بقلم ندى عثمان
لأكثر من 2000 عام، بقيت قلعة غازي عنتاب قوية، وبقي هيكلها سليمًا على الرغم من موجات الغزو والاستعمار التي شهدتها عبر سلسلة من الإمبراطوريات المتعاقبة في الشرق الأوسط.
ولكن بعد أكثر من ألفي عام، دمرت القلعة الواقعة في وسط مدينة غازي عنتاب بجنوب تركيا بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب بقوة 7.8 درجة وسط تركيا وشمال غرب سوريا يوم الاثنين، وتسبب بمقتل ما لا يقل عن 3000 شخص (حسب التحديثات الأخيرة) وإصابة آلاف آخرين.
ويتزايد عدد القتلى بسرعة، حيث هز زلزال ثان كبير المنطقة بعد أقل من 12 ساعة من الزلزال الأول.
بنيت القلعة الحجرية التاريخية، المعروفة محليًا باسم غازي عنتاب كاليسي، لأول مرة كنقطة مراقبة من قبل الإمبراطورية الحِثية خلال الألفية الثانية قبل الميلاد.
وتم توسيع القلعة إلى حصن كبير ثم استخدمتها الإمبراطورية الرومانية في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد.
وأظهرت الصور، التي تم تداولها على الإنترنت، القلعة بسورها الحديدي المنهار، فيما ذكرت وسائل إعلام محلية أن جدران مسجد سيرفاني التاريخي، الذي يقع بجانب القلعة، قد انهارت جزئيًا.
وبينما لا تزال الأضرار قيد التقييم، تسبب الزلزال في انهيار أكثر من 1700 مبنى، مع سقوط معظم الضحايا في مقاطعة هاتاي.
وتضم القلعة، التي تُعد معلما شهيرا وموقعا سياحيا رئيسيا، 12 برجًا إضافة إلى خندق كان يمتد حولها سابقا، وتعرض الموقع للغزو والاسترداد مرار وتكرارا على مر التاريخ.
وبعد أن تم تحصينها من قبل الرومان، انتقلت القلعة إلى حكم البيزنطيين عقب انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين، وخضع نصفها الشرقي الى حكم القسطنطينية (اسطنبول الحديثة).
وتحت حكم الإمبراطور جستنيان الأول، الذي جاء من عائلة بيزنطية في وسط البلقان ليصبح أحد أهم حكام الإمبراطورية البيزنطية، تم توسيع قلعة غازي عنتاب وتجديدها، وإنشاء خندق جاف ودهليز تحت الأرض للدفاع عنها أمام الغزاة.
وفي عام 661 م، سقطت القلعة من أيدي المسيحيين، وأصبحت ملكاً للسلالة الأموية، التي نشأت في مكة المكرمة، وبقيت تحت سيطرة المسلمين حتى عام 962م، عندما استعادها البيزنطيون.
وفي عام 1067، استولت الإمبراطورية السلجوقية على القلعة من البيزنطيين، قبل أن يسيطر الصليبيون المسيحيون عليها عام 1098، ومن هناك انتقلت إلى سلالة الأيوبيين، التي أسسها الفاتح الكردي العظيم صلاح الدين، السلطان الأول لكل من سوريا ومصر.
تبع ذلك قرون من الفتح والاستعادة، حتى استولت الإمبراطورية العثمانية على قلعة غازي عنتاب في عام 1516.
وتشير النقوش الموجودة على القلعة إلى إعادة بنائها بشكل كبير في عام 1557، في عهد سليمان القانوني، الذي امتد من عام 1520 إلى 1566، إلا أن الموقع فقد الكثير من أهميته العسكرية بعد خضوعه للعثمانيين.
وأثناء حصار مدينة عنتاب، حيث دار القتال بين القوات الوطنية التركية وجيش الشام الفرنسي الذي احتل المدينة خلال حرب الاستقلال التركية، اكتسبت عنتاب لقب “الغازي” وهو لقب شرفي يعني “المحارب” بعد أن دافع سكانها عن المدينة ضد الفرنسيين، لتصبح معروفة باسم غازي عنتاب.
وفي الآونة الأخيرة، كانت القلعة موقعًا لمتحف غازي عنتاب البانورامي للدفاع والبطولة، الذي اجتذب أعدادًا كبيرةً من الزوار.