روسيا تضغط على العراق لفتح أجوائه للطائرات العسكرية المتجهة لسوريا

صرح مسؤولون عراقيون بأن روسيا طلبت من الحكومة العراقية إعادة فتح مجالها الجوي أمام طائرات الجيش الروسي لنقل القوات والمعدات إلى قواعده في شرق سوريا.

وأوضح المسؤولون أن الممر الجوي الروسي السوري والذي يمر عبر الأجواء العراقية سيكون أقصر الطرق وأقلها تكلفة لموسكو، بعد أن أغلقت تركيا مجالها الجوي أمام الطيران المدني والعسكري الروسي في نيسان/ أبريل من العام الماضي.

نشرت روسيا قواتها في سوريا بطلب من الرئيس بشار الأسد في العام 2015، للحفاظ على موقف الأسد ولقمع الثورة السورية وتعزيز طموحات روسيا الإقليمية ونفوذها، لذا فإن الحفاظ على وجودها يمثل أولوية لكل من موسكو ودمشق.

في البداية، واجهت روسيا مشكلات قليلة في استخدام الأجواء العراقية لتسيير رحلات جوية من وإلى سوريا، لكن قيودًا فرضتها حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي بحجة أن [الرحلات الجوية الروسية] كانت تهدد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا.

وقال دبلوماسي رفض الكشف عن هويته او اسم بلده إنه منذ استبدال الكاظمي بمحمد شياع السوداني في تشرين الأول/ أكتوبر بدأت هذه القيود في التراجع.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد زار بغداد الشهر الماضي برفقة وفد كبير من الدبلوماسيين ورجال الأعمال، والتقى الوفد بعدد من القيادات العراقية، بينهم السوداني والرئيس عبد اللطيف رشيد ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.

وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال الزيارة، إن الطرفين العراقي والروسي ناقشا سبل تعزيز العلاقات بين “البلدين الصديقين” وآليات سداد ديون الشركات الروسية العاملة في العراق، التي واجهت بغداد صعوبات في سدادها بعد أن فرضت دول غربية عقوبات على موسكو ردا على غزو أوكرانيا.

لكن الدبلوماسي واثنان من مستشاري السوداني أفادوا بأن لافروف ناقش ثلاثة ملفات مع رئيس الوزراء العراقي، أحدها كان ديون العراق المستحقة للشركات الروسية.

وقال الدبلوماسي “الدين الروسي المستحق على العراق قد يصل إلى مليار دولار وهذا الرقم لا يعني شيئا لروسيا ولا يمثل أولوية بالنسبة لموسكو”.

تأخير تصاريح الطيران

الحصول على حق الوصول للرحلات الجوية العسكرية عبر العراق وتفعيل التحالف الأمني الروسي – السوري – الإيراني – العراقي “هما أهم ملفين ناقشهما لافروف مع السوداني”.

كان هذا التحالف قد تأسس في عام 2015 لتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، غير أن الاهتمام بالتحالف قد تراجع بعد هزيمة التنظيم.

وقال الدبلوماسي إن “الحكومة الجديدة منحت ثلاثة تصاريح (طيران) للروس خلال الأشهر القليلة الماضية، لكن الجانب الروسي لم يتسلمها إلا قبل وقت قصير من انتهاء فترة صلاحيتها، ولم يستفيدوا منها”.

وقال الدبلوماسي إن قيادة العمليات العسكرية العراقية المشتركة تأخرت في إرسال هذه التصاريح إلى الروس لأسباب غير واضحة، “ولم يكن هناك وقت كاف لتجهيز الشحنات”.

وأوضح أن “استخدام الأجواء العراقية أصبح ضرورة بالنسبة للروس بعد التطورات الأخيرة، واستخدام ممرات أخرى سيكون أطول وأكثر تكلفة ويتطلب موافقة الدول الأخرى”.

كما أكد اثنان من مستشاري السوداني رفضا أيضا الكشف عن هويتهما أن لافروف طلب من السوداني استئناف منح الإذن للطائرات العسكرية الروسية لاستخدام المجال الجوي العراقي لمرور “الدعم اللوجستي” للقوات الروسية في سوريا، لكنهما قالا إن الحكومة العراقية ما زالت تناقش خياراتها.

وقال أحدهم “الروس يستخدمون الأجواء العراقية لهذا الغرض منذ سنوات لكن الوضع حرج في الوقت الحالي، والروس أنفسهم يدركون تلك الحساسية، ولن يضعوا العراق في زاوية حرجة”.

المتأخرات الروسية

تعد روسيا واحدة من أكبر المستثمرين في العراق، حيث تتجاوز استثماراتها السنوية 13 مليار دولار، معظمها في قطاع الطاقة، كما أنها من أهم موردي المعدات العسكرية لقوات الأمن العراقية.

لكن العقوبات الغربية جعلت بغداد تكافح من أجل أن تدفع للشركات الروسية العاملة في العراق ما تدين به لها مقابل الخدمات المختلفة التي تقدمها.

ونتيجة لذلك، تبلغ ديون وزارة النفط لشركة غازبروم ولوك أويل حوالي 770 مليون دولار، في حين أن وزارة الدفاع تدين بحوالي 650 مليون دولار إضافية للمعدات العسكرية، حسبما قال مسؤولون.

وقال الدبلوماسي إن منح شركات الطاقة حصة من النفط المنتج بدلا من النقد هو أحد الاقتراحات لتسوية بعض تلك الديون.

وأضاف الدبلوماسي: “المشكلة في ديون وزارة الدفاع، وقد تستخدمها روسيا كورقة ضغط”.

الضغط في سوريا

ليس لروسيا نفوذ كبير في العراق مقارنة بالولايات المتحدة وإيران، ومن الواضح أن العراق غير معني بموضوع الديون الروسية.

وخلال زيارة لافروف اتفقت روسيا والعراق على تشكيل لجنة لإيجاد طريقة لسداد الديون، لكنها بحسب الدبلوماسي لم تلتق بعد “والجانب العراقي لم يعتبر هذه المسألة أولوية أو عاجلة”.

وأكد مستشارو السوداني أن “الأمور جيدة” مع الروس، و “لا شيء يزعج العلاقات السلمية بين البلدين”.

واستبعد الدبلوماسي أن تمارس روسيا ضغوطا على الحكومة العراقية داخل العراق إذا رفضت استخدام موسكو لمجالها الجوي، كما استبعد مسؤولون عراقيون انسحاب شركات النفط الروسية من العراق.

وقال مسؤول عراقي كبير إن روسيا “لن تضحي بالنفوذ الذي تؤمّنه لها هذه الشركات، لكنه قد يوقف عقود توريد المعدات العسكرية وصيانة الاسلحة الروسية التي تستخدمها وزارة الدفاع “.

ومع ذلك، لم يستبعد الدبلوماسي والمسؤولون العراقيون أن تبدأ روسيا في الضغط على العراق بشكل غير مباشر في سوريا، وقال “هذا يفسر مطالبة روسيا بتفعيل الاتفاقية الأمنية الرباعية”.

وأوضح بالقول: “العراق جزء حيوي من نظام الطاقة العالمي، وخاصة الآن، حيث يتفق جميع اللاعبين الدوليين الرئيسيين على أن الاستقرار في العراق أمر لا بد منه، وعليهم جميعًا الحفاظ عليه”.

وأثنى المسؤولون على هذا الرأي بالقول إن كلاً من روسيا وشريكتها إيران تعلمان أن أي محاولة لزعزعة استقرار العراق ستثير رد فعل شرس وستأتي بثمن باهظ، لذلك من غير المرجح أن تشهد أي “ألعاب” في العراق نفسه في المستقبل القريب.

وقال أحد المسؤولين: “الساحة السورية هي مرشح قوي لبعض الألعاب، لكن لها أيضًا موازينها الخاصة، ولن تكون اللعبة هناك بين الولايات المتحدة وروسيا بشكل مباشر، فكل منهما سيستخدم أدواته في المنطقة وحلفائه المحليين والإقليميين، وهذه قصة مختلفة”.

مقالات ذات صلة