بقلم جوناثان كوك
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل 5 أشهر، قامت أعلى محكمة في العالم وهي محكمة العدل الدولية بالحكم بأن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، ومنذ ذلك القرار، حدثت الكثير من الأمور التي تعتبر في جلها بمثابة أدلة إضافية لإدانة إسرائيل تضاف إلى الأدلة التي نظرت فيها المحكمة الدولية في شهر يناير الماضي.
لقد سقط عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بين قتيل ومفقود وأصبحت غزة أرضاً قاحلة سوف تستغرق عقوداً لإعادة بنائها، ولكن حتى ذلك الحين، ليس لدى السكان مكان يعيشون فيه، ولا مؤسسات مثل المستشفيات والمدارس والجامعات والمكاتب الحكومية لرعايتهم، ولا بنية تحتية مثل شبكات الكهرباء والصرف الصحي العاملة يمكن الاعتماد عليها.
قامت إسرائيل أيضاً بانتهاك الحكم الثاني الذي أصدرته محكمة العدل الدولية حين قامت بغزو مدينة رفح وقصفها مراراً وتكراراً، وهي “المنطقة الآمنة” الصغيرة التي دفعت إسرائيل إليها سكان غزة بدعوى حمايتهم!
بعد مرور 30 عاماً، لم يكتف الغرب بالعجز والتباطؤ في معالجة الجرائم المرتكبة ضد أهل غزة، بل عملت واشنطن وأقرب حلفائها، بما في ذلك بريطانيا، على تسليح المذبحة التي ترتكبها إسرائيل والمساعدة في تجويع السكان!
علاوة على ذلك، فقد كثفت إسرائيل حصارها ومنعت وصول المساعدات، لدرجة أصبح معها هناك مجاعة في معظم أنحاء القطاع، يموت منها الأطفال والمرضى والضعفاء بأعداد متزايدة، وكل ذلك نتيجة لكارثة من صنع الإنسان بالكامل!
في ظل وجود الكثير من الأدلة، كيف تتعامل المحكمة الدولية مع محاكمة إسرائيل بشأن الإبادة الجماعية؟ والجواب الواضح أنها تتحرك كالسلحفاة، فمعظم الخبراء يتفقون على أنه من غير المرجح أن تصدر محكمة العدل الدولية حكماً نهائياً لمدة عام على الأقل، ويبدو أن القوى الغربية سوف تستمر حتى ذلك الحين، في منح إسرائيل الرخصة لإراقة المزيد من الدماء في غزة!
كل ذلك يعني الاستمرار في جرائم الإبادة الجماعية، فعلى هذا المعدل، فإن المحكمة لن تصل لحكمها القاطع بشأن الإبادة الجماعية إلا عندما تنتهي تلك الإبادة!!
عيون مغمضة بإحكام
لقد كان هناك إبادة مشابهة في منتصف التسعينيات، حين شهد العالم إبادة جماعية في رواندا، وقد تعهد وقتها الغرب بألا يتراجع هو والمؤسسات القانونية التي يفترض أنها موجودة لدعم القانون الدولي وحماية الأضعف، مرة أخرى، حتى لا تحدث جريمة بتلك الأبعاد البشعة دون حساب.
وبعد مرور 30 عاماً، لم يكتف الغرب بالعجز والتباطؤ في معالجة الجرائم المرتكبة ضد أهل غزة، بل عملت واشنطن وأقرب حلفائها، بما في ذلك بريطانيا، على تسليح المذبحة التي ترتكبها إسرائيل والمساعدة في تجويع السكان!
لقد كانت لحظة غير عادية أكدت مجدداً على مدى انعدام الأمانة في المهن الإنسانية في الغرب، ومدى ضعف المؤسسات التي يفترض أنها مستقلة مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية عندما تتعارض مع واشنطن!
أما حكم محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، فسوف ينص على تواطؤ الولايات المتحدة وحلفائها في الإبادة الجماعية، ولكن من الواضح أن ذلك غير مستعجل على الإطلاق!
من جانب آخر، وفي أواخر يونيو، أظهرت المحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة الشقيقة لمحكمة العدل الدولية، أنها أيضاً ليست في عجلة من أمرها لوقف المذبحة والمجاعة في غزة، ففي حين تحكم المحكمة العالمية على سلوك الدول، فإن المحكمة الجنائية الدولية تحكم على تصرفات الأفراد، وهي مخولة بتحديد ومحاكمة أولئك الذين يرتكبون جرائم نيابة عن الدولة.
في شهر مايو الماضي، كان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قد أثار حفيظة العواصم الغربية عندما أعلن أنه يسعى إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، فضلاً عن 3 من زعماء حماس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وفي حالة نتنياهو وغالانت، شمل ذلك جريمة إبادة الفلسطينيين في غزة، باستخدام المجاعة “كسلاح حرب”.
الحقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية تأخرت في قرارها الذي جاء بعد 8 أشهر، ومع ذلك، فقد شكل كلام خان لحظة أمل ولو وجيزة لأولئك الثكالى والمعوزين والجوعى في غزة، خاصة وأن قرارها أسرع تنفيذاً وتشكل تهديداً مباشراً وملحاً من محكمة العدل التي قد تستغرق سنوات.
بمجرد التوقيع، فإن مذكرات الاعتقال هذه تلزم جميع الأطراف الموقعة على نظام روما الأساسي، بما في ذلك بريطانيا ودول أوروبية أخرى، باعتقال نتنياهو وغالانت في حالة دخولهما إلى أراضي تلك الدول، وبحسب ما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، فإن قادة الجيش يشعرون بالقلق من تنفيذ الأوامر في غزة خوفاً من اتهامهم بارتكاب جرائم حرب.
بلطجة القوى العظمى!
أما في الواقع، فقد وافق قضاة المحكمة الجنائية الدولية على رفع السيف عن رقاب نتنياهو وغالانت وترك نساء وأطفال غزة والمرضى والمسنين، عُرضة للقنابل الإسرائيلية وسياسة التجويع!
بدلاً من الموافقة، كما كان متوقعاً، على اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فقد استسلمت المحكمة الجنائية الدولية للضغوط من الولايات المتحدة وبريطانيا، بل وكشفت عن استعدادها لإعادة النظر في مسألة ما إذا كانت لها ولاية قضائية على غزة، أوبعبارة أخرى، ما إذا كانت لديها السلطة لمحاكمة نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
لقد كانت لحظة غير عادية أكدت مجدداً على مدى انعدام الأمانة في المهن الإنسانية في الغرب، ومدى ضعف المؤسسات التي يفترض أنها مستقلة مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية عندما تتعارض مع واشنطن!
لقد تمت تسوية مسألة الاختصاص القضائي فيما يتعلق بغزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل المحكمة الجنائية الدولية منذ فترة طويلة، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما تجرأ خان على طلب أوامر الاعتقال في المقام الأول، ومع ذلك، فقد قبل قضاة المحكمة الجنائية الدولية المذكرات التي قدمتها الحكومة البريطانية المنتهية ولايتها سراً، والتي تشكك في السلطات القضائية للهيئة القانونية.
مما لا شك فيه هو أن المملكة المتحدة كانت قد شنت حملة الترهيب هذه ضد محكمة جرائم الحرب بالتنسيق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولم يقف أي منهما أمام المحكمة الجنائية الدولية لأنهما رفضا التصديق على قانون جرائم الحرب الذي أسسته المحكمة.
لقد جاءت خطوة المملكة المتحدة بمثابة تكتيك للتأخير، معتمداً على الضجيج الإسرائيلي المعتاد حول عدم منح كون اتفاقيات أوسلو للفلسطينيين ولاية قضائية جنائية على الإسرائيليين، وبالتالي لا تستطيع فلسطين تفويض هذه السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي هذه الحجة خلل واضح، فإسرائيل انتهكت بنود اتفاقات أوسلو منذ عقود أصلاً ولم تعد تعتبر نفسها ملزمة بها، ومع ذلك فهي تصر الآن، عبر بريطانيا، على أن الفلسطينيين ما زالوا مكبلين بهذه الاتفاقية التي عفا عليها الزمن.
الأهم من ذلك هو أن اتفاقيات أوسلو قد حل محلها منذ فترة طويلة واقع قانوني ودبلوماسي جديد، ففي عام 2012، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح الاعتراف بفلسطين كدولة، وبعد 3 سنوات، سُمح لفلسطين بأن تصبح عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، ثم قضت المحكمة أخيراً في عام 2021 بأن لها ولاية قضائية في فلسطين.
منذ ذلك الحين، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية، بما في ذلك الفظائع المرتكبة ضد الفلسطينيين وبناء المستوطنات المسلحة اليهودية حصراً على الأراضي الفلسطينية، مما يحرم الفلسطينيين من أي فرصة لممارسة حقهم في إقامة دولتهم، ولكن كل ذلك بوتيرة بطيئة للغاية.
الحقيقة أنه لو كان هناك نظام دولي فعال، لكانت أوامر الاعتقال ضد نتنياهو وكبار الضباط في إسرائيل قد صدرت منذ سنوات!
شراء المزيد من الوقت
لم تعد مسألة الاختصاص محل نقاش قانوني، ولكن فكرة إعادة النظر فيها بلا داع لن يؤدي لشيء إلا لشراء المزيد من الوقت الذي يمكن لإسرائيل فيه أن تقتل المزيد من الفلسطينيين وتدمر المزيد من بنية غزة، وتجوع المزيد من الأطفال الفلسطينيين.
جوهر الأمر يتلخص في التأجيلات غير المبررة والتي لا نهاية ولا حصر لها، فهي السبب الأهم في تمكين إسرائيل من القيام بإبادة جماعية، كما أدت من قبل إلى تهرب إسرائيل من تنفيذ اتفاقات أوسلو وتدمير مصداقية السلطة الفلسطينية، التي كان من المفترض أن ينبثق عنها حكومة فلسطينية منتظرة.
المفارقة أن إسرائيل بإراقتها للمزيد من الدماء في غزة، إنما تزيد الفلسطينيين إصراراً بأن حماس على حق، وأن إسرائيل لا ترغب في السماح بفكرة الدولة الفلسطينية، فقد كانت محتلة للأرض منذ طويل وقبل مجيء حماس
لقد أعطى إحجام الغرب عن ممارسة أي نوع من الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، القادة الإسرائيليين الثقة لإحكام قبضتهم الخانقة، وذلك من خلال بناء المستوطنات والتطهير العرقي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والحصار الذي أدى إلى تضييق الخناق على غزة.
لقد شكل التقاعس عن معالجة الظروف الصعبة المتزايدة في غزة سبباً في دفع حماس إلى أخذ خطوة في محاولة لتحريك الوضع الخانق في غزة، متمثلاً في هجمات 7 أكتوبر، بل وكان رفض الغرب التدخل بعد 7 أكتوبر سبباً في فتح الباب أمام المذبحة التي ترتكبها إسرائيل حالياً في غزة.
من جهة أخرى، فإن تأخر المحكمة الدولية في إصدار حكمها بشأن جريمة الإبادة الجماعية وتأخر المحكمة الجنائية الدولية في إصدار مذكرات الاعتقال، ينذر بالمزيد من الكوارث التي لا يمكن التنبؤ بها في المستقبل، فما من أمر مؤكد إلا أن إسرائيل لن تستطيع القضاء على حماس، كما تريد، من خلال المزيد من إراقة الدماء.
المفارقة أن إسرائيل بإراقتها للمزيد من الدماء في غزة، إنما تزيد الفلسطينيين إصراراً بأن حماس على حق، وأن إسرائيل لا ترغب في السماح بفكرة الدولة الفلسطينية، فقد كانت محتلة للأرض منذ طويل وقبل مجيء حماس.
الحقيقة التي أثبتتها غزة هي أن كل تلك الادعاءات كانت مجرد نسيج من الأكاذيب، وأن الأمر كان دائماً يدور حول التعامل مع العالم باعتباره رقعة شطرنج عملاقة يشكل حق واشنطن في تحقيق “الهيمنة الكاملة” الدافع الأساسي فيها وليس حماية الضعفاء
الحقيقة أن إسرائيل، بقتلها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، قد لعبت دوراً كبيراً في زيادة التجنيد لدى حماس، حيث يقبل المزيد من الشباب الفلسطينيين في غزة على المقاومة المسلحة، يقابله هزيمة ذاتية إسرائيلية.
إساءة في حال الاستمرار
في تعليقه على تأخر رد المحكمة الجنائية الدولية الأخير، أشار المستشار القانوني في هيومن رايتس ووتش، كلايف بالدوين، إلى أن المملكة المتحدة يجب أن تضع حداً “لمعاييرها المزدوجة في وصول الضحايا إلى العدالة”، مضيفاً أنه “سوف يتعين على الحكومة المقبلة أن تقرر سريعاً ما إذا كانت تدعم الدور الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المساءلة والدفاع عن سيادة القانون أم لا”.
لقد بات معلوماً أن من يرأس الحكومة المقبلة هو كير ستارمر، وذلك بعد فوزه في الانتخابات البريطانية التي جرت مؤخراً، بعد استفادته بشكل كبير من الانقسام في أصوات اليمين، وذلك رغم نسبة المشاركة المنخفضة وانخفاض الأصوات لصالح حزب العمال مقارنة بعهد سلفه، جيريمي كوربين.
طوال حملته الانتخابية، كان ستارمر حريصاً على إرسال إشارات إلى واشنطن ووسائل الإعلام الرسمية مفادها أنه مهتم بشراء المزيد من الوقت لإسرائيل أيضاً، وقد دفع ثمن ذلك في الانتخابات، فقد أدى إلى نفور العديد من العاملين في الحزب وخسر مقاعد أمام عدد من المرشحين المؤيدين لفلسطين الذين تنافسوا كمستقلين، بمن فيهم كوربين.
هذا قد يفسر سبب مسارعة مسؤولين في حزب العمال إلى التأكيد على أن ستارمر اتصل بنتنياهو للتحدث معه بصرامة، وأنه ينأى بنفسه عن قرارات الحكومة السابقة بإدارة التدخل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة الغارديان، فمن المتوقع أن يتخلى ستارمر عن الخطوة الحالية للمماطلة في المحكمة الجنائية الدولية بشأن إصدار مذكرات الاعتقال، ومع ذلك، لا تزال هناك قرارات مهمة، فهل سيتمكن حزب العمال من إعادة تمويل وكالة الأونروا بسرعة؟ وهل ستوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل؟ والأهم من ذلك كله، هل ستعترف بفلسطين؟ وترسل إشارة بتنفيذ حكم المحاكم الدولية؟
لا توجد علامات مبشرة
في يناير الماضي، وقبل أيام من إعلان المحكمة الدولية، أعلن ستارمر أن فلسطين لا يمكن أن تظهر إلى الوجود إلا بعد موافقة إسرائيل على هذا الاعتراف، فمزق بذلك سياسة حزبه التي استمرت لزمن طويل فيما يتعلق بالاعتراف بفلسطين كدولة، خاصة في ظل اعتراف أكثر من 140 دولة أخرى بفلسطين، بما فيها إسبانيا وإيرلندا والنرويج مؤخراً.
المفارقة التي لا تغيب عني هنا، هو أن ستارمر قد صنع اسمه أصلاً انطلاقاً من كونه محامياً في مجال حقوق الإنسان!
تزامناً مع الانتخابات الأخيرة، ذكرت صحيفة التايمز اللندنية أن ستارمر سوف يرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى يحصل على مباركة الولايات المتحدة لتجنب خطر خلاف دبلوماسي، فإسرائيل هي الدولة المفضلة لواشنطن، وهذا تأخير من شأنه أن يطمئن إسرائيل مرة أخرى إلى أنها تستطيع أن تفعل ما يحلو لها بالفلسطينيين.
نسيج من الأكاذيب
إن المسار السياسي الذي سلكه ستارمر يؤكد على حقيقة مهمة حول سياسات القوة الدولية، فكلما اقترب القادة الغربيون من السلطة، كلما شعروا بمزيد من الضغط لتنفيذ أوامر واشنطن، وهذا يعني دائماً التخلي عن المبادئ.
خير مثال على ذلك هو صورة الإخلاص لإسرائيل والاستعداد للتخلي عن الفلسطينيين وإلقائهم في معسكر الموت، باعتباره شرطاً مهماً للدخول في نادي القوة في الغرب، وقد نجح ستارمر في اجتياز هذا الاختبار بنجاح
لقد اصطف المانحون فاحشو الثراء لضخ الأموال إلى حزب العمال الذي ينتمي إليه ستارمر، رغم انخفاض أعضاء الحزب عدداً، مما يؤكد على أننا نعيش في عالم حيث يدافع فيه الأقوياء عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، ويزعمون فيه أنهم يساعدون الضعفاء، ولكنهم يساعدون في ذبحهم فيزداد القمع وسط وعودهم الكاذبة.
على مدار 3 عقود من الزمن، ظل الغرب يعلن عن أعماله الخيرية وإنسانيته، فقد وقعت غزوات وشنت حروب بدعوى حماية الضعفاء والمستضعفينن من كوسوفو إلى أوكرانيا ومن أفغانستان والعراق إلى ليبيا، وكان من المفترض أن تكون الديمقراطية وحقوق المرأة هي شعارات الغرب.
الحقيقة التي أثبتتها غزة هي أن كل تلك الادعاءات كانت مجرد نسيج من الأكاذيب، وأن الأمر كان دائماً يدور حول التعامل مع العالم باعتباره رقعة شطرنج عملاقة يشكل حق واشنطن في تحقيق “الهيمنة الكاملة” الدافع الأساسي فيها وليس حماية الضعفاء.
لقد كان الحديث عن الإنسانية موجوداً لإخفاء حقيقة أعمق وأكثر وحشية، وهي أن القوة لا تزال تصنع الحق، ولا أحد أقوى من الولايات المتحدة ومن تختارهم هي.
على سبيل المثال، فالفلسطينيون، على عكس إسرائيل، ليس لهم أي وزن في النظام الدولي، فليس لديهم جيش ولا طائرات حربية، وهم محرومون من السيطرة على حدودهم ومجالهم الجوي، وليس لديهم اقتصاد حقيقي أو عملة حقيقية، وليس لديهم الحرية في التحرك في أراضيهم ما لم توافق إسرائيل أولاً، بل هم لا يستطيعون حتى منع إسرائيل من هدم منازلهم أو اعتقال أطفالهم في منتصف الليل.
إن إساءة معاملة الفلسطينيين تأتي بأقل تكلفة سياسية، أما حمايتهم، فليس وراءها إلا القليل من المكاسب السياسية، وهذا هو بالضبط سبب استمرار إساءة معاملتهم يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وعاماً بعد عام وعقداً بعد عقد، فنحن نعيش في عالم من الخداع والنفاق.
لقد أظهر رئيس الوزراء البريطاني الجديد أنه بالفعل من أبرز المحترفين لتلك الفنون السياسية والكذب والنفاق، لست بحاجة لتسمع ما يقول، فقط راقب عن كثب ما يفعله على أرض الواقع لتدرك ذلك!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)