أفاد أطباء في شمال غرب سوريا – دركوش وإدلب والحدود السورية التركية- أنهم غارقون تماما بمتابعة الحالات المتضررة جراء الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقالوا إنهم لا يملكون الموارد أو المعدات اللازمة لمعالجة الإصابات الحرجة التي عانى منها الناجون.
وتسبب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجة قبيل فجر يوم الإثنين في إلحاق أضرار ومعاناة جديدة في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة السورية، والذي دمرته بالفعل سنوات من القتال والقصف، والذي كان يأوي ملايين النازحين السوريين الذين فروا من منازلهم خلال فترة الحرب الأهلية في البلاد.
وتأكد مقتل أكثر من 3554 شخصًا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية وتلك التي تسيطر عليها المعارضة، في ظل سوء الأحوال الجوية وضعف البنية التحتية الأساسية التي أعاقت بشدة جهود الإنقاذ.
وقال الدكتور أحمد غندور، مدير مستشفى الرحمة في مدينة دركوش بمحافظة إدلب: “لقد أمضينا الأيام الخمسة الماضية في العمل لساعات طويلة دون أن نحصل على أي وقت للنوم أو الراحة من أجل إنقاذ الجرحى”.
وأضاف إن مستشفاه غص بأعداد كبيرة من القتلى والجرحى لدرجة أن أفراد الطاقم الطبي الذين عملوا هنا اضطروا إلى اتخاذ قرارات فرز مستحيلة بسبب نقص الموارد.
وفي حين اضطر معظم أفراد الطاقم الطبي للتعامل مع كسور في الذراعين والساقين أو الجروح الملتهبة، أوضح غندور أن الأيام القادمة ستشهد على الأرجح مواجهة الأمراض التي تنقلها المياه مثل الكوليرا، وزيادة حالات كوفيد -19 وحالات انخفاض حرارة الجسم أو عضة البرد.
وعجزت المستشفيات في شمال غرب سوريا، المنطقة التي تشكل آخر معقل رئيسي للمعارضة في البلاد، عن تنفيذ أبسط الإجراءات بسبب الهجمات المتكررة من قبل دمشق وحلفائها منذ بدء الصراع في عام 2011.
وتُعد المنطقة موطنا لحوالي 4.4 مليون شخص، بما في ذلك أكثر من مليوني نازح داخليا، وفقا لأرقام الأمم المتحدة، كما أن ما يقرب من 70 في المائة من السكان في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.
أين المجتمع الدولي؟
يتزايد الضغط على الأمم المتحدة لتقديم مساعدة عاجلة للإقليم، الذي لم يتلق حتى الآن مساعدة ذات مغزى بالرغم من مرور سبعة أيام من الزلزال الذي ضرب المنطقة.
يشار إلى أن قافلة مؤلفة من 14 شاحنة تابعة للأمم المتحدة دخلت عبر معبر باب الهوى يوم الجمعة إلى الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، بعدما كان قد تم تنسيقها قبل وقوع الكارثة بوقت طويل.
وقال غندور إن الزلزال تسبب في أسوأ الظروف التي شهدها منذ بداية الصراع وإن عدد القتلى سيستمر في الارتفاع ما لم تسرع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في إيصال المساعدات.
وأضاف: “إن فشل المجتمع الدولي في مساعدتنا في عمليات الإجلاء وتقديم المساعدات يزيد من المأساة التي نعيشها”.
واعترف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالوضع المزري، ووعد في وقت سابق من هذا الأسبوع بأن “المزيد من المساعدة قادم في الطريق، ولكن هناك حاجة إلى المزيد والمزيد”.
ومع تلاشي الأمل لمن لا يزالون محاصرين تحت الأنقاض، قال هيثم دياب، رئيس قسم التمريض في مستشفى الشفاء بمحافظة إدلب، إن الإحباط يتنامى بين أولئك الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة تحت درجات شديدة البرودة في ظل تضاؤل المواد الغذائية والإمدادات الطبية.
وقال دياب: “عندما كانت المنطقة تُقصف من قبل نظام الأسد وحلفائه، كان المستشفى يستقبل 15 إصابة كحد أقصى – مع تخصيص عدد لا بأس به من الأطباء والممرضات لكل مريض لتزويدهم بالعلاج اللازم، لكن العدد الهائل من الإصابات التي توجب علينا التعامل معها منذ أن بدأ الزلزال وضع ضغوطًا كبيرة على طاقمنا الطبي”.
أمل يتلاشى
وقالت الحكومة السورية يوم الجمعة إنها وافقت على إيصال مساعدات إنسانية إلى مناطق خارجة عن سيطرتها بعد أن قالت وزارة الخزانة الأمريكية إنها أصدرت رخصة للسماح بالإغاثة التي كانت محظورة بسبب العقوبات.
لكن الخبراء يقولون إنه من غير المرجح أن تسمح دمشق بتوزيع أي مساعدات تتلقاها بشكل عادل في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لأن القوات الحكومية استهدفت مرارًا المدارس والمستشفيات والمخابز في تلك المناطق.
وحتى بعد الزلزال المدمر الذي وقع يوم الاثنين، لم تسلم واحدة من القرى التي تسيطر عليها المعارضة من القصف الحكومي.
كما لم تسمح الحكومة السورية للمساعدات بالسفر مباشرة إلى تلك المناطق، وتم إغلاق أربع نقاط مساعدات عبر الحدود أنشأتها الأمم المتحدة في عام 2014 بشكل تدريجي من قبل دمشق وموسكو، تاركة معبر باب الهوى الحدودي كخيار وحيد متبقي.
وقال الدكتور شاكر الحميدو، مدير مستشفى باب الهوى، إن المستشفيات كتلك التي يعمل فيها كانت في حاجة ماسة إلى الأدوية والمستلزمات الطبية، على الرغم من تدفق بعض المساعدات أخيرًا.
وأضاف “فريق إدارتنا تواصل مع الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) مع طلب عاجل للحصول على إمدادات طبية إضافية، اخيرا استقبلنا البعض وبدأنا في علاج الجرحى”.
وارتفعت أعداد القتلى في ظل تأخر وتيرة المساعدات التي وصلت بعد فوات الأوان بالنسبة لآلاف الأشخاص الذين ما زالوا يائسين من رؤية أحبائهم يُخرجون من المباني المنهارة.
وقال الحميدو إنه في الأسابيع المقبلة، مع تحول جهود الإنقاذ إلى المهمة القاتمة المتمثلة في انتشال الجثث، سيحتاج عدد لا يحصى من الناجين إلى أدوية لارتفاع ضغط الدم ومرض السكري والمزيد من الأدوية غير المتوفرة.