لقد تم التوصل إلى إجابة غير متوقعة حول من يتولى قيادة عملية إدارة غزة بعد حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل، وهو توني بلير!
لقد كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مؤخراً عن أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، وهو شخصية مثيرة للجدل في الشرق الأوسط، من المقرر أن يقود السلطة الانتقالية في القطاع، حيث نشرت الصحيفة مسودة لخطة ما ستبدو عليه غزة في ظل مبادرة بلير.
وتكشف الخطة عن تسلسل هرمي يتربع فيه مجلس دولي من المليارديرات ورجال الأعمال في القمة، بينما يوجد إداريون فلسطينيون “محايدون” في القاع.
وتحدد خطة مدة 3 سنوات بميزانية تبلغ 90 مليون دولار للسنة الأولى و134 مليون دولار للسنة الثانية و164 مليون دولار للسنة الثالثة، وهذه نفقات إدارية فقط ولا تشمل إعادة الإعمار أو المساعدات، كما
ستعمل الإدارة بشكل وثيق مع إسرائيل ومصر والولايات المتحدة.
فما هي أبرز النقاط الرئيسية في الوثيقة المسربة المؤلفة من 21 صفحة؟
مجلس المليارديرات:
سوف يكون اسم المؤسسة الجديدة التي تدير غزة “سلطة غزة الدولية الانتقالية” أو “غيتا”، وبموجب المسودة، فسوف تتم إدارة غيتا من قبل مجلس دولي يتمتع “بالسلطة السياسية والقانونية العليا لغزة خلال الفترة الانتقالية”.
سوف يكون المجلس مسؤولاً عن جميع التعيينات، ويشرف على كل مكونات الهيئة ويتألف من 7-10 أعضاء بما في ذلك الرئيس، كما سيضم المجلس مسؤولاً كبيراً في الأمم المتحدة، مثل سيغريد كاج، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط بالإضافة إلى “شخصيات دولية بارزة ذات خبرات تنفيذية ومالية”.
لقد تم ذكر 3 أسماء كمرشحين محتملين حتى الآن، أولهم مارك روان الملياردير الذي يمتلك واحدة من أكبر شركات الأسهم الخاصة في أمريكا، ونجيب ساويرس الملياردير المصري في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا، وأرييه لايتستون الرئيس التنفيذي لمعهد اتفاقات أبراهام للسلام.
تجدر الإشارة إلى أن لايتستون كان أحد كبار مستشاري ديفيد فريدمان، المدافع القوي عن حركة الاستيطان الإسرائيلية غير القانونية، عندما كان سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل بين عامي 2017 -2021 في ظل إدارة دونالد ترامب الأولى، ووفقاً لصحيفة هآرتس، فقد شارك أيضاً في إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية.
بالإضافة إلى هؤلاء المليارديرات القريبين من إسرائيل والولايات المتحدة، فسوف يكون هناك “ممثل فلسطيني مؤهل واحد على الأقل”، ومن المحتمل أن يأتي من “قطاع الأعمال أو الأمن”، ولكن لم يتم توضيح معنى كلمة “مؤهل”.
وأخيراً، ذكرت الوثيقة أن المجلس سوف يكون لديه “تمثيل قوي للأعضاء المسلمين لضمان الشرعية الإقليمية والمصداقية الثقافية”.
من الناحية المثالية، من المفترض أن تحظى هذه الشخصيات الإسلامية بدعم سياسي من بلدانها، ولكن أيضاً “بمصداقية تجارية طويلة الأمد”، كما سيتم “ترشيح أعضاء المجلس من قبل الدول المساهمة ويتم تأكيدهم من خلال عملية تنسقها الأمم المتحدة”، وسوف يقدم المجلس تقاريره إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي سيمنحه في نهاية المطاف سلطة القيام بمهامه.
ويضم مجلس الأمن حالياً أعضاء غير دائمين أدانوا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، مثل الجزائر وباكستان وسلوفينيا، بالإضافة إلى الأعضاء الدائمين روسيا والصين.
سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت هذه الدول ستوافق على حكومة انتقالية في غزة يديرها في الغالب مليارديرات وشخصيات أعمال غير فلسطينية!
رئيس المجلس… في الغالب توني بلير:
وقد ذكرت وسائل إعلام مختلفة بأنه يتم الترويج لبلير ليكون رئيس السلطة الانتقالية رغم عدم ذكر اسمه في المسودة، ولكن الوثيقة تطرقت للشراكات بين القطاعين العام والخاص لإدارة المشاريع الحكومية، وهي إحدى السياسات المميزة لبلير كرئيس لوزراء المملكة المتحدة.
بحسب مسودة الخطة، سوف يكون الرئيس بمثابة “المسؤول التنفيذي السياسي الأول والمتحدث الرئيسي والمنسق الاستراتيجي للسلطة الانتقالية بأكملها”، والذين سوف يتم تعيينهم من خلال “الإجماع الدولي” ومصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولا يوجد أي ذكر للإجماع الفلسطيني على اختيارهم.
إذا كان بلير هو الرئيس المقترح بالفعل، فقد يواجه صعوبة في الحصول على “الإجماع الدولي” على تعيينه، فتعامله مع حرب العراق كرئيس وزراء بريطانيا وكذلك تعامله مع سلسلة من المستبدين، جعله لا يحظى بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم.
سوف يمثل الرئيس المؤسسة غيتا “في جميع المنتديات الدبلوماسية والجهات المانحة والحكومية الدولية”، وسوف تقود غيتا أيضاً “الدبلوماسية الأمنية الإستراتيجية” مع جهات فاعلة أخرى، “بما في ذلك إسرائيل ومصر والولايات المتحدة”.
وتشير الوثيقة إلى أن كبار مسؤولي غيتا لن يكونوا في غزة في البداية،
ففي السنة الأولى، سوف يكون مقرهم في “خلايا التنسيق” مثل العريش في سيناء المصرية و”مراكز السياسة النائية” مثل القاهرة وعمان، وسيكون هناك انتشار جزئي في غزة بحلول العام الثاني، قبل “التشغيل الكامل” في القطاع في العام الثالث.
التسلسل الهرمي:
يوضح المخطط التنظيمي الموجود في نهاية الوثيقة التسلسل الهرمي لشركة غيتا، مع وجود مجلس الإدارة ورئيس مجلس الإدارة في الأعلى، ويوجد جهاز أمني، “قوة الأمن الدولية”، على نفس الصف مع مجلس الإدارة ورئيسه ويبدو أنه خارج التسلسل الهرمي.
سوف تقوم هذه الهيئة الأمنية بإدارة المعابر إلى غزة والمداخل البحرية و”المناطق المحيطة” بالتنسيق مع إسرائيل ومصر، كما ستنفذ “عمليات مستهدفة لمنع عودة ظهور الجماعات المسلحة”، وبذلك لا يوجد أي ذكر لحماس في الوثيقة بأكملها.
وتنبثق من مجلس الإدارة ورئيسه مباشرة عدد من الهيئات والهياكل، التي لا يبدو أن أياً منها يديرها الفلسطينيون بشكل مباشر، بما في ذلك هيئة الاستثمار والتنمية الاقتصادية و”الأمانة التنفيذية” التي ستعمل على تنسيق العمليات اليومية، بما في ذلك أنظمة الإنشاء الرقمي لتحديد هوية الفلسطينيين في غزة و”المنصات الرقمية للتراخيص والتصاريح”.
ويوجد تحت هذه الطبقة العديد من المسؤولين الذين يشرفون على العمل الإنساني وإعادة الإعمار والقضايا التشريعية والقانونية والأمن بالإضافة إلى منسق مع السلطة الفلسطينية، ففي أسفل الهرم، تظهر المشاركة الفلسطينية تحت مسمى “السلطة التنفيذية الفلسطينية”.
سلطة تنفيذية فلسطينية بصلاحيات محدودة:
رغم اسمها، إلا أن السلطة التنفيذية الفلسطينية، التي تقع في أسفل التسلسل الهرمي، لا تتمتع إلا بسلطة محدودة أو حتى شبه معدومة، وهي منفصلة عن السلطة الفلسطينية التي تدير أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
سوف تتكون من وزارات تكنوقراطية تدير الصحة والتعليم وإمدادات المياه والطاقة وسياسات سوق العمل والإسكان والعدالة الجنائية المحلية والرعاية الاجتماعية، من بين عدد قليل من مجالات السياسة الأخرى، وسوف يرأسها “رئيس تنفيذي فلسطيني” يعينه المجلس الدولي.
ومن الجدير بالملاحظة أن اللغة المستخدمة لجميع المناصب في الوثيقة، مثل مجلس الإدارة ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، تعكس هيكل العمل وليس بلداً أو إقليماً، حيث يقود المدير التنفيذي الفلسطيني عملية تحديد “المديرين” وليس الوزراء لرئاسة الإدارات المختلفة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والتخطيط، ويجب على المديرين “تلبية معايير الكفاءة الفنية والنزاهة والحياد”، وسيكون للمجلس الدولي للمليارديرات الكلمة الأخيرة في التعيينات “لحماية الشرعية المؤسسية والاستقلال”.
وتشير الوثيقة إلى أن “جميع رؤساء الإدارات يخضعون لمراجعة الأداء ويمكن إقالتهم أو استبدالهم وفقاً لإجراءات الحكم الانتقالي”.
وقد أوضح مصدر إسرائيلي لصحيفة “هآرتس” بأن السلطة التنفيذية الفلسطينية سوف تكون تابعة تماماً للمجلس ولن تكون لها سلطة مستقلة،
وعلى هذا النحو، سيكون الأمر أضعف بكثير مما حددته الإدارة التكنوقراطية في الخطة العربية المشتركة التي قادتها مصر في وقت سابق من هذا العام.
ويوجد تحت السلطة التنفيذية الفلسطينية عدد من الأدوار التي تشبه عمل البلديات والمتعلقة بإدارة الخدمات والمرافق العامة المحلية، حيث تنص الخطة على أن “جميع رؤساء البلديات وكبار مديري البلديات يتم ترشيحهم من قبل السلطة التنفيذية الفلسطينية ويتم تعيينهم رسمياً من قبل مجلس غيتا الدولي”.
مرة أخرى، تنص الوثيقة أيضاً على أن أي فلسطيني يتم تعيينه لمثل هذه الأدوار “يجب أن يستوفي معايير صارمة في الحياد السياسي”، دون توضيح ما إذا كان أمثال أرييه لايتستون، المستشار السابق المؤيد لإسرائيل والمذكور في الوثيقة كعضو محتمل في مجلس الإدارة، يعتبرون “محايدين سياسياً” أم لا!
القانون الدولي:
هناك العديد من الأذرع القضائية والقانونية للسلطة أيضاً، ويشمل ذلك وجود مشرف تشريعي وقانوني يضمن، من بين أمور أخرى، أن تعمل السلطة الانتقالية بطريقة “تتفق مع القانون الدولي”.
ونظراً لمدى قرب هذه السلطة من العمل مع إسرائيل، التي تنتهك القانون الدولي في الضفة الغربية وغزة منذ أكثر من 7 عقود، فسوف يكون عملها متوقفاً.
سيكون هناك أيضاً “مجلس قضائي” للإشراف على الإجراءات القانونية الواجبة والامتثال القانوني وإصلاحات قطاع العدالة، وسيكون المجلس “برئاسة محامٍ عربي حسن السمعة ويفضل أن يكون فلسطينياً”.
ومن المثير للاهتمام أن أحد أدوارها سوف يتضمن الحماية القانونية “لحق العودة” لأي فلسطيني في غزة يقرر مغادرة منزله طوعاً، حيث تنص الخطة على أن “غيتا لا تسهل أو تؤيد إعادة توطين السكان، ولكنها تضمن إجراء جميع التحركات التطوعية وفقاً للقانون الدولي وحماية الحقوق”.
ومن المرجح أن يشكك الفلسطينيون في أي وعود من هذا القبيل وخاصة من السلطة التي ستحظى بدعم إسرائيلي!
خلال نكبة عام 1948، عندما أُجبر 750 ألف فلسطيني على ترك منازلهم فيما يعرف الآن بإسرائيل، اعتقد الكثيرون أنهم سيرحلون لبضعة أيام فقط، وبعد مرور أكثر من 77 عاماً، لم يسمح لهم بالعودة بعد.
وتشير مسودة الخطة إلى أن غيتا ستعمل “بالتشاور الوثيق” مع السلطة الفلسطينية بهدف تسليم الإدارة إليها في نهاية المطاف، ولكنها لم تحدد جدولاً زمنياً لموعد حدوث ذلك.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)