تستعد مدينة رام الله لاستقبال وفد دبلوماسي رفيع المستوى تقوده المملكة العربية السعودية، في زيارة توصف بأنها الأكثر أهمية منذ ما يقرب من ستة عقود، فقد أعلنت السلطة الفلسطينية، الجمعة، أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيزور الضفة الغربية المحتلة نهاية الأسبوع، ليصبح بذلك أرفع مسؤول سعودي يزور الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1966.
وأفاد السفير الفلسطيني لدى الرياض لوسائل إعلام محلية أن الأمير فيصل سيترأس وفداً وزارياً عربياً يضم وزراء خارجية كل من الأردن ومصر وعدد من الدول العربية الأخرى في زيارة ” تهدف إلى إيصال رسالة واضحة للعالمين العربي والإسلامي بشأن مركزية القضية الفلسطينية”، مشدداً على أهمية التنسيق العربي في هذه المرحلة الحساسة من الصراع الفلسطيني مع دولة الاحتلال.
وتأتي هذه الزيارة في سياق إقليمي بالغ التعقيد، حيث لا تزال حرب دولة الاحتلال على قطاع غزة مستمرة منذ ما يزيد على 19 شهراً، وسط إدانات دولية واسعة لما وصفه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه “إبادة جماعية”، في تصريحات تناغمت مع توصيفات مشابهة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، إضافة إلى عدد من المؤرخين والخبراء البارزين.
محاولة لإحياء الدور العربي وتثبيت موقع السلطة الفلسطينية
وتشير التحليلات إلى أن الزيارة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الدعم الرمزي، إذ تُفهم أيضاً على أنها محاولة لإضفاء شرعية إقليمية متجددة على السلطة الفلسطينية، في مواجهة ما يُنظر إليه كمنافسة متزايدة من حركة حماس، خاصة في أعقاب الهجمات التي شنتها الحركة على جنوب دولة الاحتلال في 7 أكتوبر 2023.
وكانت تلك الهجمات، بحسب مصادر في حماس، تهدف إلى تعطيل مسار التطبيع الذي كان يُتوقع أن يحدث بين السعودية ودولة الاحتلال، وهو المسار الذي تم تعليقه فعلياً بعد اندلاع الحرب على غزة.
وقالت المصادر إن نجاح الهجمات في تحقيق هذا الهدف وضع السعودية أمام خيارات جديدة تتطلب إعادة التأكيد على ثوابتها بشأن القضية الفلسطينية.
تهديدات من دولة الاحتلال بعرقلة الزيارة
وفي تطور مثير، كشفت صحيفة تايمز أوف إسرائيل مساء الجمعة أن سلطات الاحتلال تدرس منع دخول الوفد الوزاري العربي برئاسة بن فرحان إلى الضفة الغربية، بحجة سيطرتها الكاملة على المعابر الحدودية مع الأردن.
وإذا ما نفذت دولة الاحتلال تهديدها، فإن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في علاقاتها مع السعودية وبقية دول المنطقة، في وقت حساس تمر به المنطقة.
منذ عام 2023، أكدت الرياض مراراً أن أي خطوات نحو تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال يجب أن تكون مشروطة بوجود مسار واضح ومُلزِم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهي المواقف التي أعادت السعودية التأكيد عليها في أكثر من مناسبة، بما في ذلك من خلال مبادراتها في الأمم المتحدة والقمم العربية.
دعم متجدد لحل الدولتين واجتماع مرتقب في نيويورك
ومن المتوقع أن تستضيف نيويورك الشهر المقبل اجتماعاً دبلوماسياً رفيعاً برعاية السعودية وفرنسا، بهدف إعادة إحياء فكرة حل الدولتين وإيجاد آليات عملية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويأتي هذا في أعقاب اعتراف كل من إيرلندا وإسبانيا والنرويج بدولة فلسطين، في خطوة رحبت بها الرياض ووصفتها بـ”الإيجابية والضرورية”.
وتعود آخر زيارة رفيعة لمسؤول سعودي إلى الأراضي الفلسطينية إلى عام 1966، حين زارها الملك فيصل، أما على الصعيد، فقد تم تعيين الدبلوماسي نايف السديري سفيراً غير مقيم لدى فلسطين قبل أسابيع من اندلاع الحرب على غزة، في إشارة سابقة إلى نية السعودية تعزيز حضورها السياسي في الملف الفلسطيني.
في ضوء هذه التطورات، تشكل زيارة الأمير فيصل بن فرحان إلى الضفة الغربية المحتلة علامة فارقة في مسار التحرك العربي، ليس فقط لدعم الفلسطينيين في ظل الحرب، بل أيضاً لإعادة بناء رؤية سياسية موحدة تتجاوز واقع الانقسام الفلسطيني وتعقيدات التطبيع.