بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أطلق زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر في ذروة هذه الحملة الانتخابية الوعد بالعمل على “تطهير” السياسة “لضمان أعلى معايير النزاهة والصدق”، وهذا طموح مثير للإعجاب، أما طريقة تحقيق ذلك فغريبة حقاً.
فقد خاض ستارمر واحدة من أبشع الحملات الانتخابية وأكثرها وقاحة من بين جميع الحملات التي أتذكرها خلال الأعوام الـ 30 من التغطية في وستمنستر.
لقد سُجِّلت محاولة المحافظ زاك جولدسميث لتولي منصب عمدة لندن قبل ثماني سنوات في التاريخ باعتبارها واحدة من أكثر الحملات الانتخابية معاداة للإسلام على الإطلاق، لكن حملة ستارمر جاءت أكثر وقاحة، ففي خيانة للسياسة التقدمية، انقلب زعيم حزب العمال بلا رحمة ضد الأقليات.
وخلال الأسبوع الماضي، استغل حزب العمال محنة المهاجرين من بنغلاديش، وقال ستارمر في المناظرة الانتخابية عبر صحيفة “ذا صن”: “في الوقت الحالي، لا يتم إبعاد القادمين من دول مثل بنغلاديش، لأنهم لا يخضعون للتحقق”.
وبعد الجدل الذي أثارته تلك التصريحات، قال ستارمر لقناة “إيه تي إن بانغلا”، وهي محطة تلفزيونية بنغالية، إنه لم يقصد الإساءة وأنه ذكر بنغلاديش فقط لأن العلاقات البريطانية الجيدة معها كانت “في مقدمة اهتماماته”.
سجل حزب العمال في العنصرية
أنا لا أصدق ادعاء ستارمر بأن إشارته إلى المهاجرين البنغال جاءت عفويةً، ففي نفس اليوم الذي انفجر فيه ستارمر، استخدم وزير حكومة الظل جوناثان آشورث نفس العبارة بالضبط عندما أخبر هيئة الإذاعة البريطانية أن حزب العمال سيعيد المهاجرين “من دول مثل بنغلاديش أو أينما كان” إلى بلدانهم الأصلية.
وباعتباري مراسلاً سياسياً متمرساً، فأنا أعرف كيف تعمل الحملات السياسية، حيث يقوم الاستراتيجيون في الحزب بإعداد شبكات تحدد، على أساس يومي، المكان الذي سيذهب إليه قادة الحزب والموضوعات التي يخططون لتسليط الضوء عليها.
يبدو الأمر وكأنه مصادفة كبيرة أن يستخدم ستارمر نفس اللغة التي استخدمها آشورث في اليوم الذي كان فيه رئيس وزرائنا المستقبلي المحتمل يلتقي بصحيفة صن اليمينية.
لقد بدا لي هذا وكأنه مدروس مسبقاً حيث استحضرت مقولة أوسكار وايلد الشهيرة: “إن فقدان أحد الوالدين، السيد وورثينج، قد يُنظر إليه على أنه مصيبة، أما فقدان كليهما فيبدو وكأنه إهمال”.
والواقع أن حزب العمال الذي يتزعمه ستارمر لديه بالفعل سجل من العنصرية ضد الناخبين المسلمين والسود.
هل تتذكرون عندما قال “مصدر” من الحزب لهيئة الإذاعة البريطانية إنهم يعتقدون أن حزب العمال في طريقه إلى خسارة تصويت عمدة وست ميدلاندز نتيجة “الشرق الأوسط وليس وست ميدلاندز” ووصف حماس بأنها “الأشرار الحقيقيون”؟
وهل تتذكرون أيضاً الإحاطة الإعلامية لحزب العمال بعد انتخابات المجلس في أيار/مايو التي وُصف فيها ترك أعضاء المجلس المسلمين لحزب العمال بسبب غزة بأنه “تخلص من البراغيث”؟ وهل تذكرون المعاملة المروعة التي تلقتها فايزة شاهين، عندما أزيل اسمها من قائمة المرشحين في اللحظة الأخيرة دون سابق إنذار أو فرصة للاستئناف.
إن الالتباس حول ديان أبوت، أول نائبة سوداء في البرلمان البريطاني، في بداية الحملة، يندرج في نفس النمط.
كما هو الحال مع المعاملة البشعة التي تلقاها أعضاء حزب العمال المسلمين، كما كشفت عنها قناة الجزيرة في برنامج “ملفات حزب العمال”، بما في ذلك أدلة على ملف سري استُخدم لحرمان حوالي 5000 عضو من أعضاء حزب العمال المسلمين من حقهم في التصويت، والذين اتُهموا بمحاولة “التسلل” إلى الحزب في حي نيوهام بلندن.
تخيلوا أدلة مماثلة تحيط بالأعضاء اليهود تظهر خلال عهد كوربين، كان من الممكن أن ينهار السقف جراء ذلك بكل معنى الكلمة.
لقد نفى حزب العمال الاتهامات بالعنصرية، لكن تلك الاتهامات اكتسبت مصداقية عندما نشر مارتن فورد تقريره لعام 2022 حول معاداة السامية وأشكال أخرى من التمييز داخل الحزب، حيث حدد فورد “تسلسل هرمي للعنصرية”، بما في ذلك “مشاكل التمييز الخطيرة”.
تم تجاهل ملفات حزب العمال، التي تعد ضرورية لأي فهم جاد للحزب الذي يتزعمه ستارمر، تماماً في وسائل الإعلام الرئيسية، ومن السهل تخمين السبب، حيث تتقاسم إمبراطورية مردوخ الإعلامية ومنافسيها نفس الازدراء للمسلمين البريطانيين الذي كشفت عنه قناة الجزيرة من داخل الحزب.
تسهيل انتخاب المتطرف فاراج
يساعدنا التعصب المشترك الذي يوحد وسائل الإعلام البريطانية ومعسكر ستارمر في تفسير العديد من سمات حملة حزب العمال التي لا معنى لها على الإطلاق حين تصدر عن حركة سياسية تقدمية.
فصمت ستارمر إزاء التعصب المناهض للمسلمين من قِبَل نايغل فاراج بعد توليه قيادة حزب الإصلاح هو أحد الأمثلة، حيث كان المرء ليتوقع إدانة قوية من رئيس وزراء مستقبلي.
وتتعلق إحدى دراسات الحالة المروعة بمنطقة كلاكتون، الدائرة الانتخابية في إسيكس حيث يترشح فاراج للبرلمان، وكان من المتوقع أن يقاتل حزب العمال بكل ما أوتي من قوة لمنع فاراج من الفوز.
ولكن العكس هو ما حدث، فوفقاً لتقرير في صحيفة الغارديان، قالت مصادر من الحملة المحلية في كلاكتون “لقد مُنعوا من طباعة المنشورات، ومنعوا من استخدام برامج الدعاية، وتمت السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالحملة، وتم حذف المنشورات على X”.
وأفادت صحيفة الغارديان أن المرشح الرسمي لحزب العمال، جوفان أوسو نيبول، قد أُمر بالتوقف عن العمل ومغادرة كلاكتون والبدء في حملته في ويست ميدلاندز.
ونقلت الصحيفة عن ناشطة في حزب العمال تدعى تريسي لويس قولها : “أنا مؤيدة لحزب العمال منذ فترة طويلة، ولكن إذا لم يتمكنوا من خوض معركة ضد نايجل فاراج، فمن أجل من يقاتلون؟”، وفي أعقاب ذلك، استقالت لويس من الدائرة الانتخابية للحزب.
وخلال الليلة الماضية، علقت صحيفة “فويس” الناطقة باسم البريطانيين الكاريبيين أن حزب العمال “حصل على فرصة للتجمع حول مرشحه، وهو شاب أسود تحت سن الثلاثين في أمر نادر في السياسة.
واستدركت الصحيفة تقول: “ولكن من المرجح أن يفسر آخرون قرار حزب العمال بإسقاط جوفان أوسو نيبول على أنه استرضاء من ستارمر للشيء الذي كان ينبغي له أن يحاربه وهو العنصرية، لذلك يخشى من أن يبدو في نظر العنصريين داعماً بقوة لمرشح أسود واثق من نفسه ومناهض للعنصرية، وقد رأينا هذا في التعامل مع ديان أبوت”.
باختصار، يخوض حزب العمال بقيادة كير ستارمر انتخابات عنصرية، في حين يسهل انتخاب فاراج اليميني المتطرف كعضو برلماني إصلاحي، لقد ألقى حزب العمال بالناخبين المسلمين في البحر في ما يبدو لي وكأنه استراتيجية متعمدة لاسترضاء التعصب، هذا أمر محزن للغاية.
من المتوقع أن يفوز ستارمر بالانتخابات العامة في الرابع من تموز/يوليو، وتستحق حكومة المحافظين أن تطرد من الحكم باعتبارها واحدة من أسوأ الحكومات في تاريخ بريطانيا.
يتوق الملايين من الناس العاديين المحترمين إلى حكومة أكثر كفاءة ومبدأيةً، ومع ذلك، اختار ستارمر خوض معركة ساخرة وقذرة، تستهدف بعض أكثر الناس ضعفاً في بلدنا بينما يسترضي اليمين المتطرف المتجدد
هذه التكتيكات تجلب العار على حزب العمال وعلى ستارمر نفسه.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)