زلزال تركيا وسوريا: لم يمزق أديم الأرض فحسب، بل مزق الصحة النفسية لملايين البشر!

زلزال تركيا والصحة النفسية

بقلم ندى عثمان

عندما ضرب الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة سوريا وتركيا في أوائل فبراير، كانت الأولوية العاجلة لفرق البحث والإنقاذ تتمثل في العثور على ناجين بين أنقاض المباني المنهارة.

أما اليوم، ومع انتهاء البحث عن ناجين فقد بات من المنتظر أن تبدأ جهود إعادة البناء والإعمار الضخمة، فيما يواجه المتضررون من الكارثة تحديًا جديدًا، يتعلق بكيفية المضي قدمًا في الحياة والتكيف مع الوضع الجديد دون أفراد أسرهم وأصدقائهم ومنازلهم.

ويرى علماء النفس أن معالجة الندوب النفسية الناجمة عن تبعات الزلازل يجب أن تعطى أولوية عاجلة، ويحذرون بشدة من أن عواقب الزلازل على الصحة العقلية قد لا تكون واضحة تمامًا بعد وقوع المأساة بوقت قصير.

وفيما يلي مجموعة من الأسئلة التي أجاب عنها العديد من المتخصصين في مجال الصحة العقلية حول الآثار الخفية للزلزال.

١. كيف تؤثر الكوارث الطبيعية على أولئك الذين يعانون بالفعل من الصدمات؟

قُتل أكثر من 50 ألف شخص في الزلازل وتُرك عشرات الآلاف من الناجين دون أي ممتلكات ولا مكان دائم للإقامة.

فوفقًا لدكتورة النفس الإكلينيكية في كلية الطب بجامعة ستانفورد رانيا عوض، فإن المتضررين بشكل خاص من الزلزال هم اللاجئون السوريون في تركيا والنازحون الذين يقيمون في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري.

وقالت عوض أن الزلزال بالنسبة لهؤلاء كان أحدث المحطات في سلسلة طويلة من الصدمات، “ما نراه هنا هو صدمة متعددة الطبقات، ووضع معقد حيث نزح الناس عدة مرات”.

وأضافت:” في مجموعة الدعم التي كنت أديرها في هذا الحرم الجامعي، كان هناك عدد من الأشخاص الذين لديهم عائلات مباشرة في منطقة الزلزال، أحدهم قال ان هذا هو نزوحهم العشرين”.

دموع تركيا

وأوضحت عوض أن الناس عندما يتعرضون لأحداث صادمة تشمل الموت والدمار مرارًا وتكرارًا، تصبح صدمتهم معقدة حيث يصعب استعادة الأمان أو حتى ممارسة الحياة الطبيعية.

وبينت عوض أن الناجين سيشعرون بخيبة الأمل وانعدام الثقة، كما يمكن أن تؤدي هذه المشاعر إلى مشاكل طويلة الأمد في الصحة النفسية للأطفال وقد ترافقهم حتى مراحل المراهقة والبلوغ.

وتلاحظ عوض أن العديد من الناجين كانوا يرددون في كثير من الأحيان قول “الحمد لله”، الأمر الذي يبرز، برأيها، قوة الإيمان التي تتجلى في المواقف الصعبة، وتشير إلى أن موضوع الإيمان الديني بعد الأحداث الصادمة هو موضوع جدل عميق بين علماء النفس.

٢. كيف يتأثر الأطفال؟

يمكن للكوارث مثل الزلازل أن تخلف عدداً من الآثار على الأطفال، بينها القلق والحرمان من النوم والشعور بالخوف، فضلاً عن التغيرات في السلوك والمواقف.

ورغم الطبيعة النفسية لهذه التبعات، إلا أنها يمكن أن تؤثر على النمو البدني للطفل وقد تسرع من العمليات البيولوجية الطبيعية لديه.

على سبيل المثال، وجد الباحثون الصينيون الذين درسوا تأثير الزلازل على الأطفال في بلادهم أن كلا من الفتيات والفتيان قد وصلوا سن البلوغ مبكرًا في أعقاب الزلازل، وأشاروا إلى أن هذه التأثيرات قد تنجم عن التعرض المحتمل للمواد الكيميائية الملوثة إضافة إلى الإجهاد العقلي.

وترى المحاضرة الجامعية أن الأطفال معرضون للخطر بشكل خاص لهذه المخاطر لأن أجسادهم لا تزال في طور النمو ولم تكتسب قوة أجسام البالغين، مؤكدة على ضرورة “إدراك الآثار الجسدية التي يمكن أن تتركها الكوارث عليهم “.

وتعتقد أن الأطفال قد يعانون من مضاعفات اجتماعية وعاطفية وجسدية طويلة الأمد عندما لا يتلقون العلاج بشكل مبكر.

٣.  ما هي علامات مشاكل الصحة النفسية بعد وقوع كارثة؟

قد تظهر على كل من الأطفال والبالغين علامات جسدية ونفسية واضحة تدل على الصدمة النفسية عقب الكوارث الطبيعية.

وتوضح عوض بالقول إن “العلامات النفسية تشمل عدم النوم جيدًا والكوابيس، أما الأعراض الجسدية فتتمثل في خفقان القلب أو الشعور بالغثيان أو اضطراب المعدة”.

وتشمل العلامات الأخرى للصدمة الشعور بالدهشة أو الخوف وصعوبة التركيز وفقدان الشعور بالاستمتاع بالأنشطة التي كانت ممتعة، والشعور بالانزعاج أو الغضب.

“كلما تأخرت في بدء علاج شيء ما، كلما استغرق علاجه وقتًا أطول ” -الدكتورة رانيا عوض، طبيبة نفسية إكلينيكية

وتقول عوض إن التعرف على هذه الأعراض مبكرًا أمر مهم جدا لإجراء التشخيص وتقديم العلاج المناسب.

كما تحذر من أن البعض يخطئون في “التعامل” مع المشكلات النفسية بشكل صحيح، وتقول إن المخاطرة بعدم معالجة المشكلات عند ظهورها لأول مرة تقود إلى مواجهة مشاكل أخرى في المستقبل.

وأضافت أن ما يحدث هو أن الصدمة تعيش تحت السطح مباشرة، حيث يستمر الشخص في حياته الطبيعية ظانا أنه انتهى منها، لكن شيئا ما سيحفز ذاكرته ويعيده إلى الصدمة مجدداً.

وبحسب عوض، فإن أي شيء يمكن أن يسبب الصدمة من المحادثات إلى الأخبار أو الذكريات، مضيفة:” هذا هو السبب الذي يجعلنا نقول إنه كلما تأخر الشخص في طلب العلاج سيأخذ الأمر وقتًا أطول لمعالجته”.

٤. ما هو الوقت الأمثل لتقديم علاج الصحة العقلية؟

يعتقد معظم المتخصصين في الصحة العقلية والأطباء النفسيين أن المتضررين من الكوارث يجب أن يتلقوا المساعدة في أقرب وقت ممكن بعد الحدث.

وبالنسبة لعوض “كلما كان ذلك أسرع كان أفضل”، لكنها تعترف “بصعوبة الحصول على دعم نفسي عقب الأحداث الكارثية، لأن الأولوية العاجلة هي إنقاذ الناس وتوفير الاحتياجات الأساسية الأخرى”.

تسمي عوض الصدمة النفسية “الجرح غير المرئي” الذي يمكن أن يستمر إذا لم يتم علاجه، وبالنسبة للبعض فإن عدم معالجة الجروح النفسية يعني عدم القدرة على العودة إلى الإحساس بالحياة الطبيعية.

كما تسلط الضوء على أهمية التعرف على الصدمات المعقدة التي تنشأ عندما يتعرض الشخص الذي عانى من صدمات سابقة في حياته إلى صدمات أكثر خطورة.

٥. كيف سيؤثر هذا الزلزال على الأشخاص الذين يعيشون بعيدًا عن المنطقة؟

منذ وقوع الزلزال، اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو والصور المتدفقة من المنطقة المتضررة.

توفر منصات الوسائط الاجتماعية مثل انستغرام وتيك توك محتوى لا ينضب، يستخدمه الناس للبقاء على اطلاع على أحدث التطورات.

سماع أو رؤية هذه الأحداث تتكشف في الأخبار يمكن أن يثير الكثير من المشاعر الصعبة”- جيس ديكروز

ويقول الخبراء إن التعرض لهذه الصور يمكن أن يكون له أثر سلبي على الرغم من أن المشاهدين لن يتأثروا جسديًا بالزلزال.

إذ يرى جيس ديكروز، مدير محتوى المعلومات في Mind وهي مؤسسة خيرية للصحة العقلية مقرها المملكة المتحدة أن التعرض لهذه الأحداث في الأخبار يمكن أن يحرك الكثير من المشاعر الصعبة”.

وأضاف:” قد نبدو قلقين للغاية إذا تأثر الأشخاص الذين نعرفهم، واعتمادا على تجاربنا الخاصة، فإن مثل هذه الأخبار يمكن أن تذكرنا بالأحداث الصادمة التي مررنا بها “.

أما عوض، التي كانت تدير جلسات دعم في جامعة ستانفورد، فقد رصدت ملازمة كثير من الناس لهواتفهم محاولين الحصول على آخر التحديثات حول الزلزال، دون قدرة البعض على النوم أو تناول الطعام، في انتظار الأخبار عن أقاربهم.

وقالت عوض:” هذا نوع مختلف من الصدمات، إنه أمر ثابت ولا ينتهي، طالما أن لديك شبكة واي فاي، يمكنك مشاهدة الأخبار على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع “.

قد يبدأ الأشخاص الذين يشاهدون الكوارث الطبيعية في الشعور بالإرهاق والضعف، مما قد يزيد من شعورهم بالقلق لأنهم يجدون صعوبة في الابتعاد عن الأخبار.

وقال دكروز:” إذا كنت تواجه أيًا من هذه المشاعر الصعبة، فقد يكون من المفيد التفكير في وضع بعض الحدود حول تعرضك للأخبار، على سبيل المثال، يمكنك محاولة إلقاء نظرة على الأخبار أو وسائل التواصل الاجتماعي فقط في وقت معين من اليوم، لفترة محددة من الوقت”.

وأضاف: “يمكنك أيضًا التحدث إلى شخص تثق به حول ما تشعر به، مثل صديق أو أحد أفراد العائلة فقد يساعدك ذلك على الشعور بأنك مسموع”.

أما عوض فتقترح الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات معينة لمعالجة المشاعر، وتجنب التأثير على الآخرين بالمشاعر السلبية.

ويقول الخبراء أن مشاعر الحزن الطويلة التي تمنعك من الاستمتاع بحياتك قد تعني أن الوقت قد حان للتحدث إلى طبيب أو أخصائي الصحة العقلية.

٦. ما الذي يمكن أن يفعله الناس لمساعدة المتضررين عقليًا من الزلزال؟

وكغيرها من الخبراء في هذا المجال، تقول ماريا محمود إن أفضل نصيحة للذين يشاهدون الحدث من بعيد هي التركيز فقط على الأشياء التي يمكنهم التحكم فيها، وتجنب الشعور بالذنب لعدم تمكنهم من تقديم المساعدة.

“ومن المهم التحدث إلى المجتمعات التي تأتي من هذه البلدان وفهم الدعم المطلوب”- ماريا محمود، خط مساعدة الشباب المسلم.

من المهم أيضًا تفهم أن لدى الناس آليات تأقلم مختلفة، فبينما قد يرغب بعضهم في التحدث عن مشاعرهم، قد يختار آخرون عدم مناقشة الأمر من الأساس.

للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)

مقالات ذات صلة