بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
أنتجت وحدة التحقيقات في قناة الجزيرة مؤخراً فيلماً وثائقياً يحكي قصة ما حدث بالفعل في 7 أكتوبر، مستنداً إلى أدلة الطب الشرعي، مُتّزِناً ودقيقاً.
الفيلم لا يخفي تفاصيل جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس، ولكنه يكشف كيف أن العديد من الروايات المروعة التي ظهرت من مصادر إسرائيلية كانت كاذبة.
لقد كانت القصص التحريضية العميقة، سواء كانت تتعلق بادعاءات الاغتصاب الجماعي أو قطع رؤوس الأطفال وحرقهم، إما غير مدعومة بالأدلة أو بأكاذيب صريحة، ومع ذلك، فقد مهدت الطريق لوحشية قاتلة تجسدت في الهجوم الإسرائيلي الذي أعقب ذلك على غزة!
أظهر فيلم قناة الجزيرة أن هذه الروايات لم تكن صحيحة، وذلك من خلال فحص قائمة القتلى والتي تبين منها أن توأمين يبلغان من العمر 12 عاما قد قُتلا عندما اقتحمت الشرطة والجنود المنزل في بئيري، ولم يكن هناك أطفال آخرون في ذلك الموقع، كما يشير الفيلم الوثائقي
يقوم فيلم الجزيرة على تحليل دقيق لكيفية دخول هذه الحسابات إلى الفضاء العام والتأثير فيه، حيث يتضمن نظرة على “زاكا”، وحدة الاستجابة للطوارئ الإسرائيلية المكونة من مسعفين مدربين يتعاملون مع الأحداث الإرهابية وجرائم القتل، حيث يظهر الفيلم كيف قدمت زاكا تفاصيل عن فظائع لم تحدث قط، بما في ذلك فظائع أطفال محروقين وقطع رؤوسهم، والتي تصدرت عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم واستخدمتها إسرائيل لأقصى قدر من التأثير الدعائي لكسب التعاطف.
وفقاً ليوسي لانداو، أحد موظفي زاكا، فإن “حماس أحرقت حتى الموت كومتين من 10 أطفال لكل منهما في منزل في كيبوتس بئيري”، وهي الرواية التي انقضت عليها وسائل الإعلام، ورددها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حديث مع الرئيس الأميركي جو بايدن بقوله: “أخذوا عشرات الأطفال وقيدوهم وأحرقوهم وأعدموهم”.
تقارير حيوية
أظهر فيلم قناة الجزيرة أن هذه الروايات لم تكن صحيحة، وذلك من خلال فحص قائمة القتلى والتي تبين منها أن توأمين يبلغان من العمر 12 عاما قد قُتلا عندما اقتحمت الشرطة والجنود المنزل في بئيري، ولم يكن هناك أطفال آخرون في ذلك الموقع، كما يشير الفيلم الوثائقي.
تكشف القائمة أيضاً أن طفلين آخرين قد توفيا في 7 أكتوبر عندما أحدهما برصاصة أطلقت عبر الباب، بينما توفي الآخر بعد عملية قيصرية طارئة بعد إصابة الأم بالرصاص، لكن لم يتم حرق أو قطع رأس أي طفل!
“العنف الجنسي وأشكال العنف الأخرى تستخدم كسلاح لتجريد العدو من إنسانيته، والتجريد من الإنسانية أمر مهم في الصراع، لأنه يخفض الحد الأدنى الذي ستوافق فيه على مهاجمة أو إيذاء مجموعة من الناس، وكيف تفعل ذلك؟ أن تراهم دون البشر” – الباحث البريطاني مارك أوين جونز
تظهر الجزيرة أيضًا أنه لا يوجد دليل جدي يدعم مزاعم الاغتصاب، موضحة الحقائق المعروفة قبل أن تقتبس عن المحامية البريطانية مادلين ريس من الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية قولها: “لم أر شيئًا من هذا القبيل، حيث تشير التقارير المقدمة حتى الآن إلى أن الاغتصاب كان منتشرًا وممنهجاً”.
المهم في الأمر هنا، لماذا قامت الجزيرة بإنتاج فيلم كهذا؟ مدروس بعناية و مليء بالأدلة؟ في الوقت الذي لم تتمكن فيه بي بي سي أو ITN أو سكاي نيوز أو وحدة التحقيق الشهيرة في “صنداي تايمز” فعل ذلك؟! ماذا عن ديلي ميل أو ديلي إكسبريس؟ أو الصحف القوية مثل صحيفة التايمز اللندنية؟!
قد تكون الإجابة بسيطة، وهي أن الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الرئيسية في المملكة المتحدة كان يتركز على الترويج للروايات الإسرائيلية وتأييدها وإن كان ملفقة ما دامت عن أحداث 7 أكتوبر!
على صفحاتها الأولى، قامت صحف “إكسبريس” و”ديلي ميل” و”التايمز” و”الإندبندنت” و”مترو” بنشر قصص تضخم المزاعم الإسرائيلية حول مقتل 40 طفلًا، فصحيفة ديلي ميل مثلاً، كتبت في صفحتها الأولى: “كانت هذه محرقة واضحة وبسيطة”، ووفقاً لأحد عناوين صحيفة التلغراف: “لم يكن على إسرائيل أن تثبت أن حماس ذبحت الأطفال”.
تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم
لقد قدمت التقارير الأولى عن الأطفال المحروقين ورؤوسهم المقطوعة حماس على أنهم برابرة همجيون على غرار تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك لاستخدام ذلك في تبرير وحشية إسرائيل تجاه السكان الفلسطينيين في غزة.
عرضت وسائل الإعلام البريطانية السائدة نفسها إلى تهمة التواطؤ في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وهو ما فتح بدوره الطريق أمام الإبادة الجماعية في غزة!
في خطاب له في الأمم المتحدة، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، إيلي كوهين، قائلاً: “أسمع الدعوات لوقف إطلاق النار، ولكن أخبروني ما هو الرد المتناسب مع قتل الأطفال واغتصاب النساء وحرقهن وقطع رؤوس الأطفال؟ إن الرد المتناسب مع مجزرة 7 أكتوبر هو التدمير الشامل حتى آخر ذرية لحماس”.
وعلى حد تعبير السيناتور الجمهوري الأمريكي ماركو روبيو: “لا أعتقد أن هناك أي طريقة يمكن أن نتوقع من إسرائيل أن تتعايش بها أو تجد شكلاً دبلوماسيًا مع هؤلاء المتوحشين”!
أما الباحث مارك أوين جونز، الذي نقلت عنه قناة الجزيرة، فإنه يرى أن “العنف الجنسي وأشكال العنف الأخرى تستخدم كسلاح لتجريد العدو من إنسانيته، والتجريد من الإنسانية أمر مهم في الصراع، لأنه يخفض الحد الأدنى الذي ستوافق فيه على مهاجمة أو إيذاء مجموعة من الناس، وكيف تفعل ذلك؟ أن تراهم دون البشر”.
في هذا السياق، فإن فيلم الجزيرة يفعل أكثر بكثير من مجرد تصحيح السجل الخاص بالأحداث التي وقعت يوم 7 أكتوبر، فهو يثير مخاوف جدية حول فشل وسائل الإعلام البريطانية في التشكيك في الرواية الإسرائيلية.
الحقيقة أن ممارسة التشكيك والتدقيق الصحفي قد تُركت بالكامل لوسائل الإعلام غير السائدة، منها Grayzone وIntercept والانتفاضة الإلكترونية ومجلة موندويس، وفي الوقت نفسه، فقد عرضت وسائل الإعلام البريطانية السائدة نفسها إلى تهمة التواطؤ في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وهو ما فتح بدوره الطريق أمام الإبادة الجماعية في غزة!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)