يلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض على الرغم من سلسلة من المشاحنات الدبلوماسية بين الزعيمين منذ بدء عدوان الاحتلال على غزة في شرين الأول/أكتوبر الماضي.
ومن غير المرجح أن يكون للزيارة تأثير كبير على العلاقة الفعلية بين البلدين لكن اجتماع بايدن ونتنياهو سيعقد في الوقت الذي ابتعد فيه الزعيمان عن بعضهما البعض منذ تولى بايدن منصبه في عام 2021، إذ لم تُبد قاعدة الناخبين الديمقراطيين قبولاً لنهجه تجاه الاحتلال والحرب على غزة، وفي الوقت نفسه، فإن نتنياهو وأعضاء ائتلافه الحكومي انتقدوا مراراً وتكراراً إدارة بايدن وعدائها لحكومة تل أبيب اليمينية المتطرفة.
وقد أدت هجمات السابع من أكتوبر وحرب الاحتلال بعدها على قطاع غزة إلى تنشيط علاقات بايدن مع إسرائيل، حيث أظهر الرئيس الأمريكي دعماً كبيراً وحماسياً لجهود الحرب على الرغم من استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة على يد الاحتلال. وقال فرانك لوينشتاين، المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في عهد الرئيس باراك أوباما أن “الطريقة التي ينظر بها بايدن إلى الإسرائيليين تبدو كما لو أنهم كانوا من عائلته”.
وأضاف: “بموجب هذه النظرة يمكن لنتنياهو أن يرتكب أخطاء، ويمكنه أن يتحدى بايدن، ويمكنه أن يحبطه، ولكن في نهاية المطاف، ينظر الرئيس إلى إسرائيل باعتبارها عائلته، وسوف يغفر للإسرائيليين وسيعطيهم فرصة أخرى”. وتابع لوينشتاين: “استغل الإسرائيليون ذلك وتجاهلوا الأمور التي يطلب منهم بايدن القيام بها دون أي خشية حقيقية من أنه قد يتخذ خطوات صارمة ضدهم، وأعتقد أن هذا أدى إلى بعض الإحباط”.
ومع إعلان بايدن خروجه من السباق الانتخابي في تشرين الثاني/نوفمبر، سيتعين على رئيس حكومة الاحتلال أن يتعامل مع التغيير في الحزب الديمقراطي الذي أصبح أكثر عدائية للحكومة اليمينية في إسرائيل.
ومن المقرر أن يلقي نتنياهو خطاباً أمام الكونغرس في وقت لاحق من هذا الأسبوع، على الرغم من معارضته للإدارة الحالية في العديد من القضايا ومع وجود قاعدة دعم ضخمة بين الجمهوريين قبل الانتخابات الرئاسية.
وقال مناحيم كلاين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بار إيلان في إسرائيل: “يأتي نتنياهو كبطل فرض على إدارة بايدن قبوله، والالتقاء به، والسماح له بالتحدث في الكونغرس، لقد تغلب على كل المقاومة داخل الإدارة، ولذا فهو يأتي إلى الولايات المتحدة فائزاً”.
وعندما شنت دولة الاحتلال عدوانها على غزة في تشرين الأول/أكتوبر، قدم بايدن دعمه الكامل لجهود الحرب وذهب إلى حد إعلان مزاعم غير مؤكدة بأنه رأى صوراً لأطفال قُطعت رؤوسهم في هجمات السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل.
كما تحركت إدارته بسرعة لتسريع شحنات الأسلحة إلى دولة الاحتلال، وهو السلوك الذي أدى إلى استقالة المسؤول في وزارة الخارجية جوش بول.
ومع ارتفاع حصيلة الشهداء الفلسطينيين ومعظمهم من النساء والأطفال، ظل بايدن متحدياً في دعمه للاحتلال، بل أنه شكك في صحة حصيلة الشهداء التي أعلنتها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة وهم بالآلاف.
كما زار الرئيس الأميركي دولة الاحتلال والتقى بنتنياهو وحكومته الحربية، وهي الرحلة التي تباهى بها منذ ذلك الحين، قائلاً إنه أول رئيس أميركي يزور الدولة العبرية أثناء الحرب.
وبحسب ما ورد أشاد بايدن في جلسات خاصة بنهجه في التعامل مع الحرب، حيث نقلت عنه شبكة إن بي سي نيوز في تشرين الثاني/نوفمبر القول أن “أفضل طريقة للتعامل مع الإسرائيليين هي احتضانهم عن قرب ولكن ليس انتقادهم”.
وقال كلاين: “إن ما يقوله بايدن يتجاوز الواقعية السياسية إلى حد كبير، إنه ارتباط عاطفي”.
وطوال الأشهر القليلة الماضية، وجه بايدن عدة انتقادات مدروسة لجهود الحرب الإسرائيلية، وقال أحياناً أن حصيلة الشهداء الفلسطينيين مرتفعة للغاية ودعا الاحتلال إلى تجنب استهداف المدنيين.
كما وبخ بشدة الاحتلال بسبب هجومه الذي أسفر عن مقتل سبعة عمال من مؤسسة خيرية دولية في غزة.
كما دعا بايدن إسرائيل علناً إلى عدم غزو مدينة رفح الواقعة في أقصى جنوب غزة، قائلاً إنها “خط أحمر” وقال أن الهجوم عليها سيؤدي إلى تعليق بعض شحنات الأسلحة.
لكن الولايات المتحدة لم تنتقد الهجوم الإسرائيلي حين وقع فعلاً على رفح، ووصفت إدارة بايدن العملية بأنها محدودة ولم تعارضها واشنطن وهو الموقف الذي قوبل ببرود في إسرائيل.
وقال نتنياهو في أوائل أيار/مايو: “إذا احتاجت إسرائيل إلى الوقوف بمفردها، فسوف تقف بمفردها”.
وقال بايدن أيضاً إن الولايات المتحدة ستوقف شحنة واحدة من الأسلحة، من بين أكثر من مائة، وهو ما قوبل بغضب من رئيس وزراء الاحتلال.
ونشر نتنياهو مقطع فيديو على الإنترنت، اتهم فيه إدارة بايدن بـ “حجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل”.
ووصف كلاين ذلك بأنه “مقاربة طفل يعتقد أنه يجب أن يحصل على كل ما يريد”.
كما أعاق نتنياهو علناً الجهود التي تبذلها إدارة بايدن لتأمين اتفاقية تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو ما ترى فيه واشنطن جوهرة تاج سياستها الخارجية.
وقال بايدن مراراً وتكراراً أن مثل هذه الصفقة، التي ستبنى على اتفاقيات سبقتها في عهد سلفه دونالد ترمب، كانت قريبة من الاكتمال خلال فترة ولايته.
ورغم ذلك، استمر نتنياهو في التصريح علناً بمعارضته للدولة الفلسطينية، والتي قالت الرياض إنها شرط أساسي لقبول أي اتفاقية تطبيع من هذا القبيل.
وأوضح لوينشتاين: “لقد شعرت إدارة بايدن بالإحباط في نقاط خرج فيها بيبي عن طريقه ليقول علناً أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية أبداً ولن يسمحوا للسلطة الفلسطينية بدخول غزة”.
وقبل يوم واحد من لقاء نتنياهو مع بايدن، أطلق الرئيس الأمريكي إعلاناً مفاجئاً عن خروجه من سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/نوفمبر، قائلاً أنه سيؤيد نائبته كامالا هاريس، لتكون المرشحة الديمقراطية للمنصب الرئاسي.
وجاء الإعلان بعد أسابيع من ضغوط القيادة الديمقراطية والمانحين الرئيسيين على بايدن للخروج من السباق نظراً لأدائه البائس في مناظرة ضد المرشح الجمهوري والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
كما تضع التداعيات السياسية المحلية بايدن في موقف غير موات للترشح، فمع تركيزه الكبير على بقائه السياسي خلال الشهر الماضي، لم تكن حرب إسرائيل على غزة محور تركيزه الرئيسي.
وقال مسؤول أمريكي كبير سابق: “بايدن ضعيف سياسياً لدرجة أنه لن يرغب في الوقوف في وجه الإسرائيليين على الإطلاق”.
وأوضح كلاين أن الوقت قد حان للإدارة الحالية لإصدار موقف أكثر صرامة بشأن إسرائيل، وأن الدعم الذي حصل عليه بايدن على مدار الأشهر الماضية سمح لنتنياهو بمواصلة شن الحرب حتى بعد سقوط حكومته الحربية.
وقال كلاين: “يواجه بايدن عاطفياً مشكلة في استخدام العصا ضد إسرائيل، لكن كان ينبغي أن تكون هذه سياسة البيت الأبيض، لتعليم نتنياهو درساً”. وأضاف: “هذا لم يحدث، وبالتالي فإن نتنياهو يرى في ذلك بمثابة ضوء أخضر لمواصلة هجماته على الإدارة”.