“ريفييرا غزة”.. وهم استثماري يخفي مشروع تطهير عرقي

بقلم شون ماثيوز

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

تكشف خطة وضعتها شخصيات مقربة من دولة الاحتلال لإعادة تشكيل غزة وتحويلها إلى ما يشبه “دبي جديدة”، أنها ليست مجرد مشروع اقتصادي ضخم، بل غطاء سياسي يهدف إلى تكريس التهجير القسري للفلسطينيين، وفق ما يؤكده خبراء ومراقبون.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن إزالة نحو 42 مليون طن من الركام الناتج عن قصف الاحتلال العنيف ستكلف وحدها حوالي 600 مليون دولار، قبل حتى الشروع في تأسيس البنية التحتية الأساسية الجديدة من شبكات مياه وصرف صحي وكهرباء، ناهيك عن الأبراج الشاهقة والقنوات ومراكز البيانات المتطورة التي تتصورها الخطة.

وقد قورنت شدة قصف جيش الاحتلال لغزة بما تعرضت له ألمانيا النازية من قصف جوي على يد الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن شدة القصف على غزة تجاوزت ذلك.

لكن الخبير المعماري والمؤرخ مارك يارزومبك من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يرى أن أوجه المقارنة تتوقف عند هذا الحد.

ويقول يارزومبك لـ ميدل إيست آي أنه “أعيد إعمار ألمانيا بفضل خطة مارشال”، مشيراً إلى البرنامج الأمريكي الذي قدم قروضاً لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب. 

ويضيف أن الفارق مع غزة يكمن فق أن”خطة مارشال استندت إلى طبيعة ألمانيا الصناعية التي حولتها إلى قوة تصديرية استخدمت هذه الموارد لتسديد القروض”. 

ويتساءل في المقابل: “فما الذي كان لدى غزة قبل الحرب؟ الزيتون والسمك؟ والسؤال هنا: أي مؤسسات مالية رسمية يمكن أن تمول مثل هذا المشروع؟”.

“غطاء سادي” للتهجير

وكُشفت صحيفة واشنطن بوست النقاب عن تفاصيل الخطة عبر عرض شرائح من 38 صفحة، بعد تسريبها لأول مرة لـ فايننشال تايمز.

ويقف وراء الخطة رجل الأعمال الإسرائيلي-الأمريكي مايكل آيزنبرغ ورجل التكنولوجيا الإسرائيلي ليران تانكمان، وهو ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية.

وسبق أن طرح الرجلان مبادرات مشابهة في غزة، أبرزها “مؤسسة غزة الإنسانية” عام 2023، والتي سرعان ما فقدت مصداقيتها.

 وتعيد خطتهما الحالية أصداء ما كان قد طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حين دعا إلى تهجير الفلسطينيين من غزة “طوعاً” إلى منطقة محدودة بمساكن مؤقتة، وهو مشروع تراجع عن الحديث عنه علناً لاحقاً.

ويرى يارزومبك أن ما يطرح ليس سوى “غطاء سادي” لمخطط الاحتلال بتحويل غزة إلى ما وصفه بـ”منطقة محطمة”.

وقال: “الناس على الأرض لا قيمة لهم، أولاً سيُقتَل الفلسطينيون، ثم يُنقلون قسراً، وباسم التنمية، لن يكترث أحد للمُهجّرين”.

فاتورة خيالية وخطط واهية

ومن بين أكثر الأرقام لفتاً للانتباه في الخطة هو تقدير تكلفتها بحوالي 100 مليار دولار، مع تأكيد القائمين عليها أنها لن تعتمد على تمويل أمريكي، بل على استثمارات مشتركة بين القطاعين العام والخاص.

ويرى بعض المحللين أن الرقم ليس مستحيلاً نظرياً، إذ بلغت كلفة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في مصر وهي مدينة صحراوية بُنيت من الصفر نحو 60 مليار دولار، بينما دفعت الإمارات 35 مليار دولار مقابل حقوق تطوير مساحات واسعة من الساحل المتوسطي المصري.

لكن خبراء آخرين يحذرون من أن خطة الاحتلال تستهدف بشكل رئيسي رؤوس الأموال الخليجية، في وقت يشهد فيه الخليج ضغوطاً اقتصادية متزايدة.

ويقول جيم كراين، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة رايس ومؤلف كتاب مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية أنه “وفي ظل أسعار النفط الحالية، لا توجد وفرة من رؤوس الأموال الأجنبية لإعادة إعمار غزة، لقد احترقت أصابع دول الخليج من قبل، فكلما استثمروا في إعادة البناء، دمره جيش الاحتلال مجدداً”.

ويشير كراين إلى أن السعودية صاحبة الاقتصاد العربي الوحيد ضمن مجموعة العشرين تعاني أصلاً في تلبية التزامات “رؤية 2030″، إذ اضطرت إلى الاستدانة بمستويات قياسية، بل وبدأت تخفف من مشاريع عملاقة مثل “نيوم”.

“دبْيَفَة” غزة؟

ومع ذلك، فإن القائمين على الخطة يراهنون على ما يسمى بـ”دُبْيَفَة” المنطقة، أي استنساخ نموذج دبي العمراني والاستثماري في مدن أخرى.

فقد أعيد تطوير وسط بيروت بعد الحرب الأهلية عبر شركة سوليدير التي اشترت عقارات الأهالي بأثمان بخسة، وفي الأردن وتونس ومصر، شُيّدت أبراج ومراكز تجارية فاخرة رغم الأزمات الاقتصادية المستمرة هناك.

أما دبي نفسها فقد بنت جزءاً من نهضتها العمرانية عبر عوائد النفط المحدودة في الثمانينيات، لكن انطلاقتها الحقيقية جاءت بفضل رؤوس أموال أجنبية تبحث عن ملاذات ضريبية.

وعليه، يرى محللون أن تحويل غزة بعد تهجير سكانها إلى مدينة أبراج لامعة ليس مستبعداً من الناحية الفنية، خاصة وأن سوق العقارات في دولة الاحتلال يقوم أصلاً على استثمارات الجاليات اليهودية بالخارج.

ويقول ياسر الششتاوي، أستاذ العمارة بجامعة كولومبيا وخبير العمران بالشرق الأوسط أن “النموذج قابل للتطبيق من الناحية المالية”. 

ويوضح ذلك قائلاً: “غزة مختلفة لأنها تشهد إبادة جماعية، لكن المال ليس المشكلة بل التداعيات السياسية والاجتماعية، فبمجرد محو غزة من الوجود، ستتحول إلى عقار ذهبي”.

ويضيف الششتاوي أن السعودية ليست الوجهة الأهم لمثل هذه الاستثمارات، بل الإمارات، موضحاً أن “المستثمرين الإماراتيين بانتظار القفز إلى المشروع”. 

وتابع: “في النهاية، الأمر كله يتعلق بجني الأرباح وبيع هذه الأصول العمرانية للمستثمرين العالميين، وذلك على حساب السكان الأصليين لغزة”.

أوهام بلا أساس

بدورهم، يؤكد خبراء أن أي مشروع إعمار لغزة سيكون أكثر قبولاً لو ارتبط بإقرار دولة فلسطينية وبمشاركة الفلسطينيين أنفسهم.

 لكن خطة “ريفييرا غزة” كما طُرحت تفتقر لأي بعد سياسي أو وطني، بل تقوم على فرضيات واهية.

ويقول يارزومبك: “التفكير في مستقبل غزة من منظور إعادة الإعمار بعد الحرب أمر جيد، لكن المشكلة أن اللاعبين الخطأ هم من يتولون الأمر”.

وتتمحور أبرز هذه الفرضيات، وفق مراقبين، حول أن حركة حماس ستُمحى تماماً من المشهد السياسي والعسكري في القطاع. 

غير أن حتى أقرب شركاء واشنطن في المنطقة مثل مصر حذروا الأمريكيين من أن ذلك محض وهم، خاصة أن الحركة واصلت بعد نحو عامين من الحرب تنفيذ هجمات نوعية ضد جنود الاحتلال بأسلوب حرب العصابات.

تكلفة التهجير

وتكشف الوثائق أن الهدف الحقيقي للخطة هو دفع الفلسطينيين إلى خارج غزة، إذ توضح العروض المقدمة للمستثمرين أن الكلفة ستتراجع كلما غادر فلسطينيون أكثر. 

فبحسب الحسابات التي قدمها المنظمون، فإن كلفة المشروع ستنخفض بمقدار 23 ألف دولار عن كل 1% من السكان يتم تهجيره.

ويقترح أصحاب الخطة تقديم 5 آلاف دولار لكل فلسطيني، مع دفع بدل إيجار في بلد آخر لمدة أربع سنوات، إضافة إلى كلفة الغذاء لسنة واحدة، لإغرائهم على الرحيل القسري.

لكن المعماري عبدالرحمن كتانة من جامعة بيرزيت يرى أن المقارنة مع دبي أو مشاريع مستقبلية أخرى في المنطقة لا معنى لها.

ويقول: “من الناحية المالية، يمكن تنفيذ مثل هذه المدينة إذا أزيل كل شيء، لكن ذلك يتطلب مستثمرين يقبلون بالتطهير العرقي، وفي حالة دبي أنت مدعو من قبل أهل البلاد لمشروع اقتصادي، أما هنا فمن سيستضيفك؟”.

ويضيف كتانة: “من سيعيش في هذه الأبراج؟ من المستحيل تقريباً أن تقنع أحداً من إيطاليا مثلاً بشراء شقة في منطقة يعرف العالم كله أنها شهدت تطهيراً عرقياً”. 

ويتابع: “العقارات يمكن شراؤها وبيعها، لكن في فلسطين وفي غزة تحديداً للأرض معنى يتجاوز المال، لا يمكنك شراء علاقة الإنسان بأرضه بخمسة آلاف دولار”.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة