بقلم ريتشارد فولك
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في خضم المواقف العاطفية حول هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر الذي شنته المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل والهجوم الإسرائيلي الذي تلاه على غزة، يبدو أن القادة الإعلاميين والسياسيين قد نسوا أن غزة هي أرض محتلة تخضع لاتفاقية جنيف الرابعة من وجهة نظر القانون الدولي.
وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت قد أعلنت من جانب واحد “فك الارتباط” عن غزة عام 2005، حيث سحبت قواتها، وفككت 21 مستوطنة وأخلت 8000 مستوطن، ومنحت كل أسرة من سكان تلك المستوطنات غير القانونية مئات الآلاف من الدولارات على سبيل التعويض، إلا أن كل ذلك لم ينه التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.
وقد توصل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى هذه الخلاصة على أساس أن فك الارتباط الإسرائيلي لم ينهِ حقيقة السيطرة الإسرائيلية على غزة، كما أنه لم يسمح للقطاع بالانتفاع من مزايا التنمية السياسية كبلد مستقل.
بل إن عملية الانسحاب تضمنت إعادة انتشار تتيح لقوات الجيش والشرطة المحتلة بالتدخل على حدود غزة، بما في ذلك السيطرة الكاملة على دخول وخروج الفلسطينيين والبضائع عبر المعابر الحدودية، فضلاً عن استمرار السيطرة على المجال الجوي والبحري في غزة.
تم تعزيز تلك البنية الاحتلالية بعد عام 2005 عبر عمليات التوغل الإسرائيلية المتكررة، والاغتيالات الموجهة لمسؤولين سياسيين وعسكريين في حماس، وخرق حواجز الصوت من قبل المقاتلات الجوية الإسرائيلية التي تحلق فوق القطاع، والعمليات العسكرية الكبرى التي شنتها إسرائيل في الأعوام 2008-2009، و2012، و2014، و2021، والتي ارتكبت إسرائيل خلالها العديد من جرائم الحرب.
علاوةً على ذلك، ترك الحصار القاسي والعقابي المفروض على القطاع منذ العام 2007 سكان غزة الفقراء أساساً يواجهون أعلى معدل بطالة في العالم وتدهور اقتصادي يهدد حياتهم الجماعية.
وقد وثق تقرير غولدستون الصادر عن الأمم المتحدة عام 2009 سجل إسرائيل الإجرامي تجاه غزة بشكل ملحوظ، لكن توصيات ذلك التقرير ظلت دون تنفيذ بسبب الضغوط السياسية التي مورست لصالح إسرائيل.
تكررت إدانة السياسات والممارسات الإسرائيلية دون اتخاذ أي إجراء وقائي أو عقابي بناءً عليها مرارًا وتكرارًا، الأمر الذي يفسر خيبة الأمل الفلسطينية تجاه الأمم المتحدة والقانون الدولي.
رد غير متناسب
إن مسألة الوضع القانوني لغزة وثيقة الصلة بعمليات الانتقام الإسرائيلي العشوائي وغير المتناسب، والذي بررته إسرائيل وأنصارها باعتباره انتقاماً صارماً في حين تسعى إسرائيل من خلاله إلى تحقيق هدفها في تدمير حماس.
لقد كانت العملية التي نفذها المقاتلون الفلسطينيون داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي وأسر حوالي 200 رهينة، بمثابة جريمة حرب واضحة في حد ذاتها.
لم يلتزم هجوم المقاتلين الفلسطينيين ولا رد فعل إسرائيل بقيود القانون والأخلاق، وببساطة فإن الجرائم المرتكبة لا تمنح جرائم الحرب الإسرائيلية الانتقامية، في المقابل، حصانةً قانونيةً.
ويفتقد الخطاب العام نقطةً مركزيةً هي: مثلما لم تكن لدى الفصائل الفلسطينية المسلحة أي صلاحية لارتكاب جرائم حرب بسبب تعرضها لاستفزاز مكثف نتيجة لعقود من الأعمال الإجرامية الإسرائيلية، فإن إسرائيل لا تملك كذلك الحق للتصرف خارج قيود القانون عند ممارسة الانتقام.
لقد غاب التأطير الدولي المناسب للعلاقة بين إسرائيل وحماس بشكل واضح عن معظم المعالجات الإعلامية والمواقف السياسية للقادة السياسيين الغربيين النافذين.
وبفشلها في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، تمنح الدول الغربية الضوء الأخضر لإسرائيل لارتكاب جرائمها المتعلقة بالعقاب الجماعي.
لقد استخدمت إسرائيل اللغة الأكثر تحريضاً وشموليةً لتبرير ردودها الانتقامية، وقد حظي هذا التطرف الإسرائيلي المتجاوز للقانون بتأييد حكومات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
تتجاهل هذه التصريحات الإشارة إلى التزام قوة الاحتلال بإدارة الأراضي الخاضعة لسيطرتها بطرق تعطي الأولوية لحماية السكان المدنيين الخاضعين للاحتلال ورفاهيتهم فيما يتمتع المحتل بحق الحفاظ على أمنه بطرق تحترم وتحمي غير المقاتلين.
ومن هذا المنظور، فمن المضلِل مفاهيمياً ومن غير المقبول معيارياً أن تعلن إسرائيل الحرب على أرض محتلة، كما لو كانت السلطة الإدارية المحلية حكومة أجنبية معادية، ولكن هذا هو بالضبط ما فعلته إسرائيل، بما في ذلك ادعاءاتها بالدفاع عن النفس التي لا تتناسب مع حالة الاحتلال الحربي.
حصار الإبادة الجماعية
لقد أعلنت إسرائيل حرباً شاملة على غزة، وفرضت حصاراً يقود إلى الإبادة الجماعية عبر قطع إمدادات الغذاء والكهرباء والوقود، ولم تضع على الإطلاق أي استثناء لإعفاء المدنيين الذين ليس لأغلبهم أي ارتباط مباشر بالأنشطة العسكرية لحماس.
وتنص المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة على واجب إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة، في ضمان حصول السكان الذين يعيشون في الأراضي التي “تحتلها” على ما يكفي من الغذاء والماء والدواء.
غير أن الانتقام الإسرائيلي العشوائي شمل القصف الجوي الليلي المتكرر للمناطق السكنية والاستهداف المحظور للمستشفيات والمدارس ومباني الأمم المتحدة التي لجأ العديد من الفلسطينيين إليها طلباً للمأوى في ظل هذه الظروف الاستثنائية، فيما تواطأت الولايات المتحدة في حملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد أطفال غزة.
لقد تفاقمت مشكلة توفير وقت معقول لترتيب النزوح الخطر من أماكن الإقامة الدائمة بسبب عدم وجود مكان آمن وصالح للسكن يمكن للفلسطينيين الذهاب إليه، مما أدى إلى تفاقم المخاطر والمعاناة التي يواجهها المدنيون في غزة.
ويرقى مثل هذا الإجراء إلى مستوى العقاب الجماعي الشديد، وهو ما تحظره المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، حيث لا يتعلق الأمر بالأمن بقدر ما يتعلق بطرد الفلسطينيين من غزة، وبالتالي تنفيذ الأهداف النهائية للحكومة الائتلافية المتطرفة في إسرائيل.
ومن الجدير بالذكر أن مايكل لينك، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بفلسطين، قدم تقريرًا مفصلاً إلى الوكالة يسوغ فيه ضرورة إنهاء سلطة إسرائيل كقوة احتلال، نظرًا لفشلها في الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وقد تجاهلت الأمم المتحدة هذه التوصية، لكن الجمعية العامة كانت منزعجة بدرجة كافية من نمط السلوك الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، لدرجة أنها طلبت فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن استمرار شرعية وضع إسرائيل كقوة احتلال في إطار مقررات اتفاقية جنيف الرابعة، والقضية قيد النظر من قبل المحكمة حالياً.
إذا واصل الغرب دعم المعايير المزدوجة التي ظهرت خلال الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة، فسيكون ذلك بمثابة تذكير بأن عالم ما بعد الاستعمار يحتفظ بروح العنصرية الاستشراقية حين يتعلق الأمر بمعالجة قضايا السلام والعدالة في الشرق الأوسط. شرق.
ومن خلال فشلها في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، قدمت الدول الغربية الضوء الأخضر لأجندة إسرائيل المتمثلة في العقاب الجماعي، والتي قد تكون في حد ذاتها غطاءً بشعًا للهدف الإسرائيلي النهائي المتمثل في نزع الملكية الجماعية والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)