعودوا يذهبون إلى العمل، البعض منهم تعرض للضرب، بإمكان الجيش أن يوقفك لمجرد نزوة ويفحص هاتفك المحمول، وإذا وجد الجنود أغنية عن فلسطين أو منشورًا عن غزة فباستطاعتهم مصادرة جهازك وضربك واعتقالك.
يبدو الأمر كما لو أننا نعيش في قاعدة عسكرية، وفي عدد من المواقع تم وضع كتل إسمنتية على مخارج أحياء الفلسطينيين.
منسوب التوتر مرتفع للغاية، لم أعد أغادر المنزل، إلا إذا اضطررت للخروج لتغطية قصة ما، يشعر الفلسطينيون وكأننا جميعاً قد اعتبرنا مذنبين بين عشية وضحاها.
حين تبدو فلسطينياً، سوف توقفك مجموعات المسلحين من المستوطنين وميليشيات القوات الخاصة في الشوارع، لا أحد منا يريد مغادرة منزله، ولا حتى للبقالة أو لعيادة الطبيب.
الإسرائيليون المتطرفون يحثون الآخرين على قتل جيرانهم العرب، بما في ذلك النساء والأطفال والرضع.
لم نعد نحس بالأمان عندما نتحدث بلغتنا، الأصدقاء الفلسطينيون باتوا يتبادلون أحاديثهم في الشوارع بالعبرية أو بالإنجليزية، ولم يعودوا يجرؤون على التحدث بالعربية في الأماكن العامة، لقد تم طرد العديدين أو إيقافهم عن العمل لمجرد إظهارهم التضامن مع غزة.
هناك مليوني مواطن فلسطيني في إسرائيل، قائد الشرطة الإسرائيلية، كوبي شبتاي قال يوم الثلاثاء:” نرحب بأي شخص يريد التضامن مع غزة، سأضعه في الحافلات التي سترسله إلى هناك”.
وقد وجد أصدقائي صورهم وتفاصيل أخرى عن حياتهم منشورة على مجموعات التواصل الاجتماعي التي تم إنشاؤها لاستهداف الفلسطينيين، إنها دعوة جماعية للانتقام، لا يمكننا أن نشعر بالأمان في هذه البيئة.
يدعو إلى الإبادة الجماعية
السرعة التي تفشت بها هذه الفاشية في جميع أنحاء البلاد مذهلة، لطالما آمنت بوجود مساحة مشتركة يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يجتمعوا فيها معًا ويعملوا من أجل السلام، لكن التحول في الأيام الأخيرة كان هائلاً، الذين وصفوا أنفسهم ذات يوم بأنهم يساريون إسرائيليون باتوا الآن يدعون إلى محو غزة.
يبدو الأمر كما لو أن الدولة بمجملها تدين الآن بالإبادة الجماعية، هذه هي اللغة التي نسمعها من السياسيين والمشاهير والأكاديميين والناس العاديين، يشعر الكثيرون أن إسرائيل تعمل على صنع نكبة ثانية، والعالم لا يفعل شيئًا لوقفها، يتجاوز الإسرائيليون الخطوط الحمراء ويستخدمون الوضع الحالي لتعزيز الفصل العنصري والتطهير العرقي والنكبة الثانية.
وفي الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، قُتل ما لا يقل عن 69 فلسطينيًا خلال الأيام الثلاثة عشر الماضية، الفلسطينيون يتعرضون لهجوم من قبل المستوطنين، الشرطة والجيش لا يقدمون شيئاً لحمايتهم، وبدلاً من ذلك، يواجه الفلسطينيون اعتقالات جماعية إذا تجرأوا على إظهار الدعم لغزة.
الحال مرعب، نحن ندخل حقبة جديدة تبدو أسوأ حتى من الحكم العسكري.
وفي غزة، قُتل أكثر من 4000 شخص في القصف الإسرائيلي، بما في ذلك أكثر من 1500 طفل، وأصيب آلاف آخرون، لقد تم تدمير مدينة غزة، فيما يكافح الناس من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية: الماء والكهرباء والرعاية الطبية، الأمهات الحوامل في أزمة، والأطفال يتركون في المستشفيات دون أن يلتقطهم أحد لأن آباءهم قُتلوا.
والغرب مازال يدعم إسرائيل ويسلحها، نحن نرى العنصرية الغربية بكل قسوتها، حيث تعتبر حياة الفلسطينيين أقل قيمة بطبيعتها، إن أسوأ أنواع الرعب هو صمت الغرب وتواطؤه مع إسرائيل في ارتكاب المذابح التي لا توصف.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)