بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يشرف حزب المحافظين البريطاني على التحول بشكل سريع جداً إلى حركة يمينية متطرفة يمكن مقارنتها بحزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للهجرة، والذي صعد نهاية الأسبوع الماضي إلى السلطة في ولاية تورينجيا الألمانية.
وبالنسبة لحزب ظل رمزاً للاستقرار السياسي البريطاني لمدة قرنين من الزمن، فإن هذا التحول يجب أن يدق ناقوس الخطر لدى كل من يهتم بالديمقراطية، وبالنسبة للمسلمين البريطانيين، فإن احتمال تمام هذا التحول مرعب بصراحة.
فقد أصبح انجراف حزب المحافظين إلى أقصى اليمين واضحاً بشكل مروع بعد الجولة الأولى من التصويت يوم الأربعاء لاختيار رئيسه القادم، حيث تم تنصيب الوزير السابق روبرت جنريك كمرشح مفضل لدى صناع الرهان بعد تأمين 28 صوتاً من مجموعة من 118 نائباً محافظاً نجوا من (حمام الدم) في الانتخابات العامة التي جرت في يوليو/تموز.
والآن، يعتقد المطلعون على الحزب أن جنريك سيكون من المؤكد أحد المرشحَين اللذَين ستفرزهما المنافسة بين النواب بالضربة القاضية ليصلا إلى مرحلة الاختيار النهائية، أي عندما يختار أعضاء الحزب المرشح الفائز.
اشتهر جينريك بتصريحاته المتعصبة، فقد قدم حتى الآن ثلاث مساهمات لافتة للنظر في السباق الانتخابي، كان أولها تصريحه على قناة GB News قبل شهر حين قال “لو كنت مواطناً أمريكياً، لكنت صوتت لصالح دونالد ترامب”.
تذكر أن ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، شجع وروج للغوغاء الذين احتلوا مبنى الكابيتول في محاولة لمنع جو بايدن من تولي رئاسة البلاد، وقد اشتهر أيضاً بتصريحاته المتعصبة المعادية للنساء وبمواقفه الإسلاموفوبية، وهو مغتصب مدان ومجرم، أدين بـ 34 تهمة تتعلق بتزوير السجلات التجارية، وتخبرنا معرفة أن جنريك يدعم ترامب بكل ما نحتاج إلى معرفته عن هذا المرشح اليميني وعن حزب المحافظين اليوم.
ادعاءات تحريضية
سجل جنريك أيضاً أنه بصفته رئيساً للوزراء، سيكون “مسروراً بالترحيب” بالزعيم السابق بوريس جونسون في حكومته، ونظراً لدعمه لترامب، فإن رغبة جنريك في إعادة كاذب مثبت إلى قمة هرم السياسة البريطانية ليست مفاجئة.
ولا مجال هنا للخوض في قرارات التخطيط المثيرة للجدل والروابط مع المانحين من حزب المحافظين والتي كانت سمة لافتة للنظر في فترة جنريك كوزير في الحكومة، فقد كان القلق الأكثر شهرة هو قراره قبل عدة سنوات بالموافقة، على عكس المشورة الرسمية، على تطوير عقاري بقيمة مليار جنيه إسترليني (1.3 مليار دولار) اقترحه ريتشارد ديزموند، وكان ديزموند وجنريك قد جلسا جنباً إلى جنب في حدث لجمع التبرعات للمحافظين، حيث أظهر ديزموند لجنريك مقطع فيديو للتطوير المقترح على هاتفه.
لا أريد الخوض في الصواب والخطأ، لكن من العدل أن نقول أنه من غير المرجح أن يبدد انتخاب جنريك مزاعم المحسوبية الموجهة ضد حزب المحافظين، والتي كانت سمة من سمات سنوات حكمهم.
ثالثاً، صنع جينريك حياته المهنية من الهستيريا المحيطة بما يسميه “التطرف الإسلامي”، ففي وقت سابق من هذا العام، دافع عن النائب المحافظ آنذاك لي أندرسون على أساس أن “أندرسون ليس معاديًا للإسلام”، بعد أن أعلن أن “الإسلاميين” يسيطرون على لندن، بالإضافة إلى سيطرتهم على عمدة المدينة صادق خان وزعيم حزب العمال كير ستارمر.
يجب على أولئك الذين يرغبون في فهم المسيرة المهنية الأخيرة للزعيم المحافظ القادم المحتمل أن يدرسوا خطابه في مجلس العموم في فبراير/شباط الماضي، والذي أكد فيه: “لقد سمحنا للمتطرفين الإسلاميين بالسيطرة على شوارعنا … والآن نسمح للمتطرفين الإسلاميين بترهيب أعضاء البرلمان البريطاني”.
لم يقدم جنريك أي دليل لإثبات هذه الادعاءات الخطيرة والمثيرة للجدل، وهو أمر غير مفاجئ لأنه لا يوجد أي دليل.
وقد وفر رد جينريك على أعمال الشغب الصيفية فهماً أفضل لما يعنيه بـ “المتطرف الإسلامي”، فقد اقترح أن يتم إلقاء القبض على الفور على كل من ينطق بمصطلح “الله أكبر”، وهو مصطلح عربي شائع يعبر عن الإيمان بالله.
وفي حال أصبح جنريك، كما يبدو مرجحاً، زعيما لحزب المحافظين عندما يتم فرز الأصوات النهائية في بداية الشهر المقبل، فيمكننا أن نتوقع المزيد من هذه الأمور.
آراء مثيرة للانقسام
إن مثل هذه اللغة هي التي أثارت أعمال الشغب في الصيف، هذه ليست مزحة، إنه لمن الصادم أن يكون لدى شخص كل هذه الآراء اليمينية المتطرفة والمثيرة للانقسام مثل جينريك عضوية في البرلمان عن حزب المحافظين، ناهيك عن كونه زعيماً للحزب.
أما أقرب منافس له فليس أفضل حالاً منه، كيمي بادينوخ، التي حلت في المرتبة الثانية في جولة القيادة هذا الأسبوع، لديها سجل طويل من التعليقات المعادية للإسلام والتي يعود تاريخها على الأقل إلى حملة زاك جولدسميث سيئة السمعة خلال ترشحه عام 2016 لمنصب عمدة لندن.
لقد سألت بادينوخ في ذلك الوقت، لماذا يجب أن يحصل صادق خان على تصريح مجاني للتسكع مع المتطرفين لمجرد أنه مسلم؟” في إشارة إلى خصم جولدسميث آنذاك، والذي فاز في سباق عمدة لندن.
ومؤخراً، صرحت بادينوخ أن انتصارات النواب المستقلين في الانتخابات العامة جاءت “على خلفية السياسة الإسلامية الطائفية والأفكار الغريبة التي لا مكان لها هنا”.
لقد كان رد فعل بادينوخ على أعمال الشغب في الصيف أكثر إثارة للقلق، فقد ظلت صامتة لفترة طويلة، بينما كانت الحشود تهاجم المساجد وتحاول قتل طالبي اللجوء في واحدة من أسوأ حلقات العنف العنصري في التاريخ البريطاني.
ثم تدخلت بادينوخ بدفاع قوي عن الجدلي اليميني المتطرف دوغلاس موراي، وهو صديق تومي روبنسون، بعد ظهور مقطع فيديو دعا فيه إلى الهجوم على المجتمعات المهاجرة في المملكة المتحدة.
ومن الجدير أن نتذكر بالضبط ما قاله موراي، في تصريحات أدلى بها قبل أعمال الشغب: “لا أريدهم هنا”، وقال عن المجتمعات المهاجرة: “إذا لم يتم إرسال الجيش، فسيتعين على الجماهير أن تتدخل وأن ترتب هذا الأمر بنفسها، وسيكون الأمر وحشياً للغاية”.
ومع تصاعد الانتقادات لموراي، نشرت بادينوخ على موقع X : “ليس من المستغرب أنهم يريدون إلغاء دوغلاس لكنهم لن ينجحوا”.
وكما أشار الأكاديمي جوناثان بورتيس: “سيكون من الجيد أن يسأل بعض الصحفيين @KemiBadenoch عما إذا كانت تعتقد أنه من المناسب لشخص يريد أن يصبح رئيس وزراء المملكة المتحدة أن يؤيد دعوة مباشرة للعنف الغوغائي”.
تحليل قنوع
وأخيراً، دعونا نلقي نظرة على النائب المحافظ المسؤول عن مسابقة الزعامة، يجب التأكيد على أن بوب بلاكمان، الذي يمثل منطقة هاروو إيست، هو ببساطة منظم تصويت الزعامة، مع واجب دستوري بالبقاء على الحياد، لكن حقيقة أن نواب حزب المحافظين انتخبوه رئيساً للجنة البرلمانية المؤثرة للغاية 1922 تخبرنا بالكثير.
فلدى بلاكمان تاريخ في مغازلة المواقف المعادية للإسلام، ففي عام 2017، استضاف في مجلس العموم فعاليات حضرها تابان غوش، القومي الهندوسي الذي دعا الأمم المتحدة إلى السيطرة على معدل المواليد المسلمين وأشاد بالإبادة الجماعية لمسلمي الروهينجا، وعندما تم لفت انتباهه في ذلك الوقت، قال بلاكمان إنه لم يكن على علم بتصريحات غوش.
وأعاد بلاكمان أيضاً عام 2016 تغريد منشور للناشط اليميني المتطرف تومي روبنسون، وعندما تناولت صحيفة التايمز هذا الموضوع، قال بلاكمان: “لقد أعيد نشر هذه التغريدة بالخطأ، وأنا أدين آراء تومي روبنسون ورابطة الدفاع الإنجليزية”.
وبالمناسبة، يصف بلاكمان نفسه بأنه “مسيحي ذو جذور يهودية، وهندوسي فخري”، ومن الواضح أن المسلمين غائبون عن هذا اللقب، حيث يعيش الآلاف منهم في دائرته الانتخابية.
ويرى التحليل التقليدي في وستمنستر أن كل هذا لا يهم كثيراً، لأن المحافظين سوف يسلمون أنفسهم إلى عدم الأهمية الانتخابية ما لم يعودوا إلى الوسط.
وأخشى أن يكون هذا التحليل قنوعاً للغاية ويتجاهل كل درس من السياسة العالمية الأخيرة، بما في ذلك صعود ترامب في الولايات المتحدة وعودة الأحزاب النازية الجديدة في ألمانيا.
هناك سيناريو محتمل يخيفني بشكل خاص: فشل حزب العمال بقيادة ستارمر في الحكومة، مما يترك حزب المحافظين بقيادة جنريك أو بادينوخ المعارضة الرئيسية، بدعم من وسائل الإعلام المحافظة اليمينية المتطرفة، هذا الاحتمال واقعي، وبالنسبة للأقليات العرقية والدينية البريطانية، وخاصة المسلمين، فهو أمر يثير قلقاً عميقاً.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)